كتب - إبراهيم بدوي: أظهر استطلاع المؤشر العربي العام الذي أجراه المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات أن هناك شبه إجماع على رفض تنظيم "داعش" فيما تباينت الآراء حول أنجع السبل للقضاء على الإرهاب وتصفية التنظيم بين تكثيف الجهد العسكري أو دعم التحول الديمقراطي بالبلدان العربية أو حل القضيتين الفلسطينية والسورية. وأشار الاستطلاع إلى انقسام الرأي العام العربي حول واقع الثورات العربية ومستقبلها، إذ رأى 45% أنّ الربيع العربي يمرُّ بمرحلةِ تعثرٍ، لكنه سيحقق أهدافه في نهاية المطاف، مقابل 39% رأوا أنّ الربيع العربي انتهى وعادت الأنظمة السابقة إلى الحكم. جاء ذلك خلال إعلان المركز أمس عن نتائج استطلاع المؤشّر العربيّ لعام 2016 الذي نفّذه في 12 بلداً عربيّاً، هي: موريتانيا، والمغرب، والجزائر، وتونس، ومصر، والسّودان، وفلسطين، ولبنان، والأردن، والعراق، والسعوديّة، والكويت. شمل الاستطلاع 18310 مستجيبن أُجريت معهم مقابلات شخصيّة وجاهية ضمن عيّناتٍ ممثّلة للبلدان التي ينتمون إليها، ويعادل مجموع سكّان المجتمعات التي نُفّذ فيها الاستطلاع 90% من عدد السكّان الإجماليّ لمجتمعات المنطقة العربيّة، ونُفِّذ هذا الاستطلاع الميداني بين شهري سبتمبر وديسمبر 2016. أضخم مسح وأوضح الدكتور محمد المصري منسق وحدة الرأي العام في المركز العربي أنّ استطلاع المؤشر العربي الذي ينفذه المركز للعام الخامس على التوالي هو أضخم مسحٍ للرأي العام في المنطقة العربيّة، سواء أكان ذلك من خلال حجم العينة أو عدد البلدان التي يغطيها أو محاوره.. مشيراً إلى مشاركة 840 باحثاً في تنفيذه الذي استغرق نحو 45 ألف ساعة وقطع الباحثون الميدانيون خلاله أكثر من 760 ألف كيلومترٍ من أجل الوصول إلى المناطق التي ظهرت في العينة في أرجاء الوطن العربي، وأشار إلى أن تعدد موضوعات المؤشر ومحاوره يجعل بياناته مصدراً مهماً لصنّاع القرار والباحثين والمهتمين بشؤون المنطقة العربية. رفض داعش وأظهرت نتائج المؤشر أنّ الرأي العام العربي شبه مجمعٍ، وبنسبة 89% من المستجيبين، على رفض تنظيم "داعش"، مقابل (2%) أفادوا أنّ لديهم نظرةً إيجابيةً جداً و(3%) لديهم نظرة إيجابيةً إلى حدٍ ما تجاهه.. ولا ينطلق من يحملون نظرةً إيجابيةً نحو تنظيم "داعش" من اتفاقهم مع ما يطرحه من مواقفٍ وآراء ونمط حياةٍ، إذ إنّ نسبة الذين يحملون وجهة نظر إيجابية نحوه بين المتدينين جداً هي شبه متطابقة مع النسبة عند غير المتدينين.. ويعكس هذا بشكلٍ جليٍ أنّ من يحمل وجهةَ نظرٍ إيجابية نحو "داعش" ينطلق من موقفٍ سياسي مرتبطٍ بتطورات الأوضاع في المنطقة العربية والإقليم. ويتكرّس هذا من خلال تأكيد نحو ثلث المستجيبين أنّ استخدام الدين هو عنصر قوة "داعش" بين مؤيديه، مقابل أكثر من نصف الرأي العام يرى أنّ العوامل السياسية هي عناصر قوته بين مؤيديه. تصفية الإرهاب وعبّر الرأي العام عن وجهات نظر محددة تجاه الإجراءات التي يجب اتخاذها من أجل القضاء على الإرهاب وتصفية تنظيم "داعش"، وأفاد 17% بأن الإجراء هو تكثيف الجهد العسكري في الحرب على التنظيم، بينما رأى 14% أنّ دعم التحول الديمقراطي في البلدان العربية هو الإجراء الذي يجب اتخاذه للقضاء على الإرهاب وتنظيم داعش، واعتبر 14% أنّ حلّ القضية الفلسطينية هو أهم إجراء يجب اتخاذه من أجل القضاء على الإرهاب. وشدد 12% على أن إيجاد حلّ للأزمة السورية بما يتناسب وتطلعات الشعب السوري هو أهم إجراء للقضاء على الإرهاب وتنظيم الدولة، وعموماً يرى الرأي العام العربي أن مواجهة الإرهاب تعني تبنّي حزمة متكاملة من الإجراءات السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والعسكرية. الثورات العربية وأوضح المؤشر أن أغلبية الرأي العام العربي ترى أن الثورات خلال عام 2011 وخروج الناس في تظاهرات واحتجاجات سلمية إيجابية، ويجمع الرأي العام على أن هذه الثورات والاحتجاجات الشعبية كانت بدافع الثورة ضد الأنظمة الديكتاتورية والتحول إلى الديمقراطية وضد الفساد المالي والإداري.. فيما عبّر 3% من المستجيبين عن أسباب تنطلق من موقفٍ معادٍ للثورات على اعتبار أن ما جرى في عام 2011 مؤامرة، أو أن المواطنين كانوا مدفوعين من الخارج. وأظهرت نتائج الاستطلاع أن الرأي العام العربي منقسم حول واقع الثورات العربية ومستقبلها، فقد رأى ما نسبته 45% أنّ الربيع العربي يمرُّ بمرحلةِ تعثرٍ، لكنه سيحقق أهدافه في نهاية المطاف، مقابل 39% يرون أنّ الربيع العربي قد انتهى وعادت الأنظمة السابقة إلى الحكم. الأحزاب الإسلامية عبّر مواطنو المنطقة العربية (52% من المستجيبين) عن مخاوف محدودة أو كبيرة من زيادة نفوذ الأحزاب الإسلامية السياسية، مقابل 42% قالوا إنه ليست لديهم مخاوف منها. وأفاد 59% من المستجيبين أنّ لديهم مخاوف من الحركات العلمانية مقابل 33% أفادوا أنْ ليس لديهم مخاوف منها. إنّ وجود مخاوف من الحركات الإسلامية والعلمانية في آنٍ واحدٍ يعبِّر عن أنّ حالة الانقسام والاستقطاب في الرأي العام العربي أدت إلى رأيٍ عامٍ متحفظٍ تجاه كلا الطرفين، وإلى تخوف منهما. إنّ عدم التوافق بين هذه الحركات من ناحية، وعدم قدرتها على تبديد مخاوف المواطنين سيشكل عائقاً أمام التحول الديمقراطي ويفسح المجال لأجهزة ومؤسسات غير ديمقراطية استغلال هذه المخاوف والاتجاه نحو السلطوية. أولويات الدول أشار المواطنون إلى العديد من المشاكل والتحديات التي تواجه بلدانهم، وتوافق 44% على أن أولوياتهم هي أولويات اقتصادية. فيما عبر 20% من المستجيبين عن أن أولوياتهم تتعلق بأداء الحكومات وسياساتها مثل سياسات أنظمة الحكم أو انتكاسات التحول الديمقراطي أو ضعف الخدمات العامة وانتشار الفساد المالي والإداري. وركز 18% من المستجيبين على قضايا تتعلق بالأمن والأمان والاستقرار السياسي. وتظهر نتائج استطلاع 2016 تراجع نسبة الذين أكدوا على الأمن والأمان مقارنة باستطلاعي 2015، و2014؛ إذ أكد نحو ثلث المستجيبين فيهما على ذلك. الأوضاع الاقتصادية وتعكس نتائج المؤشر العربي أنّ الأوضاع الاقتصادية لمواطني المنطقة العربية هي أوضاع غير مرضية على الإطلاق، إذ إنّ 49% قالوا إنّ دخول أسرهم تغطّي نفقات احتياجاتهم الأساسية، ولا يستطيعون أن يدخروا منها (أسر الكفاف)، وأفاد 29% من الرأي العامّ أنّ أسرهم تعيش في حالة حاجةٍ وعوز، إذ إنّ دخولهم لا تغطّي نفقات احتياجاتِهم. الحكم الديمقراطي وعلى صعيد اتّجاهات الرأي نحو الديمقراطية، فيسود شبه إجماع، إذ عبّر 72% من المستجيبين عن تأييدهم النظام الديمقراطي، مقابل 22% منهم عارضوه. وأفاد 77% من المستجيبين أنّ النظام الديمقراطي التعدّدي ملائم ليطبَّق في بلدانهم، في حين توافَق ما بين 61% إلى 75% على أنّ أنظمة مثل النظام الديكتاتوري السلطوي، أو حكم الأحزاب الإسلامية فقط، أو النظام القائم على الشريعة من دون انتخابات وأحزاب، ونظام مقتصر على الأحزاب غير الدينية، هي أنظمةٌ غير ملائمة لتطبَّق في بلدانهم. نظرة سلبية وكشف تقييم الرأي العام لسياسات بعض القوى الدولية والإقليمية عدم ثقته فيها، إذ إن أكثرية الرأي العام تنظر بسلبية إلى سياسات الولايات المتحدة وروسيا وإيران وفرنسا تجاه المنطقة العربية، ويعد تقييم هذه السياسات في هذا الاستطلاع أكثر سلبية من الاستطلاعات السابقة. ووصف نحو ثلاثة أرباع المستجيبين السياسات الأمريكية نحو فلسطين وسوريا والعراق وليبيا واليمن بأنها سيئة، كما اعتبر نحو ثلثي الرأي العام أن السياسات الإيرانية والروسية تجاه فلسطين وسوريا والعراق واليمن وليبيا سيئة. الأمن العربي وبالنسبة إلى الأمن القوميّ العربيّ، فإنّ 67% أفادوا أنّ إسرائيل والولايات المتّحدة هما الأكثر تهديداً للأمن القومي العربيّ. ورأى 10% أنّ إيران هي الدولة الأكثر تهديداً لأمن الوطن العربيّ. وأظهرت النتائج أنّ الرأي العامّ متوافق بما يقترب من الإجماع وبنسبة 89% على أن سياسات إسرائيل تهدّد أمن واستقرار المنطقة العربية. وأظهرت النتائج أنّ 86% من مواطني المنطقة العربية يرفضون الاعتراف بإسرائيل، وفسّر الذين يعارضون الاعتراف بإسرائيل موقفهم بعددٍ من العوامل والأسباب معظمها مرتبطٌ بالطبيعة الاستعمارية والعنصرية والتوسعيّة لها.
مشاركة :