هل بات المجتمع الكويتي عاقراً، ولا ينتج سوى الفساد السياسي؟ وإلا لماذا يكثر الحديث عن هذه الظاهرة في ظل الكلام عن النواب «القبيضة»، أو الجهات التي تخفي نفسها وتتولى عملية الدفع والتحويل؟ عدنا إلى «الإيداعات»، وإلى نغمة مَن قبض ومَن دفع؟ وكأننا في سباق مع الزمن لنشر ثقافة الفساد بدلاً من محاربتها. أظن أن من ينفخ في هذه «القربة» يفترض أن الديرة خلت من النظيف والشريف والوطني، وهذا أمر مخجل ومؤسف في آن واحد. والأكثر خطورة أن يتم ربط الديموقراطية بالفساد، وكأن من أراد ذلك يعمل على هدم هذه الميزة أو الفضيلة، التي تعطي للكويت نقاط قوة في المحيط الإقليمي وعلى المستوى الدولي. ولعَّل الخبث الأكبر يتمثل بترديد هذا التزاوج، أي أنكم إذا أردتم الديموقراطية، فلن يكون لديكم غير الفساد، ولن تحصدوا سوى الخيبة، ولذلك عليكم بالابتعاد عنها، بل وطلب الطلاق منها، لكي يصبح الحال من بعضه، ونتساوى، وتختفي من قواميسنا فكرة الديموقراطية والمشاركة بالقرار السياسي، ونتحول إلى لون واحد ليس فيه تنوع ولا اختلاف! اعتقد أن المثل القائل «كما تكونوا يولَّى عليكم»، هو أقرب للحال الذي نعيشه، أي أن المسألة تبدأ من تحت أي من الشعب، فكلما ازداد وعيه وثقافته وتربى في بيئة نظيفة، أنتج من يمثله بمواصفات مقبولة بعيدة عن لغة القبض والدفع والرشوة والتمصلح، ولكن ماذا تتأمل من ناخب جعلته أسيراً لخدمة هذا النائب أو ذاك، وبات عاجزاً عن المفاضلة، نظراً إلى إغلاق كل الطرق البديلة عنه، طرق الفرص المتكافئة في التوظيف، والعدالة الاجتماعية. نحن أمام اختبار حقيقي بالإصلاح السياسي، إما أن نخلق بيئة تساعدنا على إنتاج نوعيات تعمل للمصلحة العامة وللكويت وللمواطنة، أو أن نتجه إلى الفوضى السياسية، وإلى المخاصمات والتنفيعات والاحتكار، الذي نشاهده أمام أعيننا كل يوم. دخلنا في «العوقة» كما يقول الأطباء، وكل منا يرمي أزمته على الآخر، أضعنا الثقة في أنفسنا، وصرت تسمع الدواوين، وهي تتحدث بحسرة، كيف تدهورت حالتنا، وكيف دخلت ثقافة المناقصات والواساطات إلى كل مناحي حياتنا، فكثيراً ما يصل إلى مسامعك عن فلان، الذي أثرى من دون وجه حق، وعن الوكيل الذي استحوذ على المقسوم وبطرق ملتوية. لا نريد أن تغيب عنا قيم الأخلاق ومخافة اللَّه في الوطن وفي النفس، وبالتالي سنتحول إلى الهامش، ومجموعة أرقام وعلى حساب المواطن الغلبان، الذي يشكو حاله أمام حالة من الانهيار المجتمعي. نحتاج إلى فزعة وطنية تنقذنا من الحال، الذي وصلنا إليه، فزعة من النخبة الواعية، من قادة الفكر، من أصحاب الخبرات، توجه وتقود إلى الأفضل وإلى بيئة تحاسب المخطئ، وتعاقب المسيء.. عندها نكون بدأنا مرحلة الألف ميل.د. إبراهيم بهبهانيebraheem26.com babhani26@
مشاركة :