عسكريون ليبيون يستقبلون المشير خليفة حفتر لدى وصوله إلى مطار الخروبة قرب بنغازي ديسمبر الماضي بعد عودته من زيارة روسيا(غيتي) الحدود المصرية الليبية: عبد الستار حتيتة• المتحدث العسكري باسم القوات المسلحة المصرية لـ «المجلة»:لا وجود أي جندي أجنبي على الأراضي المصرية.. إنها «مسألة سيادة» • محمد منفور قائد قاعدة بنينا الجوية في بنغزي يؤكد لـ «المجلة»: الجيش الوطني الليبي بقيادة حفتر لم يلقى مساعدة عسكرية من روسيا ولم يستقبل متعاقدين عسكريين روس • القوات المسلحة المصرية: الحديث عن وجود قوات عمليات خاصة روسية وطائرات دون طيار عند قاعدة سيدي براني «إشاعات فارغة» • مصدر مقرب من الجيش الليبي: وضع الروس أقدامهم على أرض حفتر بقوة على أمل أن ينتقلوا معه إلى غرب البلاد حين تواتيه الفرصة! ترددت مزاعم عن انتشار لعسكريين روس قرب الحدود المصرية الليبية، لمؤازرة قائد الجيش الوطني الليبي، المشير خليفة حفتر، وهو أمر نفاه المصريون، أصحاب الأرض، والليبيون أصحاب القضية، وكذلك الروس الذين وصفوا نشر تقارير من هذا النوع بأنها «وهمية ولا تستحق الاهتمام»، وفقا لما قاله فلاديمير غاباروف، النائب الأول لرئيس لجنة الشؤون الدولية في مجلس الاتحاد الروسي. في جولة قامت بها «المجلة» على الحدود المصرية الليبية، قبل يومين، ووفقاً لمصادر عسكرية وأخرى من شيوخ القبائل الذين تربطهم علاقات قوية بالجيش المصري على الحدود، لم يتبين أن هناك جنودا روسيين جاءوا إلى هنا أو مروا من هنا إلى داخل الأراضي الليبية، لكن تبدو في أجواء المنطقة رائحة للتأهب بسبب تزايد الفوضى في ليبيا، ودخول خليط متطرف من قوات ما يسمى «سرايا الدفاع عن بنغازي» إلى نقاط قريبة من تمركز القوات الرئيسية لخليفة حفتر في شرق البلاد. وأيا ما كان الوضع، يبدو في الأفق وجود تنافس على ليبيا بين عدد من الدول الغربية، بينها الولايات المتحدة، وبريطانيا، وفرنسا، وإيطاليا، وألمانيا، مع تزايد المخاوف من أن تكون روسيا قد اختارت الورقة الرابحة في هذا البلد النفطي قليل السكان، وتتمثل هذه الورقة حتى الآن في قوات الجيش بقيادة حفتر، والذي تمكن خلال نحو عامين فقط من حشد جانب من القوات المسلحة الليبية لشن حرب على الميليشيات المتطرفة، في محاولة منه لبسط سلطانه على البلاد.وحدة عمليات خاصة ونقلت وكالة «رويترز» في تقرير مطول، أخيراً، عما قالت إنها مصادر أميركية ومصرية ودبلوماسية، أفادت بأن روسيا نشرت، فيما يبدو، قوات خاصة في قاعدة جوية بغرب مصر، قرب الحدود مع ليبيا، في الأيام الأخيرة، في خطوة من شأنها زيادة المخاوف الأميركية بشأن دور موسكو المتنامي في ليبيا، وأن أي نشر لقوات روسية من هذا القبيل قد يكون في إطار محاولة دعم القائد العسكري، حفتر، الذي تعرض لانتكاسة عندما هاجمت سرايا الدفاع عن بنغازي قواته يوم الثالث من مارس (آذار) عند موانئ النفط الخاضعة لسيطرته. وذكر التقرير أن مصادر أمنية مصرية قدمت مزيدا من التفاصيل، قائلة إن القوات المشار إليها عبارة عن «وحدة عمليات خاصة روسية قوامها 22 فردا». وأضافت، وفقا للتقرير أن روسيا استخدمت أيضا قاعدة مصرية أخرى إلى الشرق من سيدي براني، بمرسى مطروح (نحو 500 كيلومتر شمال غربي القاهرة)، في أوائل فبراير (شباط) الماضي. ونفى العقيد تامر الرفاعي، المتحدث العسكري باسم القوات المسلحة المصرية وجود أي جندي أجنبي على الأراضي المصرية، قائلا إنها «مسألة سيادة». ومن جانبه قال قائد عسكري مصري قرب الحدود مع ليبيا إن هذه المزاعم غير صحيحة، مشيرا لـ«المجلة» إلى أنه لا يوجد في هذه المنطقة أي قوات أجنبية. وأضاف: «لم يمر أحد من هنا». وتابع قائلا إن الحديث عن وجود قوات عمليات خاصة روسية وطائرات دون طيار عند قاعدة سيدي براني، مجرد «إشاعات فارغة». وأضاف أن «مصر لا تتعامل مع مثل هذه الأمور بهذه الطريقة». وتبعد قاعد سيدي براني العسكرية عن الحدود المصرية مع ليبيا بنحو 100 كيلومتر. وفي ليبيا نفى محمد منفور، قائد قاعدة بنينا الجوية قرب بنغازي، أن يكون الجيش الوطني الليبي بقيادة حفتر قد تلقى مساعدة عسكرية من روسيا أو استقبل متعاقدين عسكريين روس، كما نفى أيضا وجود أي قوات أو قواعد روسية في شرق ليبيا. هذا مع العلم أن المشير حفتر استقبل قبل نحو شهرين حاملة الطائرات الروسية «الأدميرال كوزنتيسوف»، في ميناء طبرق البحري، وتحدث من على متنها، باستخدام دائرة تلفزيونية مغلقة، مع وزير الدفاع الروسي، سيرغي شويغو، عن عدة قضايا تخص الوضع في ليبيا ومسائل متعلقة بمكافحة الإرهاب الدولي في منطقة الشرق الأوسط. ولوحظ خلال الشهور القليلة الماضية وجود تناغم في العلاقات الليبية (جبهة حفتر والبرلمان الذي يعقد جلساته في شرق البلاد) مع الجانب الروسي. وزار حفتر نفسه روسيا لثاني مرة في أقل من عام، في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، أي بعد أسابيع قليلة من إجراء الروس مناورات مع الجيش المصري في مناطق صحراوية مشابهة للصحراء الليبية، وفقا لمصادر عسكرية تعمل قرب الحدود المصرية الليبية. وأضافت هذه المصادر أن المناورات كان الغرض منها تبادل الخبرات بين الجانبين المصري والروسي، ولم يتطرق الطرفان إلى أي حديث عن إنشاء قواعد عسكرية روسية قرب الحدود مع ليبيا، ولا يوجد أي نشاط روسي لا في قاعدة سيدي براني ولا في قاعدة مرسى مطروح، بينما الوضع في قاعدة جمال عبد الناصر الجوية، في الشرق الليبي، لا يوجد فيه ما يؤشر إلى أنشطة تذكر لأسباب تتعلق بعدم جاهزية القاعدة الليبية لاستقبال أجانب. وتتميز علاقات حفتر مع روسيا بأفضلية كبيرة مقارنة بعلاقاته مع الغرب، رغم أن حفتر استعان لبعض الوقت خلال العام الماضي بعناصر جمع معلومات من العسكريين الفرنسيين، في خضم حربه على الجماعات المتطرفة والميليشيات المسلحة. وبخلاف العلاقات القديمة التي كانت بين روسيا ونظام معمر القذافي، فإن موسكو تعاملت مع المرحلة الجديدة في ليبيا بكثير من الحذر، في وقت سارعت فيه عدة دول غربية بالتقارب مع الميليشيات غير المنضبطة المتمركزة في طرابلس وعدة مدن في غرب البلاد. وتتفاوت مصالح الدول الأجنبية في ليبيا. فبريطانيا تسعى، على ما يبدو، لوجود ضمانات تعيد من خلالها عمل شركاتها النفطية في هذا البلد. وتضع فرنسا عينها على مناطق نفوذها القديمة في جنوب الصحراء الليبية (إقليم فزان). بينما تريد إيطاليا أن تضمن توقف سيل المهاجرين غير الشرعيين إليها انطلاقا من الشواطئ الليبية. ويرجح أن الروس ينافسون على الثمرة الكبيرة، ألا وهي حقول النفط، ومشاريع إعادة الإعمار في بلد خربته حرب أهلية مستمرة منذ نحو ست سنوات.التقارب «الروسي – الحفتري» ومر التقارب «الروسي – الحفتري»، إن صح التعبير، منذ مطلع عام 2015 بالعديد من المحطات المهمة التي يمكن أن تؤسس لعمل مشترك مع رجل يعد نفسه ليكون سيد ليبيا في الفترة المقبلة، في حال ما وجد الدعم العسكري الكافي لكبح جماح خصومه. وقال مصدر عسكري ليبي مقرب من حفتر: «منذ زيارة الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين لمصر، ولقائه بالرئيس عبد الفتاح السيسي، في مطلع العام قبل الماضي، والعلاقات الروسية الليبية تسير على خطى ثابتة.. لقد التقى فريق أمني من جانبنا، في القاهرة، مع فريق أمني كان برفقة بوتين. ثم تعددت بعد ذلك المباحثات من أجل التوافق على ما ينبغي عمله في ظل ظروف محلية وإقليمية ودولية غير مستقرة». ويقر بوجود تعاون كبير بين مصر والجيش الليبي، لأغراض تتعلق بمنع تسلل الجماعات الإرهابية، ومكافحة الهجرة غير الشرعية، وغيرها. ويمكن ملاحظة التحفز الأمني المصري على الجانب الحدودي المحاذي لليبيا، حيث توجد خشية من هروب متطرفين مصريين ينشطون في ليبيا، إلى داخل المدن المصرية، من خلال العبور عبر الحدود الصحراوية التي يبلغ طولها نحو 1100 كيلومتر. وعلى الجانب الآخر ينشط الأميركيون في طرابلس، وغالبيتهم من شركات عسكرية خاصة، من خلال مركز لجمع المعلومات في منطقة «الفروسية» داخل العاصمة، وفقا لمصادر استخباراتية ليبية، بينما ينشط البريطانيون، على يد سفيرهم في ليبيا، لإيجاد موضع قدم في هذا البلد، لكن تبدو حالة من التردد على المبعوث البريطاني وهو يتنقل بين مقر البرلمان الداعم لحفتر في الشرق، ومقار القيادات التي يعتقد أن لها كلمة مسموعة في أوساط الميليشيات المتحكمة في عدة مدن في الغرب الليبي وتعادي قائد الجيش الوطني. أما الإيطاليون فقد اتجهوا مباشرة للتفاهم مع قيادات محلية يتوسم فيها القدرة على منع الهجرة غير الشرعية وحماية موقع تصدير الغاز إلى إيطاليا في منطقة مليتة على ساحل البحر غرب العاصمة. وخلال العام الماضي أرسلت الولايات المتحدة وعدة دول غربية قوات خاصة ومستشارين عسكريين إلى ليبيا، كما نفذ الطيران الحربي الأميركي ضربات جوية لمؤازرة قوات تابعة للمجلس الرئاسي المدعوم من المجتمع الدولي، في حربها ضد تنظيم داعش في سرت. ومع ذلك لا يبدو أن واشنطن أو لندن أو غيرهما من العواصم الغربية قد حققت شيئا يذكر، مقارنة بالروس الذين تمكنوا أيضا من إثارة قلق الغرب بالوجود القوي في المياه الدافئة على السواحل السورية، والوقوف مع نظام بشار الأسد، بحجة محاربة «داعش». وزاد القلق أكثر حين وصلت حاملة الطائرات إلى سواحل طبرق، وهو أمر لم يعجب حلف الناتو، ونظر إليه بعين الريبة. وفي آخر حديث له أمام لجنة القوات المسلحة بمجلس الشيوخ، الأسبوع الماضي، قال قائد القوات الأميركية في أفريقيا، الجنرال توماس والدهاوزر، إن روسيا تحاول بسط نفوذها في ليبيا لتعزز سطوتها، في نهاية المطاف، على كل من يمسك بزمام السلطة، مشيرا إلى أن الروس يعملون من أجل التأثير على ذلك. ولم تقتصر اتصالات الروس بحفتر فحسب، بل شملت أيضا محاولة لفتح الأبواب مع بعض قادة الغرب الليبي، ومن بينهم فائز السراج، رئيس المجلس الرئاسي المدعوم من الأمم المتحدة. وزار السراج روسيا قبل عدة أيام، واجتمع مع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، الذي تعهد بالمساعدة في توحيد ليبيا وتعزيز الحوار بين الخصوم. وبعيدا عن كل هذه التحركات الغربية، وضع الروس أقدامهم على أرض حفتر بقوة، بحسب مصدر على علاقة بالجيش الليبي، على أمل أن ينتقل الروس مع حفتر إلى غرب البلاد، حين تواتيه الفرصة لذلك. ويقول: «الروس جاهزون بعقود للتسليح وتدريب الجيش وإعادة بناء المدن التي خربتها الحرب، واستئناف العقود التي سبق توقيعها بين الروس ونظام القذافي. لكن هذا لن يتحقق إلا إذا حصل حفتر على دفعة، لكي يبسط سلطته على عموم ليبيا، والروس يدركون ذلك جيدا.. هم يسعون إلى رفع الحظر على تسليح الجيش. وفي الوقت الراهن لا يبخلون بالتدريب». ويضيف المصدر أنه، رغم ذلك، لم ينزل الروس بثقلهم حتى الآن لمؤازرة حفتر، لكن مما لا شك فيه، أن لدينا عقودا واضحة ومعلنة عن التعاون المشترك في المجال العسكري، مثل ما هو موجود ومعلن مع الجانب المصري.. تعاون من حيث صيانة بعض المعدات العسكرية روسية الصنع، وتدريب دفعات من الضباط والجنود، والأهم الوقوف في مجلس الأمن ضد أي قرارات جديدة يمكن أن تلجأ إليها الدول الأعضاء في المجلس ضد الجيش الوطني، مثل فرض حظر طيران على منطقة الهلال النفطي. ويوضح: «الروس يعلمون أن فرض حظر طيران على منطقة الموانئ النفطية، ستمثل خسارة كبيرة لحفتر». ونقلت «رويترز» عن أوليج كرينيتسين، رئيس مجموعة «آر إس بي» الأمنية الروسية، قوله إن قوة من بضع عشرات من المتعاقدين الأمنيين المسلحين من روسيا عملوا، حتى الشهر الماضي، في منطقة بليبيا خاضعة لسيطرة حفتر، إلا أن وزارة الخارجية الروسية قالت إنه ليس لديها علم بذلك. ومن المعروف أن الشركات الأمنية تنأي بنفسها، عادة، عن العمل تحت السلطات الرسمية لوزارات الدفاع في العديد من الدول التي تسعى للوجود في المناطق الملتهبة، بشكل غير معلن. وظهرت هذه «البدعة» لأول مرة من خلال شركات الجيش الخاصة التي عملت في العراق في 2003 مثل شركة بلاك ووتر، كما يفيد مصدر عسكري ليبي، مشيرا إلى أن شركات غربية خاصة، من هذا النوع، تعمل في المجال الأمني والاستخباراتي، نشطت في ليبيا منذ الانتفاضة المسلحة ضد القذافي وما زال البعض منها يعمل حتى الآن. ويضيف أن ما تردد عن مجموعة تتكون من 22 فردا روسيا، دخلت إلى ليبيا عن طريق مصر، ربما يكون في إطار اتفاقيات للتدريب، سواء مع وزارة الدفاع الروسية أو مع شركات أمنية روسية ذات طابع عسكري. وأيا ما كان الأمر فإن تسليط الروس أنظارهم على ليبيا، يثير مخاوف الغرب بشكل متزايد. وفي لجنة القوات المسلحة بمجلس الشيوخ الأميركي، سأل السيناتور لينزي غراهام، والدهاوزر، عما إذا كانت روسيا تحاول أن تفعل في ليبيا مثل ما فعلته في سوريا، فأجاب قائلا: «نعم هذه طريقة جيدة لوصف ذلك». وعلى صعيد عدم الراحة من التحركات الروسية، وفقا لوصف مصدر عسكري ليبي، وصل إلى القاهرة رئيس اللجنة العسكرية في حلف شمال الأطلسي، الفريق بيتر بافل الذي بحث قبل يومين، مع الفريق محمود حجازي، رئيس أركان حرب القوات المسلحة المصرية (المسؤول عن الملف الليبي)، تطورات الأوضاع والمستجدات على الصعيدين الإقليمي والدولي في الفترة الراهنة، وانعكاسها على الأمن والاستقرار بمنطقة الشرق الأوسط. وقال المتحدث العسكري المصري، في بيان، إن اللقاء تناول أيضا «تبادل الرؤى المختلفة في العديد من القضايا وعلى رأسها الموقف في ليبيا، وكذا مقاومة التطرف والإرهاب والجهود الدولية لمواجهته، وأهمية التنسيق والتعاون وتضافر الجهود في هذا المجال». وبالتزامن مع هذه التطورات تمكن حفتر من توجيه الجيش الوطني الليبي لطرد الميليشيات المسلحة من منطقة الموانئ النفطية التي تمثل ميزان قوة، أمام المجتمع الدولي، لمن يسيطر عليها، وتمكن الجيش من استعادة ميناء رأس لانوف النفطي، وهو أحد مرفأين كانت قوات حفتر فقدت السيطرة عليهما هذا الشهر. وأعلن مدير مكتب إعلام القيادة العامة للجيش الليبي، خليفة العبيدي، أن القوات البرية والبحرية والجوية تشن هجمات مشتركة لتطهير ميناء رأس لانوف» من «الجماعات الإرهابية». وفي هذه الأثناء كان عبد الباسط البدري، مبعوث حفتر إلى روسيا، يجري مباحثات في موسكو، مع ميخائيل بوغدانوف، المبعوث الخاص لبوتين للشرق الأوسط وشمال أفريقيا، حول التطورات الأخيرة في الملف الليبي. ولم يتطرق الروس إلى دعم مباشر للجيش الليبي، أو إرسال أي عسكريين إلى هذا البلد، ولكن الحديث الرسمي يدور حول أهمية ترتيب حوار شامل بمشاركة ممثلين عن جميع القوى الليبية، للتوصل إلى اتفاقات تهدف إلى إخراج البلاد من الأزمة السياسية الداخلية التي طال أمدها.
مشاركة :