استوقفتني مبادرة لإحدى مدارس البنات في مدينة جدة قامت فيها قائدة المدرسة بدعوة الطالبات للفطور في المدرسة من أجل حث الطالبات على الالتزام بتناول طعام الفطور، رغبةً منها ولا شك في تشكيل هذه العادة الجيدة خلال مرحلة مهمة من مراحل النمو الجسدي والعقلي. هذه المبادرة طيبة وهي بلا شك مساهمة بالوقت والجهد تستحق القائمات عليها كل التقدير والاحترام والإشادة. لكن النوايا الحسنة لا تكفي، والاجتهادات التربوية غير المدروسة في محاضن التعليم قد تضر أكثر مما تنفع. نشرت المدرسة عبر حسابها في وسائل التواصل الاجتماعي صورا ترويجية لهذه المبادرة، وامتلأت الأطباق بحلويات ورقائق ذرة ملونة مدججة بالمواد الحافظة والألوان والسكريات والموالح والزيوت المهدرجة. السؤال الذي يتبادر إلى الذهن هو هل هذه هي وجبة الفطور التي نحرص على تقديمها بحب لأبنائنا كل صباح في بيوتنا؟ أمانةً وددتُ لو أن تلك الصور جاءت بعنوان (ما لا يجب أن تتناوله في وجبة الفطور). تمنيت لو لم يتم تقديمها في المدرسة وإعطاؤها صبغة السلوك الجيد أو الإشارة لها باسم (وجبة فطور)، فالطالب يميل للثقة بمعلميه خصوصا في هذه المرحلة العمرية، والتفريط بالنصيحة الصادقة والتوجيه السليم من التفريط بالأمانة. كذلك لا يخفى احتياج الطالب لمكونات غذائية صحية ومتكاملة في وجبة الفطور تساعده على التركيز والإنجاز خلال ساعات الصباح وحتى يحين وقت (الفسحة)، والتي يعلم الله وحده حالها ومكوناتها في مدارسنا. بين الحين والآخر تقيم وحدات التربية البدنية في المدارس الغربية وجبة فطور للطلاب وتدعو الأهل للحضور، خلال هذه الوجبات يتم الموازنة بين الكمية والنوعية فيتم تقديم الخبز والحليب والزبادي والفواكه والخضراوات وبعض أنواع الحبوب والزبيب، بالإضافة للقهوة والشاي والعصائر. يشترك الجميع في تناول هذه الأطعمة وتقديمها مما يربطها بخبرة جيدة في حياة الطفل ويشجّعه على تناولها وتفضيلها لأنه يرى من يحبهم ويثق بهم من البالغين يشاركونه هذه الوجبة. تذهب المدارس الغربية لأبعد من ذلك فتعين أخصائية تغذية لمراقبة مطعم المدرسة، وملاحظة تغذية الأطفال وإبلاغ ذويهم بأي ملاحظات حول نوعية أو كمية ما يتناوله أبناؤهم من مواد غذائية في المدرسة. كذلك تمنع المدارس في الغرب على الأغلب طلابها من إحضار الأطعمة غير المفيدة وتشدد على إحضار الفواكه مع الطلاب، وتخصص وقتا لتناولها وخصوصا للأطفال الأصغر سنًا، لأن تشكيل العادات السليمة في الصغر أسهل وآكد للبقاء مع الطفل خلال مراحل حياته المستقبلية. من المتفق عليه احتياج النشء للطاقة وللغذاء الذي يساهم في بناء عضلاتهم وأجسادهم، على أن يخلو قدر المستطاع من المواد المحلاة والمواد الملونة والحافظة، لكنهم قبل هذا يحتاجون للقدوة في صناعة هذه العادات الغذائية السليمة في المنزل والمدرسة. لن يتناول أبناؤنا الفطور وهم يروننا نتجاهله ونقفز لارتشاف القهوة السوداء على عجالة، بالمثل لن يأكل طلابنا الفواكه أو يشربوا الحليب في حين تزدحم (مقاصفنا) بالعصائر المحلاة ورقائق البطاطس وألواح الشوكولاته. إذا أردنا صناعة عادات سليمة للأجيال، غذائية أو غيرها، علينا أن نبدأ بأنفسنا أولا.
مشاركة :