تجميد البويضات: إنجاب مريضات السرطان محفوف بالعوائقرغم ما يسلبه مرض السرطان من صحة وما يسببه من ألم، إلا أن أصعب ما يواجه مريضة السرطان التهديد بالعقم الذي يسببه المرض والعلاج. وقد لجأت الكثير من السيدات مؤخرا إلى مراكز الإخصاب في مصر سعيا لتجميد بويضاتهن لإبقاء الأمل في الإنجاب، إلا أن هذه الخطوة جوبهت بمحاذير دينية وصعوبات مادية.العرب شيرين الديداموني [نُشر في 2017/11/28، العدد: 10826، ص(21)]أمل في تحقيق حلم الأمومة القاهرة - “الغريق يتعلق بقشة أو ريشة عسى أن تنقذه من الغرق”، هكذا تصف مريضات السرطان الحالمات بالإنجاب وضعهن، بعد أن قررن اللجوء إلى فكرة تجميد بويضاتهن، حيث يكاد المرض والعلاج الكيميائي والإشعاعي يقضيان على أمومتهن. تغريد محمـد، سيدة تبلغ من العمر 30 عاماً، وقعت في شباك الخوف بعد اكتشافها أنها مصابة بسرطان الثدي من الدرجة الثالثة، والورم في هذه الحالة هرموني لا بديل فيه عن علاج كيميائي وإشعاعي يستغرق شهورا وربما أعواما من عمرها. لم تهتم تغريد بتدهور حالتها الصحية، ولم ترعبها فكرة تساقط شعر رأسها ورموشها وحاجبيها، فقد مرت بتلك المراحل من قبل مع خالتها مريضة السرطان، وكانت تدرك أنها مرحلة ستمر بكل ما فيها من ألم وسوف تكون قادرة على التأقلم والعودة إلى الحياة بشكل طبيعي مرة أخرى. ما كان يؤرقها كما قالت لـ”العرب” خوفها الشديد من حرمانها من الإنجاب مرة أخرى خاصة وأن لديها طفلة تجاوزت الست سنوات بأشهر قليلة لكنها معاقة ذهنيا، وهو ما كان سببا في تأجيلها للإنجاب. طبيب الأورام المعالج للأم الثلاثينية نصحها بتجميد عدد من بويضاتها قبل البدء في العلاج الكيميائي، لأن العلاج سيقضي على التبويض، إلى جانب زيادة نسب حدوث فشل كلي مبكر للمبيضين ما يفقدها القدرة على الإنجاب مرة أخرى. “تجميد البويضات” أو “التبريد السريع للبويضات” تقنية علمية جديدة تم تطبيقها في مصر حديثا، حيث يتم تخزين بويضات غير مخصبة في سائل النيتروجين عند 169 درجة مئوية تحت الصفر، وعند الاحتياج إليها يتم فك التجميد وإخصابها، وإعادة زرع هذه اللقيحة (أي الجنين) في رحم الزوجة الراغبة في الإنجاب. رفع رجال الدين محاذيرهم عن التقنية الجديدة في الحالات المرضية طالما أن البويضات لن تختلط إلا بالزوج وتحت الميثاق الغليظ وفي حياته وتحت إشراف طبي حازم لكي لا يتمّ التلاعب بها والدخول في اختلاط أنساب. تقول تغريد إنها عندما ذهبت إلى أحد مراكز أطفال الأنابيب والخصوبة في القاهرة وجدت أنها ليست الوحيدة التي جاءت لهذا الغرض، فهناك كثيرات يعانين من المرض الخبيث باختلاف أنواعه، أتين إلى المركز أملا في تحقيق حلم الأمومة بعد الشفاء.الوقت الأمثل لتجميد البويضات بداية الشباب، لأن الإخصاب يكون في ذروته، وبعد منتصف العقد الثالث قد لا يجدي نفعا وأكدت إحصائية صادرة عن المؤسسة المصرية لمكافحة سرطان الثدي، أن عدد المصابات بسرطان الثدي وصل إلى 18 ألف حالة سنويا، وهناك نحو 30 مليون سيدة معرضة للإصابة بسرطان عنق الرحم، وأصبح معدل حدوث السرطان بكل أنواعه يبلغ حالة جديدة كل 5 دقائق، ووفقا لنتائج نشرت مؤخرا من السجل الوطني للسرطان فمن المتوقع تزايد الحالات لتصل إلى ثلاث حالات كل 5 دقائق بحلول عام 2050. ويقترح أطباء متخصصون أن تلقح البويضة للحصول على أجنة أولا ثم تجميدها، لأن فرصة نجاح الحمل من الأجنة المجمدة أكبر بنسبة تزيد عن 15 بالمئة من البويضات المجمدة إلى جانب أن هذه الطريقة أوفر لها ماديا. ونشر الموقع الإلكتروني لمؤسسة “كوكرين” ومقرها أكسفورد، دراسات أشارت إلى أنه قد تحدث تشوهات في أجنة ولدت باستخدام بويضات مجمدة، عن التي تم تخصيبها قبل التجميد. ورغم أن تجميد البويضات وسيلة حققت حلم الكثيرات، لكن يظل باهظ الثمن، ولا يمكن اللجوء إليه في حالة القصور المادي. فالسيدات الفقيرات ليست لديهن رفاهية الذهاب إلى مراكز التلقيح، خاصة أن العملية تصل إلى عشرة آلاف جنيه (ما يعادل 565 دولارا)، علاوة على رسوم سنوية يتم دفعها وتقدر بـ850 جنيها (ما يعادل 48 دولارا)، ويمكن أن تصل تكاليف إتمام العملية بعد ذلك إلى مئة ألف جنيه (ما يعادل 5650 دولارا). وقال رامي رياض استشاري أمراض النساء والعقم والإخصاب بالحقن المجهري، لـ”العرب” إن أسلوب تجميد البويضات وتخزينها معترف به من الناحية الطبية، ويتم العمل به في أوروبا منذ سنوات، وحديثا نجحت مراكز أطفال الأنابيب والخصوبة في توسيع نشاطها في مصر. وأكد أنه لا يمكن الحكم على نجاح عمليات “البويضات المجمدة” لأنه حتى هذه اللحظة لم يتم إنجاب طفل من بويضة واحدة مجمدة داخل مصر. ونصح الطبيب الشاب السيدات أن يتأكدن من ترخيص المركز من قبل وزارة الصحة، وكفاءة فريق العمل وتأهل المعامل لديه قبل التعاقد معه لإجراء “تجميد للبويضات”، مشيرا إلى أن هناك قرابة 125 مركزا معتمدا على مستوى الجمهورية تحت إشراف ورقابة وزارة الصحة أسوة بجميع المنشآت الخاصة ونسب الحفظ والأمان فيها تصل إلى 100 بالمئة. ولفت إلى أن المرأة لديها في كل مبيض، ما يعادل 300 ألف بويضة، وكثيرات يلجأن إلى تجميد عدد لا يقل عن عشر بويضات، وحفظها في بنك تكتب عليه بيانات المريضة باستعمال رموز مع الحرص على السرية والخصوصية. والمريضة المتزوجة يتم سحب بويضات منها عن طريق المهبل يقع حقنها بالحيوانات المنوية للزوج فتتكون أجنة يتم تجميدها لسنوات طويلة لإرجاعها لاحقاً داخل الرحم بعد الشفاء التام (عادة بعد العلاج لمدة 5 – 7 سنوات)، ونسبة الحمل تتراوح بين 25 و30 بالمئة. وتكون معاناة الفتاة أكبر، عندما يتم سحب البويضات عن طريق فتحة الشرج من المستقيم للحفاظ على عذريتها، ثم تُجمد لها هذه البويضات مباشرة، وهناك احتمال بألا تعيش هذه البويضات خلال التبريد، أو أن يحدث تلف للبويضة إذا تعدت الفتاة سن الخامسة والثلاثين. وأشارت دراسات حديثة إلى أن الوقت الأمثل لتجميد البويضات في بداية مرحلة الشباب، لأن الإخصاب يكون في ذروته، لكن بعد منتصف العقد الثالث قد لا يجدي نفعاً ويؤدي إلى ظهور تشوهات بالأجنة. أما الطفلة المريضة التي لم تصل بعد إلى سن البلوغ، وليس لديها بويضات، يتم تجميد أنسجة من مبيضها من خلال سحبها عن طريق منظار البطن. ويتكلف هذا النوع من العمليات مبالغ كبيرة لا تستطيع الكثيرات تحمله، فالحكومة المصرية لا تصرف على حالات العقم أو عمليات التلقيح والحقن المجهري، كما أن كل شركات التأمين لا تغطي نفقات تأخر الحمل أو التجميد. وانتقد هشام العناني أستاذ أمراض النساء والتوليد بطب قصر العيني في القاهرة، وصاحب أحد مراكز الخصوبة، عدم تحديث القوانين منذ 45 عاما بشأن مهنة الطب، حيث لا يوجد تشريع قانوني بتجميد الأجنة والبويضات، على الرغم من أن عمليات أطفال الأنابيب والحقن المجهري تجرى يوميا منذ عام 1986. وكشف العناني لـ”العرب” أن هناك مراكز تخصيب تزاول العمل دون ترخيص، وعند اكتشاف ذلك يتم غلقها لتفقد السيدة الأمل بعد كل هذه المعاناة ووقتها حتى لو استردت ما دفعته من مبالغ فهو لن يساوي شيء أمام ضياع الحلم.
مشاركة :