عندما سئل السناتور الأمريكي الجمهوري “جون ماكين” مسؤول لجنة الشؤون العسكرية في الكونغرس الأمريكي عن أسباب سماح أمريكا لإيران أن ترسل جيشها وحرسها الثوري إلى سوريا في بداية عام 2013 وقد كان ماكين موجوداً في شمال سوريا في ذلك الوقت، كان جوابه:” إنه من اجل استنزاف إيران في سوريا”، ولا شك أن إيران سمعت بهذه العبارة، ولكنها لم تستفد منها، لأنها ظنت أن أمريكا قد كلفتها بمهمة وسوف تشكرها عليها بعد إتمامها، وهي القضاء على الثورة السورية، وما أقنع إيران بالتكليف الأمريكي لها أن أمريكا صادقة وحازمة بالقضاء على الثورة السورية طالما هي ثورة إسلامية في غالبها، ولذلك قدمت أمريكا الدعم لبشار الأسد للبقاء رئيساً معترفاً به من النظام الدولي، ومن الأمم المتحدة، بالرغم من ارتكابه مجازر إبادة بشرية وحرب عدوانية ضد الإنسانية واستعمل الأسلحة الكيماوية وغيرها من الأسلحة المحرمة دولياً، ومنعت الأسلحة عن المعارضة السورية، فكان دخول إيران بكامل عزيمتها وقوتها في قتل الشعب السوري مستندا للرؤية الأمريكية، وكانت إيران واثقة بأن أمريكا تحميها دوليا بالتعاون مع روسيا بالفيتو في مجلس الأمن أيضاً، ولم يخطر ببال القيادة الإيرانية بأن أمريكا قد فتحت على إيران أبواب جهنم في سوريا والعراق واليمن وغيرها خارجيا، وسوف تفتح عليها أبواب جهنم في الداخل بعد فقدانها القدرة على خدمة أمريكا في الخارج، وبذلك يكون قد انتهى دور النظام الحالي في هذه المرحلة. فبعد عقد كامل من بدأ الاستنزاف الإيراني في العراق وسوريا واليمن وغيرها، وثبوت العجز الإيراني عن ضبط الأمور في العراق، وعجزها عن القضاء على الثورة السورية وطلبها للنجدة من الجيش الروسي، وفشلها في إنجاح الانقلاب الحوثي في اليمن بعد عاصفة الحزم، وإدراكها أنها خسرت قضيتها الاعلامية بالكذب على الشعب الإيراني الداخلي، وأنها أدخلت الطائفة الشيعية في حرب طائفية ضد المسلمين، كان لا بد أن تبدأ الانتقادات الداخلية ضد السياسات الإيرانية الخاطئة والمدمرة في السنوات الماضية، ومن أكبر هذه الانتقادات ما جاء على لسان القائد السابق للحرس الثوري الجنرال “محسن رضائي”، وهو أمين مجلس تشخيص مصلحة النظام الإيراني، الذي حذر النظام الإيراني بأنه على وشك الانهيار ما لم يعالج مشاكله الداخلية، وحجته هي استشراء الفساد، وتفشي ظواهر الاختلاس والسرقات، وانتشار المحسوبية والرشاوى، وضعف مؤسسات الدولة. ما يلفت النظر أن الجنرال محسن رضائي، ركز على الأسباب الداخلية لانهيار النظام الايراني، ولم يذكر الأسباب الخارجية بل اعتبرها من أسباب ظواهر القوة التي تتمتع بها إيران، وذلك لأنه كان القائد السابق لميليشيا الحرس الثوري، أي شريك النظام الايراني في الخسائر الخارجية، ولذلك تجاهلها بل اعتبرها انتصارات، بينما هي فساد وخسارات خارجية أكبر من الداخل، وجاء في تصريح الجنرال رضائي إنه على “مسؤولي النظام أن يلتفتوا إلى الداخل بقدر ما يولون أهمية لتوسع نفوذ إيران الإقليمي”. إن هذا التحذير مغشوش بالتركيز على الأسباب الداخلية فقط، ولكنه يتضمن اعترافاً من قائد سابق للحرس الثوري الايراني من أن مسؤولي النظام الايراني أولوا أهمية لتوسيع نفوذ إيران الإقليمي، فالجنرال لم ينتقد سياسة توسيع النفوذ وإنما حذر من الفساد الداخلي على حساب توسيع النفوذ في الخارج، فقال: “قد تبدو ـ إيران ـ دولة ما قوية، لكنها عملياً على وشك الانهيار من الداخل”، وقال:” إن صورة النظام الخارجية قد تكون قوية جدا، لكن النظام قد يتآكل ويتجه نحو التفكك والانهيار والتقسيم”، مذكرا في معرض حديثه إلى انهيار الدولتين الصفوية والقاجارية في إيران بعد أوج قوتهما. لم تتوقف انتقادات الجنرال رضائي على الانهيار الداخلي في إيران وإن وصف سوء الإدارة والفساد والانحرافات الداخلية كقنابل موقوتة داخل إيران، فقد ذكر أمين مجلس تشخيص مصلحة النظام الإيراني ضمنياً إلى وجود أزمة سنية شيعية، وأزمة مع الشعوب غير الفارسية أو القوميات في إيران، قائلاً:” لا بد من العودة إلى مبادئ الثورة الإسلامية الإيرانية، وأن نضع جانبا قضايا الطائفية والقومية؛ حتى لا تلحق بنا الأضرار من الداخل”، وهذا يثبت أن الوضع الداخلي الايراني يتجه نحو مزيد من التأزم والانهيار، ليس فقط في المحافظات السنية والعربية والكردية، بل حتى في المحافظات الفارسية نفسها، وذلك بسبب تراجع الاقتصاد الإيراني، ووجود أزمة بطالة وسكن، وانتشار للإدمان على المخدرات بين فئات الشباب من الذكور والإناث، وتفشي ظاهرة التسول في الشوارع والمبيت في المقابر. إضافة للأسباب الداخلية غير خاف على أحد الأزمات الاقتصادية الخارجية التي يمر بها النظام الإيراني، سواء بمفعول الحصار والعقوبات الاقتصادية الغربية، أو بسبب الحروب التي تدخلها إيران في المنطقة دون مبرر ، مما يفرض عليها صرف المبالغ المالية الطائلة على بناء الأسلحة التقليدية بمسحة عصرية، فإيران تكرر أخطاء الاتحاد السوفيتي الذي بنى ترسانة عسكرية هائلة قادرة على تدمير الكرة الأرضية كاملة ستة مرات، بينما كان شعبه يتضور جوعا، وحلمه أن يعيش في الغرب، فانهار الاتحاد السوفيتي بسبب سياساته العسكرية الخاطئة، وإيران اليوم تصرف مال الشعب الايراني على الأسلحة والصواريخ على حساب جوع الشعب الايراني. وأما الفساد الأكبر فهو سيطرة الحرس الثوري وحده على ثلث الاقتصاد الإيراني، ومؤسسة “خاتم الأنبياء”، هو اسم لمجموعة شركات ضخمة في النظام الاقتصادي في إيران، وهي تابعة للمؤسسات الدينية التي تسيطر على حوالي 80 بالمائة من الاقتصاد الإيراني، ونتائج ذلك خطيرة على الفساد الداخلي، بدليل أن منظمة الشفافية الدولية تضع النظام الإيراني على رأس قائمة الدول الأكثر فسادا في العالم، وتحتل المرتبة 136 من أصل 175 دولة من حيث الفساد، وفق دراسة أجرتها منظمة “ترانس بيرنسي إنترناشيونال” غير الحكومية، فجذور الفساد ليست داخلية فقط، وإنما تعود للأخطاء الخارجية التي تستنزف الاقتصاد الإيراني في غير مصلحة الشعب الإيراني المسكين، إضافة لأخطاء النظام الإيراني في عداء العالم الاسلامي خارجيا دون مبرر سياسي ولا مشروعية أخلاقية. محمد زاهد جول منقول
مشاركة :