هيني سيندار معدلات التضخم في الولايات المتحدة الأمريكية سوف تتسارع بحيث تدفع مجلس الاحتياطي الفيدرالي لرفع أسعار الفائدة بسرعة لم نشهدها خلال السنوات العشر الماضية. وهذه الفرضية منتشرة في الأسواق ولها ما يبررها.فقد تسارعت معدلات التضخم الاسمية في الولايات المتحدة خلال شهر يناير/ كانون الثاني الماضي لتصل إلى 2.5% على أساس سنوي وهو أعلى مستوى تبلغه منذ مارس 2012. وفي ظل وعود الرئيس الجديد حول الضريبة والبنى الأساسية يتوقع خبراء الاقتصاد أن تزداد الضغوط التضخمية. وقد أشارت جانيت يلين إلى أن رفع أسعار الفائدة في اجتماع المجلس في مارس يبقى احتمالاً قوياً.إلا أن هوس ارتفاع الأسعار لا يقتصر على أعضاء الاحتياطي الفيدرالي. فالتضخم في الصين يتسارع أيضا بوتائر غير مسبوقة. فقد قفز مؤشر أسعار المنتجين بنسبة 6.9% في يناير. وهذه أحدث علامة على الارتداد من الركود الذي دام خمس سنوات صدرت خلالها الصين منتجات رخيصة جداً لكل دول العالم.ولا شك أن التضخم مرحب به في الصين لأنه يقلص أعباء ديون الشركات المثقلة بها وتستعيد القدرة على التسعير وتزداد أرباحها. والحقيقة أن البنك المركزي الصيني يتسامح مع التضخم الشامل في الاقتصاد رغم الضرر الذي يلحقه بأسعار الأصول جراء محاولاته تشديد سياسته النقدية.وحتى الآن كل هذا واضح وسهل على صنّاع القرار المالي في الولايات المتحدة. لكن خلف مؤشرات ضغوط الأسعار تكمن قوى تكنولوجية سوف تجعل من العسير على المجلس وعلى غيره من البنوك المركزية في العالم الحكم على التضخم والنمو. ولمزيد من التوضيح نأخذ مثالاً «الاقتصاد التشاركي» وآثاره في قطاع السيارات. فقد تراجعت مبيعات السيارات الشهر الماضي عالمياً بنسبة 7.1% مقارنة مع مبيعات شهر ديسمبر/ كانون الأول لتصل إلى 74 مليون سيارة حسب تقديرات مجموعة «جيه بي مورجان». ويرى البنك أن تراجع المبيعات يعكس التوجس من الإنفاق الاستهلاكي الذي يعم العالم في ظل انتعاش معدلات التضخم وهو ما يسفر عن تآكل الدخل الحقيقي. وتفيد مبيعات السيارات في يناير وتدني مبيعات قطاع التجزئة خلال شهري نوفمبر وديسمبر إلى أن النمو في إنفاق المستهلكين يتراجع.ورغم أن التراجع في مبيعات السيارات يثير القلق إلا أنه يطرح عدداً من الأسئلة على قطاع السيارات وعلى صنّاع القرار عموماً. أولها ما مدى ارتباط الانخفاض في يناير بالدورة الاقتصادية وما مدى تأثيره في مبيعات السيارات على المدى البعيد؟ ومتى تتحول السيارات من التملك الأسري إلى سلعة خدمية كتلك التي تستخدمها شركة أوبر، وهي الحالة التي تتركز فيها ملكية السيارات في ايدي من يشغلون أساطيل نقل الركاب؟وسجلت مبيعات السيارات في الصين تراجعاً لافتاً في يناير أيضا بلغ 18% أدنى من مبيعات ديسمبر. وفي هذه الحالة يكون ارتباط الانخفاض بالدورة الاقتصادية قوياً بسبب التغير في السياسة الضريبية. وتبقى مبيعات السيارات في الصين في وضع ممتاز مقارنة مع غيرها من الدول، حيث ارتفعت من 18 مليون سيارة عام 2010 إلى 27.5 مليون سيارة عام 2016 ومتوقع أن تبلغ 30 مليون سيارة عام 2020. ولكن مبيعات السيارات في الولايات المتحدة تسير في الاتجاه المعاكس. فقد كشفت دراسة لمجموعة سيتي غروب المصرفية عن أن مبيعات السيارات الأمريكية سوف تنخفض إلى 15 مليون سيارة سنويا عام 2030 مقارنة مع 17 مليون سيارة عام 2016 رغم الزيادة في عدد السكان.فما الذي تعنيه التغيرات في قطاع السيارات بالنسبة للبنوك المركزية وللمستثمرين؟ لا تعني الكثير على المدى القصير. أما على المدى البعيد فتطرح أسئلة حول دور الضغوط التضخمية في الاقتصاد الأمريكي. ولا شك أن ارتفاع الطلب على خدمات أوبر وأخواتها يعني تراجع الطلب على شراء السيارات وانخفاض تكاليف النقل وبالتالي ارتفاع معدلات الانكماش.والأسوأ من ذلك أن الاتجاه النزولي لمبيعات السيارات يوجه ضربة قاصمة لسياسة ترامب الذي وعد بتوفير المزيد من فرص العمل في القطاع الصناعي. فالمصانع مهددة بالإغلاق نتيجة تراجع الطلب الناتج عن الاقتصاد التشاركي ودور التقنية في إعادة رسم أشكال الطلب على السلع والخدمات.إلا أن أياً من هذه الأسباب لن يحول دون رفع أسعار الفائدة في حال نجح ترامب في تنشيط أداء الاقتصاد ورفع معدلات نموه خلال السنوات المقبلة. إلا أنها تشير إلى تأثير التغيرات التقنية في تبديل الصيغ الرئيسية للاقتصاد الأمريكي وطريقة مجلس الاحتياطي الفيدرالي في إدارة السياسة المالية. محللة في «فاينانشل تايمز»
مشاركة :