أجمع سياسيون وخبراء أكاديميون في ندوة لمركز الجزيرة للدراسات، بعنوان «ست سنوات على الثورات العربية: لماذا نجحت تونس وأخفق الآخرون؟» على استحالة الحكم بنجاح ثورات «الربيع العربي» أو فشلها، بعد مرور 6 سنوات فقط منذ انطلاق شرارتها الأولى العام 2011 في تونس، مؤكدين في الوقت ذاته، أن لكل ثورة «خصوصيتها»، ومن غير المنطقي مقارنة «نجاح» «ثورة الياسمين» في تونس، خلافاً للحالة المصرية والسورية وغيرها، بسبب اختلافات كثيرة، أبرزها اختلاف المستوى العليمي للشعوب تورط المؤسسة العسكرية في قمع الثورات، ونضج الطبقة السياسية. وخلصوا للتأكيد أن ثورات «الربيع العربي» لم تنتهِ بعد، رغم تصاعد عنف وقمع الأنظمة لوأدها، لأن الثورات أيقظت جذوة الحرية لدى الشعوب العربية، وهي مقتنعة بأن طموحاتها تتجاوز ما هو متوفر لها، وغير راضية بوضعها الحالي. د. رفيق عبدالسلام: القاطرة التونسية تتقدم بصعوبة لكنها تسجل منجزات أكد الدكتور رفيق عبدالسلام، وزير خارجية تونس الأسبق، أن المشهد في تونس مركب ومتداخل، تتداخل فيه عناصر التوفيق والنجاح، مع صعوبات وتقديرات، ولا يمكن الحكم على الثورات بعد 6 سنوات. ولفت النظر إلى أن الثورة التونسية حققت فعلياً مكاسب سياسية حقيقية، أبرزها دستور توافقي حظي بالإجماع، إلى جانب انتخاب المجلس الأعلى للقضاء من طرف القضاة أنفسهم، وهيئة مستقلة لمراقبة الانتخابات، وهامش كبير من الحريات السياسية والإعلامية والاجتماعية، لكنها بالمقابل لا تزال «ثورة الياسمين» تواجه مخاطر حقيقية. وبرأي الدكتور عبدالسلام، فإن أهم التحديات والصعوبات التي تواجه الثورة التونسية، هي أن المنجزات الاقتصادية لا تتناسب مع المنجزات السياسية، خاصة في المناطق التي أطلقت شرارة الثورة، ولم ترَ تحسناً ملموساً في حياتها الاقتصادية والاجتماعية، وصعوبات في الاستثمار الداخلي والخارجي. وفي الجانب الآخر، هناك ارتفاع قياسي في خريجي الجامعات، مقابل تزايد أعداد العاطلين عن العمل. كما أشار إلى ما وصفها بـ»تحديات خارجية تواجه نجاح التجرِبة التونسية، تفرضها الأزمة المتفاقمة في الجارة ليبيا الذي تشهد انهياراً للدولة، وانتشاراً للسلاح، إلى جانب مختلف الأزمات والصراعات المنتشرة في المحيط الإقليمي، وارتفاع التهديدات الإرهابية». وخلص قائلا: «المشهد العام في تونس كالآتي: القاطرة تتقدم بصعوبة وعسر، لكنها تسجِّل منجزات حقيقية». زياد ماجد: لا يصح مقارنة الثورة السورية بالتونسية اعتبر د.زياد ماجد، أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الأميركية في باريس، في حديثه عن الفوارق بين الثورة التونسية والسورية، وسبب نجاح الأولى، وإخفاق الثانية، قائلاً: «لا يمكن أن نقارن النظام البوليسي في تونس، مع نظام قمعي في سوريا. كما أن المعطى الطائفي، غير موجود في الحالة التونسية. وتونس في سياق تاريخي، منذ عهد الرئيس بورقيبة تشكلت فيه طبقة وسطى، غير مرتبطة بأي نشاط ريعي، لها إنتاجيتها، ومستوى التعليم كان مرتفعا، ونمو سكاني منخفض في الفترة الماضية، ما قلص الفروقات». كما أشار إلى أن «العمل القمعي في عهد الرئيس بن علي هو قمعي رمزي، أكثر منه قمع بشري مباشر، على خلاف القتل المباح منذ السبعينيات في سوريا». وعلى الصعيد الإقليمي، أشار ماجد إلى أن «سوريا توجد في جوار عراقي مشتعل، وبجوار إسرائيل، وهو عامل مهم يمنع سرعة التغيير في سوريا دون ضمانات لإسرائيل وحلفائها الأميركي والغرب. كما أن وجود تركيا كان له تأثير سلبي، إلى جانب المشروع الإيراني الذي يحاول التمدّد من طهران وبغداد وصولا إلى دمشق وبيروت، ومناطق أخرى من المتوسط؛ وكلها عوامل صعبت التغيير، مع بطش النظام السوري، ومنعه التجمعات في الساحات العامة، وتنفيذه لمجازر عنيفة في الساحات، خلافا لحالتي تونس ومصر مثلا». كما أشار إلى أن «الجيش التونسي لم ينفذ جرائم دفاعا عن الرئيس المخلوع بن علي، خلافا للجيش السوري، الذي يتميز بكونه جيش للعائلة، وضباطه من عائلة الأسد وأقاربها وأصدقائها، وله بعد طائفي». كما نوّه بـ «عامل الزمن، واستمرار العنف، الأمر الذي صعّب التغيير. يضاف إليه التدخلات العسكرية الخارجية في سوريا من روسيا وحزب الله وإيران، ما أطال بقاء الأسد ونظامه، بينما تونس لم تعرف أياًّ من هذه التطورات، بسبب طبيعة النظام. موازاة مع وجود نظام انتخابي نسبي، سمح لكل الأطراف بالتمثّل». كما أشاد زياد «بموقف حركة النهضة التونسية التي قبلت الخسارة في الانتخابات، ومشاركة السلطة، الأمر الذي عكس نضجاً سياسياً، وفّر الكثير من المخاطر التي كان يمكن أن يدخلها فيها أي مخاض». طارق الزمر: الثورة المصرية لم يكتمل فشلها قال الدكتور طارق الزمر، رئيس حزب البناء والتنمية المصري، في ردّه على سؤال حول دور الحركة الإسلامية في الثورة المصرية، وفشلها في التوصل إلى توافق في مصر خلافا لتجربة تونس: إن «الثورة التونسية لم يكتمل نجاحها، والثورات الأخرى لم يكتمل فشلها بعد، ولو كانت تونس أفضل حالا»، لافتاً إلى أن «ثورات الربيع العربي مسار انطلقت العام 2011، وهي مستمرة، وكل محاولات الثورات المضادة، لن تشرعن، ولن يكون هناك مستقبل واعد للمنطقة، إلا باستكمال الثورات العربية». وأشار الزمر إلى عوامل أسهمت في نجاح التجربة في تونس إلى الآن، مقابل عقبات عاقت اكتمال الثورة المصرية، مشيدا بنجاح «التوافقية» في النموذج التونسي، بينما حال القمع في مصر دون حدوث ذلك، موازاة مع عدم وجود استعداد لدى الأحزاب المصرية، بما فيها الأحزاب الإسلامية للوصول إلى التوافق. وعدم قدرة القوى السياسية، خاصة الإسلامية منها، على اختراق الحدود الأيديولوجية وتحقيق وحدة سياسية، خلافا للتجربة التونسية». وأضاف: «بالمقابل، فإن ما أسهم في نجاح الثورة التونسية هو عدم وجود كتلة علمانية حليفة للعسكرة في تونس، خلافا لتكل علماني في مصر وقف مع النظام دون حياء». في مقابل، «نجاح الدولة العميقة في مصر على اختراق الساحة السياسية، وسيطرتها الكاملة على الساحة السياسية». كما أشار الزمر إلى أن «مستوى التعليم في تونس حال دون تزوير وعي الناس، وتضليلهم، ما أنتج نضجا لدى المجتمع المدني في تونس، أثمر دورا إيجابيا لأطراف الرباعية، خلافا لمستوى التعليم في مصر التي تشهد انتشاراً للأمية». وأبرز الزمر دور المؤسسة العسكرية المصرية في إفشال الثورة، بقوله: «في تونس المؤسسة العسكرية تتميز بقدر من العقل والجدية، نحى بعيدا عنها بعيدا عن الدماء، والوصول إلى رعونة الجيش المصري الذي اتخذ قرارا بقتل الآلاف»، مضيفاً «حين الحديث عن أبرز عقبات نجاح الثورة المصرية، يأتي «دور المؤسسة العسكرية المصرية التي ترى أنها الدولة ملكية لها، وليست مؤسسة من مؤسسات الدولة، موازاة مع العلاقات الوطيدة بين المجلس العسكري المصري وإسرائيل، حيث كان الكيان الصهيوني بمثابة «فيتو» أساسي ضد انطلاق أي عملية سياسية في مصر، سواء كانت إسلامية أو غيرها». العربي صديقي: لا يمكن التسرّع في الحكم بنجاح الثورات أوفشلها قدَّم البروفيسور العربي صديقي، الأستاذ بجامعة قطر، تحليلا سياسياً عميقاً لحالة الثورة التونسية، رافضاً الجزم بنجاح الثورات أو فشلها في زمن قياسي، منوّها بقوله: «إن أردنا التعمق وتقديم خطاب عقلاني، فلا بد من إيجاد مقاييس للنجاح والفشل. والواقع أن المشهد السياسي مركب، فيه ازدواجية ومؤشرات وتجليات للنجاح، وتجليات للإخفاق». وشدّد قائلا: «لا يمكن التسرع في الحكم على الثورات بالنجاح والإخفاق في زمن قصير. نعم هناك مكتسبات للثورة التونسية من قبيل إيجاد أرضية قانونية، لكن يصعب الحديث عن نجاح الديمقراطية القيمية»، مستشهداً بوجود نخب تعيسة في تونس، وصراعات، واستحماء بالخارج. وخلص قائلاً: «تونس نجحت في الديمقراطية الإجرائية، لكن المحتوى قابل للنقاش. فهي ثورة سياسية، وليست ثورة معرفية».;
مشاركة :