منح التفرغ للإبداع تُثير جدلاً ... وشكوكاً

  • 3/15/2017
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

أعلنت وزارة الثقافة المصرية، أخيراً، فتح باب الترشح لمشروع «منح التفرغ» (2017-2018)، وهدفه منذ إنشائه عام 1959، «إثراء الحركة الثقافية عبر منح المبدعين المتميزين منحة مالية تُصرف لهم شهرياً، بغية التفرغ للإبداع بعيداً من العوائق المادية والاجتماعية التي تعترض طريقهم». استفاد مبدعون بارزون من المشروع عند انطلاقه، ومنهم الأخوان أدهم وسيف وانلي، لتسجيل معالم النوبة قبل أن تغمرها مياه السد العالي. وحصل عليها الأديب علي أحمد باكثير لمدة عامين، بغية إنجاز «ملحمة عمر»، وكذلك الفنان عبدالهادي الجزار الحاصل على الميدالية الذهبية في صالون الفنانين العرب في روما عام 1957، والروائي النوبي إدريس علي، صاحب رواية «انفجار جمجمة». وفي السنوات الأخيرة، أحاطت بالمشروع شبهة عدم الجدوى، بما أنه بات محكوماً بالمجاملات والمصالح، من جهة، ولضآلة القيمة المادية الممنوحة لـ «المتفرغين» أنفسهم، من جهة أخرى. من هنا بادر جابر عصفور، خلال توليه منصب وزير الثقافة في العام 2014، بتكليف الباحثة فينوس فؤاد، بتطوير «الإدارة المركزية للشؤون الأدبية والمسابقات»، باعتبارها الجهة المنظمة لمشروع «منح التفرغ». وضعت فؤاد لائحة جديدة، للمشروع، تلغي حق وزير الثقافة في تجاوز بنود اللائحة الخاصة بعدم جواز حصول «المتفرغ» على المنحة لمدة تزيد على أربع سنوات. وفي هذا السياق، تم رفع القيمة المالية للمنح، بعد نقل تبعية المشروع مالياً من صندوق التنمية الثقافية، إلى وزارة المال، فأصبحت 4.8 مليون جنيه سنوياً بعدما كانت 1.8 مليون جنيه (الدولار يساوي 18 جنيهاً)، توزع على ثلاث فئات: 1200، و1800، و2400 جنيه شهرياً، بعدما كانت 650 جنيهاً شهرياً كحد أدنى، و1200 جنيه كحد أقصى.   فكرة مقترحة ووفقًا للائحة يتم تحديد كل فئة وفق لجنة «سرية» تعمل في شكل مستقلّ عن سلطات وزير الثقافة، ويتغير أعضاؤها سنوياً، وتنظر في الفكرة المقترحة للحصول على التفرغ من دون معرفة اسم صاحبها، من أجل تحاشي شبهة المجاملة. وتلزم اللائحة ذاتها «المتفرغ» بتقديم تقرير ربع سنوي، عما أنجزه، على أن يتم استبعاد «المقصرين»، وإلزامهم بردّ ما حصلوا عليه من مال. أما إذا حصل ما أنجزه «المتفرغ» خلال عام على تقدير أقل من «جيد»، فلا تُجدَد له المنحة. وللجنة الحق في إعادة النظر في فئة المتفرغ، وفق تقييمها لما ينجزه، فترفعه إلى شريحة مالية أعلى لا تتجاوز الحد الأقصى، أو تنقله إلى شريحة أقل. وتتضمن اللائحة كذلك بنداً يقضي بعدم السماح للمتفرغ بالسفر خارج مصر، لمدة تزيد على ثلاثة أسابيع. ويلاحظ أن تلك الشروط لا تختلف كثيراً عن تلك التي تحكم عمل مؤسسات خاصة في ما يتعلق بمنح تقدمها لمشاريع تتعلق بالإبداع، إلا في كيفية التمويل. وبينما تصرف منح وزارة الثقافة المصرية للمتفرغ شهرياً، فإن منحة «مفردات» مثلاً تصرف على دفعتين، الأولى في بداية المشروع، والثانية عند انتهائه، إلا أنها لا تقيد حرية الكاتب في السفر. ولكن في ما يتعلق بمِنَح وزارة الثقافة المصرية، وعلى رغم التعديلات المتصلة بها، يحق التساؤل عن مدى التزام معاييرها، ومدى تحقق أهدافها، وهل يكفي أن ندفع إلى متفرغ للإبداع 1200 جنيه (نحو 75 دولاراً) شهرياً؟ كان لا بد من الوصول إلى عدد من «المتفرغين»، وطرح هذه الأسئلة عليهم، إلا أن معرفتهم كانت أمراً صعباً، بالنظر إلى تكتم الإدارة الشديد في الإعلان عن الأسماء الفائزة بالمنحة. وتبرر فؤاد ذلك بـ «الحرص على مشاعر المبدعين ومنعاً للقيل والقال، ووأداً لسجال قد يحدث في الصحافة»! وفي تاريخ ذلك المشروع، لم تعلن سوى قائمة المستفيدين منه للعام 2016- 2017، أثناء الفترة القصيرة التي تولى فيها محمد عبدالحافظ ناصف الإدارة. وممن شملتهم تلك القائمة الروائي والقاص جمال مقار، الذي أكد أنه حصل عليها سابقاً لمدة ثلاث سنوات متصلة بدأت في 1997 وأنجز خلالها رواية «جواب»، والمجموعة القصصية «عندما فيروز تغني». وحصل مقار على المنحة ذاتها للسنة الرابعة والأخيرة لإنجاز الجزء الثاني من روايته «جواب»، ضمن الفئة الثانية للمنحة. يرى مقار أن المنحة أعطته مساحة كافية من الوقت لتكريس نفسه للكتابة، ليس كهاوٍ، وإنما في شكل أقرب إلى الاحتراف، ويجد أنها مهمة ومحفزة للكتابة، وتخلق نوعاً من التفاعل بين المبدع الفرد، ووزارة الثقافة كجهة معنية بالتحفيز على الإبداع. ولكونه حصل على المنحة في فترتين متباعدتين، سألنا مقار عما لاحظه من فروق بين الدورات، فأجاب بأن «المشروع، يعمل في شكل روتيني لم يتغير منذ عشرين عاماً، على رغم زيادة خبرة الموظفين الذين يديرونه في ما يتعلق بمتابعة التقارير الدورية التي يلتزم المتفرغ تقديمها حول ما أنجزه، معتبراً أن ذلك يكشف المستحق للمنحة، من ذلك الذي لا يهتم سوى بالحصول على المقابل المادي». ويعبر مقار عن رضاه عن مشروع منح التفرغ عموماً، على رغم ضآلة المقابل المالي الذي يحصل عليه «1800 جنيه»، والذي يصل إلى «1600» جنيه بعد خصم الضريبة المستحقة للدولة. ويقول مقار في هذا السياق: «هذا المبلغ بالكاد يكفي مصروف شاب في المرحلة الجامعية وليس أسرة كاملة، بخاصة في ظل الظروف الاقتصادية التي يمر بها البلد». لكنه في الوقت ذاته يقدر العبء الملقى على وزارة الثقافة، لا سيما بعد فصل وزارة الآثار «الغنية» عنها.ومع ذلك، تبقى ظلال من الارتياب في نزاهة ذلك المشروع، لجهة ما يتردد عن أن ثمة مستفيدين منه، بلغوا سن التقاعد الوظيفي، ومن ثم باتوا ينعمون بتفرغ ناجم عن تخلصهم من أعباء العمل الذي كان ربما يشغلهم عن الإبداع، وكذلك ما يؤكده البعض من أن هناك مستفيدين يجمعون بين راتب وظائفهم الأصلية، وراتب منحة التفرغ، على رغم مخالفة ذلك للائحة المشروع وهدفه. ويضرب المتشككون في جدوى الأمر برمته، المثل بكاتب في حجم نجيب محفوظ، لم تمنعه وظيفته الحكومية من الإبداع الذي نال عنه جائزة نوبل في الآداب عام 1988. أما في ما يخص سلسلة «إبداعات التفرغ»، المختصة بنشر ما ينجزه الكُتَّاب «المتفرغون»، يلاحظ مقار أنها لا توفي بالغرض الذي أنشئت من أجله، «نظراً لكثرة الأعمال»، إلى درجةٍ يتعذّر معها نشرها كلها، وتأخير نشر الكثير منها. ويشير في هذا السياق إلى أن روايته التي انتهى من كتابتها في 1998، لم تنشر إلا عام 2004. ومن ثم، يرى مقار أن «المنظومة كلها تحتاج إلى دعم مادي كبير، لإنجاز الأعمال كافة ونشرها». يحصل الروائي صبحي شحاتة على الفئة الثانية من منحة التفرغ (1600 جنيه بعد الخصم) ويرى أنها أفادته في التفرغ للكتابة، على رغم ضآلة المبلغ، معتبراً «أن الكاتب الحقيقي متقشف بطبعه، ولا يحتاج إلى الترف والترفيه». لكنّ شحاتة يشكو مع ذلك من تأخر صرف المنحة لشهرٍ أو أكثر في بعض الأحيان. وينتقد صاحب رواية «اللعب» آلية اختيار الفائزين بالمنحة، قائلاً إن اللجنة تعتمد على طي غلاف الكتاب الذي يقدمه المبدع، وأن هذه الطريقة ليست مثالية لإخفاء الاسم، ومن ثم فإنّ شبهة المجاملة تظلّ قائمة.   شروط ومعايير وانتقد سلسلة «إبداعات التفرغ»، التي يصدرها المجلس الأعلى للثقافة، واعتبرها لا تليق بحجم المنح والإبداع الذي ينتج عنها، مطالباً بتطويرها، وسرعة نشر أعمال المتفرغين. لم يكتفِ «شحاتة» بذلك، بل انتقد عدم الإعلان عن أسماء الفائزين بالمنحة في الصحف والجرائد، معتبراً ذلك أمراً غير مفهوم يندرج تحت مسمى «عدم الشفافية»، وربما يثير في الأذهان أفكاراً سلبية كثيرة، مثل أن تكون ثمة «مصالح» تؤدي إلى ذهاب المنحة إلى من لا يستحقها. وعموماً، تفسح تلك المشكلة المجال إلى أحاديث عن «أدباء» يحصلون على تلك المنحة من دون توقف منذ ما لا يقل عن عشرين عاماً، بمخالفة اللائحة، وربما استناداً إلى سلطة وزير الثقافة -على الأقل في ما مضى- في استثناء من يشاء من التزام بعض بنودها؛ ومنها شرط عدم الحق في المنحة لمدة تزيد عن اربع سنوات متصلة أو منفصلة. غادة خليفة، الشاعرة والمترجمة، تحصل على منحة التفرغ للعام 2016/ 2017، ضمن فئة 1200 جنيه (تصل إلى 1070 جنيهاً بعد الخصم)، وترى أن هذا المبلغ أصبح بلا قيمة، «لكنه قد يكون عامل دعم يساعد المبدع». وتؤكد فينوس فؤاد، اقتناعها بالحاجة إلى مضاعفة القيمة المالية لمنح التفرغ، مشيرة إلى أنها خاطبت وزارة المال في هذا الشأن ولم يصل إليها ردٌ بعد. وتضيف أنها سعت من أجل استئناف صدور سلسلة «إبداعات التفرغ»، بعد توقفها لسبع سنوات، بكتاب «المشوار العظيم» للكاتب مصطفى الأسمر، ويجري العمل من أجل إنشاء موقع على الإنترنت لنشر ما ينجزه «المتفرغون»؛ الكترونياً. وردّاً على ما يتردد عن إهمال أعمال الفنون التشكيلية التي ينجزها «متفرغون»، قالت فؤاد إن إدارتها نظمت أخيراً سبعة معارض خاصة بتلك الأعمال؛ ووضعت بنداً جديداً في لائحة التفرغ، لمصلحة الأعمال الفنية، يقضي بتنظيم دورة مستندية، ورقياً وإلكترونيا لتوثيق كل عمل من أعمال «المتفرغين»، ثم تشكيل لجنة لتثمينها، ومنها أعمال لقامات فنية كبيرة مثل جورج بهجوري، وأحمد شيحة، وحلمي التوني، ثم إعارة هذه اللوحات إلى مؤسسات وزارة الثقافة، والهيئات الحكومية، لتجميل مباني الوزارة، مقابل إعادة لوحات متحف الفن الحديث المعارة إلى تلك الجهات، إلى مكانها الأصلي في المتحف. وعن الذين شملهم في السابق البند الذي كان يعطي وزير الثقافة الحق في إعفاء مَن يريد شرط عدم جواز الحصول على المنحة لأكثر من أربع سنوات، متصلة أو منفصلة، قالت فؤاد أنها حين تولت الإدارة استبعدت بعض الأشخاص بالفعل من الحاصلين على الاستثناءات، «إلا أنه يبقى من الصعب تنقية قوائم المتفرغين التي تضم 257 اسماً؛ في شكل دقيق، خصوصاً أنها كانت قد اعتمِدت قبل توليها منصبها. وأضافت «اللائحة تُلزم الجميع تقديم طلب بالتجديد، وحينها سيتسنى للإدارة معرفة المتفرغين الذين يحصلون عليها بقرارات استثنائية، واستبعادهم». وبالنسبة إلى احتواء القوائم أسماء مَن يجمعون بين اتصال عملهم في جهات حكومية، وغير حكومية، والحصول على منح تفرغ على رغم ذلك، قالت فؤاد: «شرط المنحة ينص على ألا يكون المتفرغ عاملاً في إحدى الجهات الحكومية، أو الخاصة، بمعنى ألا يخضع لنظام التأمين، أما المتفرغون الذين يعملون في أماكن أخرى مقابل أجر، من دون عقد أو بوظيفة ثابتة، فليس عليهم خطأ قانوني».

مشاركة :