النقابات المصرية: حضرت السياسة وغابت الأدوار المهنيةينظر العديد من المراقبين السياسيين في القاهرة إلى انتخابات نقابة الصحافيين المصريين، التي ستجرى الجمعة، وقبلها انتخابات نقابتي المهندسين والمحامين، باعتبارها مؤشرا على عودة القوى السياسية والأحزاب إلى استخدام تلك الانتخابات كداعم لها للعودة إلى الحياة السياسية.العرب أحمد جمال [نُشر في 2017/03/15، العدد: 10572، ص(6)]صوت النقابات ضائع وسط ضجيج السياسة القاهرة - أضحت النقابات المهنية المصرية مسرحا سياسيا لإعادة ترتيب أوراق القوى السياسية المصرية خلال الفترة الراهنة، وذلك بعد أن فشلت في تحقيق أي مكاسب تذكر من خلال العمل الحزبي. وتأتي انتخابات نقابة الصحافيين المصرية، المقرر إجراؤها الجمعة، لتكون بمثابة التجربة العملية للعديد من القوى المعارضة لاختبار شعبيتها، وهو ما ظهر من خلال ترشح أسماء عديدة محسوبة على تيارات سياسية مختلفة، أغلبها لا يقف على أرضية واحدة مع الحكومة المصرية، ويمثل حسم تلك الأسماء للانتخابات محفزا لتكرار الأمر في العديد من النقابات المهنية الأخرى. وينتمي عدد كبير من المرشحين على مقاعد مجلس إدارة نقابة الصحافيين إلى التيارين الناصري واليساري، بالإضافة إلى عدد قليل من المرشحين الذين يحتفظون بمواقف سياسية قريبة من تيار الإسلام السياسي، وعلى رأسه تنظيم الإخوان المسلمين، بجانب مشاركة مرشحين محسوبين على التيار الليبرالي، وهو ما يزيد من حدة الاستقطاب السياسي داخل النقابة المهنية الأقدم في مصر. وما تشهده نقابة الصحافيين في الوقت الحالي، تكرر قبل أيام في نقابة المهندسين التي أجرت انتخابات التجديد النصفي لمجلسها مطلع الشهر الجاري، وهي الانتخابات التي شهدت عودة تشكيل تكتلات سياسية بين المرشحين المنتمين إلى جماعة الإخوان والسلفيين لأول مرة منذ ثورة 30 يونيو، من خلال التنسيق بين عدد من المرشحين، دون أن تستطيع أن تحقق أي نجاح يذكر خلالها.محمد سامي: الأوضاع في مصر تشير إلى انكماش اهتمام النقابات بالعمل السياسي وشهدت نقابة المحامين، التي أجرت انتخاباتها العام الماضي، محاولات مماثلة من قبل جماعة الإخوان، لخلق أرضية سياسية من خلالها كما كان الحال في السابق، إلا أن محاولاتها باءت هي الأخرى بالفشل أيضا، إذ ترشح على مقعد نقيب المحامين منتصر الزيات محامي الجماعات الإسلامية، لكن التيار الناصري هو الذي فاز بمقعد النقيب من خلال مرشحه سامح عاشور، الذي يعد إحدى الشخصيات القريبة من الحكومة. وبحسب مراقبين، فإن الأحزاب والقوى السياسية المصرية ترى في دخول المعترك الانتخابي النقابي مسارا هاما تستطيع من خلاله التعبير عن ذاتها، خاصة وأن الأدوار المهنية للنقابات تضاءلت لحساب الأدوار السياسية التي قامت بها خلال مراحل سياسية حاسمة منذ اندلاع ثورة يناير وما قبلها، كما أن انتخابات النقابات تتيح لهذه الأحزاب الاشتباك المباشر مع الجماهير التي تلجأ إلى نقاباتها. ورغم غياب ظواهر التضييق على العمل الحزبي، الذي كان واضحا قبل ثورة يناير، بعد أن سهلت الحكومة من مهمة إنشاء الأحزاب السياسية ما نتج عنه زيادة أعدادها من 25 إلى أكثر من 100 حزب، إلا أن ذلك لم يؤد إلى عودة النقابات المهنية إلى دورها الطبيعي، في الدفاع عن مصالح أعضاء جمعياتها العمومية دون النظر إلى الانتماءات السياسية. ويبدو واضحا الآن، أن هناك رغبة سياسية من قبل العديد من القوى السياسية في أن تظل السياسة حاضرة وبقوة من خلال النقابات المهنية، حتى تستطيع تحقيق أكبر قدر من المكاسب السياسية خلالها، وهو أمر أجادته جماعة الإخوان المسلمين، التي خاضت أغلب معاركها السياسية مع نظام مبارك من خلال سيطرتها على غالبية مقاعد النقابات في السابق. قال محمد سامي رئيس حزب الكرامة (المعارض) لـ “العرب” إن هناك العديد من العوامل البشرية والمادية تجعل من النقابات منصة سياسية مؤثرة يتم الارتكان عليها، على عكس الأحزاب التي تخلت الدولة عن دعمها، وهجرها أغلب الأعضاء المشاركين فيها، كما أن توافق الجمعيات العمومية للنقابات على انتخاب أسماء تحمل خلفيات سياسية شجع على التوسع في العمل السياسي من خلالها. وأضاف أن الأحزاب السياسية تنظر إلى النقابات باعتبارها عاملا مساعدا على إعادة المكونات السياسية الرئيسية للتيارات السياسية، بعد أن تفتتت إلى أحزاب صغيرة تحمل نفس سياسات التيار الأم وتختلف في الأسماء فقط، معتبرا أن النجاح في توفير خدمات الأعضاء باعتباره دورا مهنيا لعضو مجلس النقابة وربطه بانتمائه السياسي، ساهم في أن تصبح النقابات مكانا آمنا للترويج لتيار سياسي بعينه.سعيد صادق: المعارضة المصرية ستفشل في استغلال النقابات كمنابر سياسية في مواجهة الدولة وتلتقي الرغبة السياسية للقوى السياسية في الهيمنة على النقابات مع التاريخ السياسي لنقابتي الصحافيين والمحاميين تحديدا، إلى الدرجة التي أصبح من المستحيل فصلهما عن العمل السياسي العام، وهو ما أدركته الحكومة المصرية منذ ثمانينات القرن الماضي، فراحت تدعم البعض من المرشحين المؤيدين لها في مواجهة العديد من خصومها. وقال سياسيون لـ”العرب” إن فشل العديد من القوى السياسية في الوصول إلى البرلمان، وكذلك قلة تأثير الأصوات المعارضة داخل البرلمان وعدم استطاعتها تشكيل ائتلاف قوي يمكنها من تمرير سياساتها، ساهما في الارتكان على التكتلات السياسية داخل النقابات، باعتبارها نموذجا سياسيا خدميا يستطيع أن تكون له أدوار قريبة من دور البرلمان. فيما يذهب البعض للتأكيد على أن قلة خبرة القوى السياسية المصرية في التعامل مع الأحزاب باعتبارها مشروعات سياسية تستطيع من خلالها أن تصل إلى السلطة، ساهمت في عودتها إلى النقابات مرة أخرى، مثلما كان الوضع قبل ثورة يناير، إذ كانت تلك القوى تركز على النقابات كأساس للصعود السياسي. وأكد سعيد صادق أستاذ علم الاجتماع السياسي بالجامعة الأميركية في القاهرة، لـ”العرب”، أن دخول النقابات المهنية في مواجهات مع الحكومة المصرية خلال الفترة الأخيرة، سواء في ما يتعلق بقضية جزيرتي تيران وصنافير، والتي كانت نقابة الصحافيين طرفا فيها، أو من خلال واقعة اعتداء أمناء الشرطة على الأطباء، شكّل دعما سياسيا للنقابات باعتبارها منبرا سياسيا في مواجهة الدولة. لكن، يتوقّع صادق أن تفشل المعارضة المصرية في استغلال النقابات كمنابر سياسية في مواجهة الدولة كما كان الأمر في السابق. وشدد على أن جماعة الإخوان، والتي كانت تتعامل باحترافية مع هذا الملف، أضحت الآن جماعة إرهابية غير مسموح لها بممارسة السياسة، والأحزاب المعارضة لا تمتلك مهارة ولا خبرة المزج بين العمل المهني والسياسي، وبالتالي فإنها ستواجه الفشل، حتى وإن حققت البعض من النجاحات في الوقت الحالي. وأوضح الأكاديمي المصري أن الأوضاع السياسية بشكل عام في مصر تشير إلى انكماش اهتمام النقابات بالعمل السياسي على حساب التركيز على القضايا الاجتماعية والاقتصادية بالنسبة لأعضائها، كما أن استراتيجية تعامل الحكومة المصرية مع النقابات قد تركز بشكل أكبر على تقديم المزيد من الخدمات، كمحاولة للتعامل مع المشكلات الاقتصادية التي تعانيها قطاعات كبيرة تنتمي إلى تلك النقابات.
مشاركة :