إن الحكمة تتجاوز المعلومات الجزئية إلى المفاهيم الكلية مع نوع من التطابق بين معارف الحكيم ومواقفه العملية له. والحكمة في مفهومها العام تعني وضع الشيء في موضعه، والمواقف الصحيحة الملائمة هي التي تكشف عن حكمة الحكماء. هناك عناصر أساسية للحكمة هي: الذكاء، والمعرفة، والإرادة. فالذكاء المتوقد، والمعرفة الواسعة، والإرادة الصُلبة تكوّن معاً: الحكمة. فالذكاء بمفرده لا يجعل الإنسان حكيماً، والمعرفة من دون ذكاء تؤخر ولادة الموقف الحكيم، والذكاء اللمّاح والخبرة الواسعة لا تجعلان الإنسان حكيماً ما لم يمتلك قوة الإرادة، لأن الإرادة القوية هي التي تنتج سلوكاً يختفي فيه الفارق بين النظرية والتطبيق.الذكاء موهبة من الله تعالى، والمعرفة الواسعة كسب شخصي، والإرادة القوية مستمدة من الأمة الناجحة التي تحدد لأبنائها الأرضية والسقف المطلوبين للعيش بكرامة على مستوى الإرادة، إرادة الفعل والكفّ. إن الحكمة أُم الوسائل والأساليب، إنها الخير الفياض المتجدد. هناك عروة وثقى وعلاقة أزلية بين الأحداث والحكمة، وفي المكرمة الأميرية السامية بإرجاع الحق لأصحابه، توثقت العروة وترسخت الحكمة من عقلٍ حكيم حصيف بشهادة كل من الأطراف المؤيدة والمعارضة لسحب الجناسي.من أهم تجليات الحكمة التي افتقدها كثير من قادة الأمة العربية في الأحداث والمواقف عامة، إدراك حجم القضايا على وجهها الصحيح، فالحكيم يرى الأشياء الكبيرة، كبيرة. كما يرى القضايا الصغيرة، صغيرة، كما هي. هو من يرى ما قبل اللحظة الراهنة، ويستشرف ما بعدها. يرى نظماً تتوازى، وتتقاطع، وتتصادم. إنه يشعر بالعاصفة قبل هبوبها، فيحذر قومه وينذرهم، كما قال سفيان الثوري: «إذا أدبرت الفتنة عرفها كل الناس، وإذا أقبلت لم يعرفها إلا الحكيم».إن المرارة لا تنبع من مفاجآت الأحداث وفواجعها، وإنما من غفلة الحكام والملوك والأمراء واستخفافهم بما وصلت إليه شعوبهم من درجات التطرف والإرهاب. ما نحتاجه اليوم في من يقود الأمة، أن يكون منهجه مستقيما وله معرفة بالدين، والفقه في التأويل، والفهم الذي هو فطرة ونور من الله، لقيادة الأمة لبر الأمان. روى ابن وهب عن مالك أنه قال في «الحكمة»، «إنها المعرفة بالدين، والفقه في التأويل، والفهم الذي هو سجية، ونور من الله تعالى».m.alwohib@gmail.commona_alwohaib@
مشاركة :