في عيد المرأة هللوا بالحقوق، توجوها بعبق الأزهار والورود، في يومها العالمي دللوها، لا تحتاروا وامدحوها، اذكروا ما نصت عليه مدونة الأسرة في فصولها، ولا تنسوا أن تلتئم الهيئات الحقوقية لذكر شيمها وقصص نضالها التي لا تكاد تنتهي، قصص كفاح لإثبات الذات، لنساء تمردن على الواقع وكسرن القيود، بل تجاوزن كل الحدود حتى احتللن الصدارة وبجدارة، في يوم نون النسوة نأتي على ذكر الإنجازات متلافين ما تبقى من تحديات. ما نبصره حالياً في مجتمعاتنا لا يقدم إلا صورة نمطية عن حضارة واعية نموذجية تدعي حرية المرأة، امرأة لا تكاد تستقل بكيانها حتى إنها تخضع في أبسط أمور حياتها إلى سلطة المجتمع، سلطة تحشر أنفها حتى في حسم قراراتها الشخصية! النماذج متنوعة، والصور واقعية لا زيف يلفها على أن المرأة لا تزال إلى حد الساعة تعاني في صمت، في حين أن مجتمعاتنا تهلل بحقوقها التي تتمتع بها فئة قليلة، فكيف نتحدث عن عيد المرأة ونخلد ذكرى نون النسوة ونحن ما زلنا نستيقظ على وقائع مفجعة من: - عنف يهدد حياتها ويشقي دربها، يمارس عليها بشتى أنواعه جسدياً ومعنوياً، فخلايا الإنصات تسجل نسب إقبال كارثية من لدن نساء ضحايا العنف، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على العقلية الرجعية التي لا تزال تعيش على وقعها مجتمعاتنا. - اغتصاب، قتل البراءة ودنس الطهر، بل من نجاسته لطخ اسم الفتاة بالعار وجعلها تفكر في الانتحار، هو ليس تعدياً على جسد بل إنه تعدٍّ على روح واغتصاب طموح وتدمير ذات بأكملها بهدف إرضاء رغبة عابرة ونشوة مقيتة جائرة. - زواج طفلة لا تزال تمسك دميتها وترغب في التحليق في سماء أحلامها بعيداً عن صخب الحياة، صبية تنتزع براءتها غصباً لتقدم على صحن ذهبي لشيخ عجوز، صغيرة لا تكاد تبلغ السابعة من عمرها تقدم ككبش فداء مقابل مبلغ معين وكأنها مقايضة، أو بالأحرى صفقة تجارية الكل فيها رابح، ما عدا الطفلة الصغيرة التي لا تفقه شيئاً سوى عالمها الوردي.. مع الأسف نعاود نسج التاريخ وكأننا نعيش في عصر الجاهلية. - الأمية التي تعانيها نسوة كثيرات، خصوصاً في المناطق القروية والأماكن البعيدة النائية، فلا يمكن لمجتمع أن يتطور والمرأة لا تبصر فيه نور العلم وتتخبط في الجهل بمختلف أشكاله. - الميز والعنصرية التي لا تزال إلى يومنا هذا تسيطر وتكهرب الأجواء، رغم أن الإعلام إلى جانب الهيئات والجمعيات الحقوقية يحاولون جاهدين ترقيع الواقع وإبراز ما حققته البعض من النسوة في مجالات معينة، لكن إذا ما أمعنا النظر في الوضع وأنصتنا إلى شهادات البعض منهن نكتشف ما خفي. - التحرش بمختلف أشكاله الذي يعد معضلة اجتماعية تهدد حرية المرأة وتكبل أنشطتها، بل تتطاول أحياناً على كرامتها وإنسانيتها وتجعل منها كائناً مستهدفاً في عملها في الشارع العام وحتى في المرافق العمومية. في القرن 21 حيث معالم التطور، الوعي والتقدم بادية، لا تزال مجتمعاتنا تعيش مثل هذه الأحداث التي تعود بنا ألف خطوة إلى الوراء، بل إن صح التعبير إلى عصر الجاهلية وما يعج به من وقائع كارثية تمارس في حق المرأة. إذاً في خضم كل ما سبق ذكره، يأتي العالم في يوم 8 من شهر مارس/آذار ليسلط الضوء على المرأة، المرأة التي تظل طيلة السنة في الخفاء تحت وقع سواد قاتم؛ حين ينقل الإعلام وقائع تعنيفها، طلاقها، اغتصابها، التحرش بها. يأتي العالم ليخلد عيدها ويذكرها بحقوقها التي كانت ولا تزال مجرد حبر على ورق، بل ويحتفل بيومها التاريخي، غير أن أشكال الاحتفال تختلف، فهناك من تحتفل بكدمات تعلو جسدها، وبلون الدم الأحمر الذي تنزفه مرة تلو الأخرى، تعبر عن حبها، أليس الأحمر لون الحب والعشق؟! وهناك من تحتفل بشق الطرقات الموحلة، سيراً على الأقدام مسافات طوالاً للحصول على خشب التدفئة أو جلب المياه، كذلك هناك صنف يحتفل بدموع الأسى، كصبية تبددت معالم طفولتها بعد أن استولى عليها عجوز تزوجها غصباً؛ ليحرمها براءتها ويسجنها في زنزانة الحرمان.. إلخ. في العيد تسود الفرحة، تعم البسمة وتحل الغبطة، فلا تعرف للحزن سبيلاً ولا للأسى طريقاً، لكن كيف يمكن وصف اليوم عيداً ونون النسوة في قفص الاتهام محاصرة من كل الجهات؟ فأغلب النسوة يشهدن أبشع المعاملات ويقع على عاتقهن جل المهمات. عذراً، لا عيد للمرأة حتى تنصف فعلاً لا قولاً، في بيتها، وعملها، وحتى في مجتمعها، لا عيد حتى يعترف بها ككيان مستقل لا تابع ينتظر من سيده الأوامر.. المرأة تحمل في جعبتها الكثير، فقط لا تقيدوها، وأطلقوا عنان إبداعها؛ لأنها قادرة على احتلال الصدارة وبجدارة. ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.
مشاركة :