مؤيدون لتجميد البويضة لا يرون غضاضة في اللجوء إليه، أما النساء العربيات فمنقسمات الرأي في هذا الشأن؛ إذ أن أكثرهن، تحت دواعي التحريم والثوابت الاجتماعية الموروثة والأعراف والتقاليد، يخشين دخول تلك المنطقة الشائكة المخيفة، ومع ذلك فإن هؤلاء النسوة المحرومات من الإنجاب، عندما يغمضن الأعين ويسرحن مع أفكارهن، ستجدهن يتمنين لو كنّ أمهات يهز قلوبهن نداء “ماما”. وإذا تغاضينا قليلا عما يقال في العلن، وما لا يقال، وتتبعنا أحوالنا بجرأة افتقدناها طويلا، فسوف نجد أن هناك الكثير من بنوك تخصيب الأجنّة موجودة الآن بيننا، وتعمل فعلا في عمليات تجميد البويضات بالبعض من البلدان العربية، وإن كان الإقبال عليها محدودا خوفا من رد الفعل المجتمعي، لكن من أدرانا أن تكون البعض من النساء قد توجهن إليها سرا؟ وهل نحن لدينا أرقام وإحصاءات شافية كافية عن هذه القضية؟ إمكانية اختلاط الأنساب وموانع شرعية شتىلا بويضات خارج إطار الزواج ما الداعي لأن تقدم فتاة لم تتزوج بعد على إجراء عملية تجميد بويضاتها؟ أليس في ذلك مفسدة كبرى، وشكوك حول شبهة الزنا؟ كيف نسمح لها بهذا ورأي الدين في المسألة قاطع ومحدد، وهو “هذا حرام على غير المتزوجات”؟. هو قول واحد إذن: ممنوع تجميد البويضات لغير المتزوجات، لكن ماذا عن المرأة المتزوجة؟ هل الباب مفتوح على مصراعيه للتجميد؟ لا، فالكثيرون في مجتمعاتنا العربية مازالوا ينظرون إليه بعين الشك، وهو شك قائم على أسانيد وحجج دينية، فماذا يقول الشرع؟ يذهب الفقهاء وأصحاب الفتوى الشرعية إلى التشدد إلى أقصى حد في الحكم على عمليات تجميد البويضة، حرصا على عدم اختلاط الأنساب (أي أن ينسب مولود لغير أبيه)، وصدرت فتاوى لا حدّ لها في هذا الشأن من مجامع الفقه الإسلامي، في العديد من الدول العربية والإسلامية. والحجج في ذلك كثيرة، ومنها أن التجميد داخل بنوك الأجنّة يحمل احتمالا كبيرا لحدوث اختلاط البويضات بعضها ببعض، إما عن طريق السهو والخطأ، وإما عن عمد بغرض البيع والتجارة (وهي تجارة رابحة جدا في أيامنا هذه)، وبديهي أن اختلاط البويضات يعني اختلاط الأنساب، الذي هو محرّم شرعا. ثم أن تجميد البويضة، لامرأة متزوجة، وحفظها في ثلاجة، يحملان احتمالا بأن يتم تلقيحها، في ما بعد، بحيوان منويّ لزوجها (يكون قد تم تجميده هو الآخر)، ويكون الزوج قد مات، وهذا حرام شرعا، لأن الشرع يشترط أن يتم التلقيح في حياة الزوج وليس بعد مماته، إذ كيف تحمل امرأة لا زوج لها؟ إن حمل الزوجة من زوج مات يعد في الدين من بيّنات الزنا، وهو ما يستوجب العقوبة. الرافضون للتجميد يملكون ذخيرة من الحجج الشرعية قادرة على إسكات أي صوت مؤيد، ومن تلك الأدلة قول رسول الله محمد، صلى الله عليه وسلّم، “أيُما امرأة أدخلت على قوم نسبا ليس منهم، فليست من الله في شيء، ولم يدخلها الله جنته”. ويقول المعارضون للتجميد أيضا إن استخراج ماء الرجل (سائله المنويّ) بغير الطرق المباحة -التي هي الجماع الشرعي- لاستخدامه في تلقيح بويضة زوجته، يمكن أن يحدث فيه استبدال مع ماء رجل آخر داخل المعامل التي يجرى فيها التلقيح، وكذلك يمكن استبدال بويضة الزوجة ببويضة امرأة أخرى.التجميد داخل بنوك الأجنة يحمل احتمالا كبيرا لحدوث اختلاط البويضات بعضها ببعض، إما عن طريق السهو والخطأ، وإما عن عمد بغرض البيع والتجارة، وهي تجارة رابحة في أيامنا وحتى مع افتراض منتهى الأمانة وحسن النوايا، من يضمن لنا أن يرى الطبيب المشرف على التلقيح أن بويضة الزوجة (أو حتى الحيوان المنوي للرجل)، غير صالحة، فيقوم باستبدالها بواحدة أخرى من امرأة أخرى كي ينجح التلقيح؟ أليس في ذلك عندئذ خلط للأنساب؟ ولذلك يرى الكثير من الفقهاء والعلماء ضرورة عدم إجراء التلقيح في بلدان غير إسلامية، لأنها لا تعرف ضوابطنا الشرعية، ولا تلتزم بها. وفي هذا السياق أيضا، يرى الفقهاء أن التبرع بالبويضات من امرأة إلى أخرى محرّم شرعا، لأنه يعني، بكل بساطة، أن التلقيح سيتم بين ماء الزوج وبويضة امرأة ليست زوجته، وفي هذا خلط للأنساب. وهنا قد يتساءل البعض؛ “إذن لماذا تسمحون في بلدانكم الإسلامية بإجراء عمليات طفل الأنابيب؟ والإجابة حاضرة: إن التلقيح من خلال طفل الأنابيب يعد ضرورة من ضرورات الحياة (وهي ضرورة حفظ الحياة)، كما أنه يتم وفق ضوابط صارمة جدا لضمان أن تكون البويضة التي تم تلقيحها هي فعلا بويضة الزوجة، وأن الماء المستخدم هو السائل المنوي للزوج، وليس لأحد آخر. يمكن أيضا استحضار حجة أخرى يستند إليها الرافضون، ومفادها أن سحب البويضة من امرأة -سواء كانت متزوجة أم غير متزوجة- ينطوي على مفسدة الاطّلاع على عورة المرأة بلا مسوّغ شرعي، ومعروف، طبعا، أن هذا حرام، إذن ما الحاجة لهذا مع فتاة لم تتزوج بعد؟ أليس في هذا عبث ومفسدة، لا جدوى منهما؟ وسؤال آخر قد يطرح نفسه، باعتبار أن له صلة وثيقة بهذه القضية؛ ماذا عن الزواج العرفي؟ في هذا الموضوع، فإن الرأي الغالب، هو أن الزواج العرفي قانونا يعد زواجا خارج دائرة الاعتراف الرسمي، وتعمل كل التشريعات في البلدان العربية على الحد منه، ومن ثم فإنه لا يحق للزوجة المتزوجة عرفيا اللجوء إلى التجميد، ويجب على أي طبيب أن يتيقن من وجود وثيقة الزواج الرسمية قبل إقدامه على هذا الأمر. القول القاطع إذن هو أن تجميد البويضات يجب أن يتم بين زوجين فقط، وأن التلقيح يجب أن يتم أثناء قيام الزواج إذ لا يجوز لامرأة مطلّقة أو أرملة أن تجمد بويضاتها، ووضع اللقيحة (الجنين) في رحم امرأة أجنبية (أي غير الزوجة) حرام، سواء كان ذلك بالتبرع أو البيع.
مشاركة :