كيف سيتعامل رئيس الحكومة المغربية المكلف مع التحديات التي ستواجه بلده ذات التقاليد العميقة في ممارسة العمل السياسي؟العرب محمد بن امحمد العلوي [نُشر في 2017/03/19، العدد: 10576، ص(7)]رئيس حكومة مغربي جديد بعد إخفاق بن كيران الرباط - بكامل لياقته وبخطوات ثابتة ومتتالية يدلف أسوار القصر الملكي بالدار البيضاء، يقف أمام العاهل المغربي ويقبل كتفه احتراما وسط قاعة فخمة وفسيحة يقف الملك محمد السادس بالزيّ المغربي التقليدي العريق، متحدثا إلى القيادي بحزب العدالة والتنمية سعدالدين العثماني الذي ينصت بتمعن وإدراك ويومئ برأسه تجاوبا مع توجيهات صاحب أعلى سلطة بالمغرب بعدما كلفه بتشكيل الحكومة. سيكون يوم الجمعة الـ17 من مارس 2016 منعطفا تاريخيا حاسما في المسار السياسي لهذا القيادي وأحد مؤسسي حزب العدالة والتنمية المغربي ذي المرجعية الإسلامية. فبعد إعفاء زميله في الحزب عبدالإله بن كيران سيسمح التكليف الملكي السامي للعثماني ببدء مشاورات ماراثونية لتشكيل حكومة تعذّر على سلفه إتمام مهمته فيها. خرج العثماني من القصر الملكي بالدار البيضاء بعد انتهاء المقابلة مع الملك معتزا بثقة العاهل المغربي ومستحضرا رهبة وثقل المسؤولية. مصرّحا أن تكليفه “مسؤولية ثقيلة في هذا الظرف السياسي الدقيق” وواعدا بأنه سيبذل كل ما في وسعه ليكون عند حسن ظن الجميع، هكذا استقبل ابن مدينة إنْزْكَّانْ جنوب المغرب تكليفه وهكذا سيبدأ مسارا آخر في مشواره السياسي. الطبيب والسياسي رجل متوسّط القامة تنظر إليه فتحس أنك تعرفه منذ زمن طويل. ذلك هو سره المهني كونه طبيبا نفسيّا مارس مهنته منذ زمن طويل حيث عمل طبيبا عاما قبل أن يتخصص في الطب النفسي بالمركز الجامعي للطب النفسي بالدار البيضاء، ثم بمستشفى الأمراض النفسية بمدينة برشيد جنوبي الدار البيضاء. مارس العمل السياسي وخبر دواليب التنظيم وآلته البيروقراطية الصلبة داخل مجموعة من التنظيمات الإسلامية منذ سبعينات القرن الماضي. يصفه الجميع بأنه هادئ دبلوماسي ولبق، بلحيته الخفيفة وابتسامته التي لا تفارق محياه، وبهذه الخصائص ذاتها سيبدأ مهمته الشاقة في تدبير مشاوراته لتشكيل الحكومة مع أحزاب كانت بالأمس القريب تضع شروطها لدخول حكومة بن كيران. لكن هذا الستيني يجمع بين المتناقضات ما يجعله في نظر الكثيرين غامضا. فهو وإن كان يملك نصيبا كبيرا من اللباقة إلا أنه لا يفصح عما يروج بداخله، ورغم أنه من المؤسسين للحزب والتنظيم الدعوي ويعرف جلّ المنتمين والقياديين فإن منسوب ثقته في الآخرين منخفض ما يؤثر على طريقة اندماجه مع محيطه. والواضح أنه لن يكون نسخة طبق الأصل من بن كيران فالشخصيتان تقفان على النقيض في طريقة تدبير الملفات السياسية والتنظيمية. روح الدستور تكليف العثماني بتشكيل الحكومة الجديدة اعتبره الكثيرون تنزيلا لروح الدستور في شقه السياسي وتعبيرا عن التعددية اللغوية والإثنية التي ينصهر فيها كل المغاربة. هذا الآتي من جنوب المغرب التمس فيه حلفاؤه كما خصومه توجها مخالفا لسلفه الشعبوي. وفيه يقول مصطفى البراهمة الكاتب الوطني لحزب النهج الديمقراطي من اليسار الراديكالي إنه لا يستعمل الشعبوية كثيرا، وربما ذلك سيمكن من عودة الحياة السياسية إلى طابعها الصراعي والخلافي، ولكن الموضوعي والرصين.العثماني يجمع بين المتناقضات في ما يتعلق بتحالف حزب العدالة والتنمية والأحزاب الأخرى لتشكيل الحكومة أكد العثماني أن يده ممدودة لكل الفرقاء السياسيين الوطنيين، موضحا أن هناك تقارباً مع أحزاب معينة دون أخرى، لكن “الخط الأحمر يثار مع حزب الأصالة والمعاصرة وأنا أستبعد تحالف الحزب معه”. لكن هل سيتمر هذا الموقف بعد فشل عبد الإله بن كيران في تقريب وجهات النظر السياسية مع بعض الأحزاب خصوصا حزبي الأصالة والمعاصرة والاتحاد الاشتراكي؟ وقد كان لهذين الحزبين موقف إيجابي من تكليف العثماني بتشكيل الحكومة، فها هو عبدالواحد الراضي القيادي والزعيم التاريخي بحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية يقول إن العثماني تتوفر فيه كل شروط النجاح في مهمته رئيسا للحكومة، في الوقت الذي هنأه الأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة إلياس العماري كخطوة لتليين المواقف. وبقدر ما كان بن كيران حماسيا جدا حد التهور وعاطفيا جدا إلى حد التمسكن، يبدو وكأن العثماني يمتاز بدبلوماسية النطق اللبق والتأني قبل الإجابة والابتسامة دون قهقهة تذهب بالجانب الوقور في رجل الدولة. لكن يبقى السؤال إلى أيّ حد سيتمكن هذا الدبلوماسي من ضبط نفسه أمام ضغوط السياسة وإكراهاتها من مكانه الجديد بمقر رئاسة الحكومة؟ وإلى أيّ حد سيكون رابط الجأش أمام التحديات التي يفرضها المنصب الجديد؟ الإجابة ستكون أولا في طريقة تدبيره للمفاوضات التي ستفضي إلى تشكيل الحكومة والشروط التي سيضعها أمام الأحزاب الراغبة في المشاركة. فكلما كانت المرونة في التعاطي مع اختلاف التوجهات والإرادات كان إلى النجاح أقرب. نتساءل هل يستطيع هذا الرجل القادم من منطقة سوس الأمازيغية والمنحدر من أسرة علم ومعرفة وبخلفية إسلامية استحضار خبرته في الطب النفسي لمعرفة الكنه الحقيقي للتفاعل مع كل الفاعلين السياسيين بالداخل والخارج؟ وكيف سيتعامل مع التحديات التي ستواجه بلده ذات التقاليد العميقة في ممارسة العمل السياسي المعقد واستنباط شروط أخرى للتعامل البراغماتي مع كل المتغيرات؟ أسئلة تستفزنا لرؤية كيف سيعمل على خلق نقط الاتفاق مع باقي الأحزاب ومؤسسات الدولة. والده كان من علماء المنطقة ومن المؤسسين لجمعية علماء سوس والمشتغلين بها وكان كذلك منضويا تحت لواء الحركة الوطنية التي ناضلت من أجل استقلال المغرب، يقول العثماني إن كاريزمية الوالد “أثرت في شخصيتي بشكل كبير ولازلت أتذكر بعض ما كان يدور بيننا من مناقشات وما كان يحكيه لي من الأمثال والحكم والتلميحات والقصص”. هذا النوع من التربية هو على ما يبدو ما حفز في العثماني روح الحوار وتقبل الآخر والتعامل شبه الحداثي مع قضايا المرأة بخلاف تيار متشدد داخل حزبه فيما يتعلق بحرية المرأة وحقوقها، ونشر في هذا الصدد “قضية المرأة ونفسية الاستبداد” و”طلاق الخلع واشتراط موافقة الزوج”. لذلك كان هو من طالب بتعديل الفصل 453 من القانون الجنائي الخاص بالإجهاض معتمدا على مستندات شرعية وأخرى من القانون المقارن وثالثة واقعية، مؤكدا أنه لا عقاب على الإجهاض متى قام به علانية طبيب أو جراح لكن بشروط.رئيس الحكومة الجديد المتحدر من جنوب المغرب يلتمس فيه حلفاؤه كما خصومه توجها مخالفا لسلفه الشعبوي. وفيه يقول مصطفى البراهمة الكاتب الوطني لحزب النهج الديمقراطي من اليسار الراديكالي إنه لا يستعمل الشعبوية كثيرا، وربما ذلك سيمكن من عودة الحياة السياسة إلى طابعها الصراعي منظر العدالة والتنمية حصل العثماني على الباكالوريوس في الشريعة الإسلامية في العام 1983، وكيف تأتّى للعثماني أن يجمع المعقول مع المنقول في رأس واحد أي بين العلوم الرياضية والعلوم الشرعية؟ سؤال أجاب عليه بعد تأنّ بسؤال مقابل “ولماذا لا يلتقيان؟”. ثم يعطي وجهة نظره بأن الإنسان بفكره وفهمه للدين والعلم هو من يضمن هذا التلاقي أو الافتراق بين الميدانين. لكنه يرجع تكوينه الديني إلى والده وبيته وتاريخ عائلته ففي البيت تم زرع البذرة الأولى لارتباطه بالفكر الديني ولم يجد أدنى صعوبة في تحصيله في الجامعة والجهد الأكبر شمل الدراسات الطبية التي توّجها بالدكتوراه في تخصص الطب النفسي في التسعينات من القرن العشرين. انضم العثماني إلى جماعة التبليغ عن طريق أصدقاء مشتركين وحضر للجمع العام في الدار البيضاء في العام 1974، وهذه الجماعة يقول العثماني إنها “كانت تدعو إلى التدين وقد نشأت في الهند”. معترفاً بأنه لم يكن هناك في تلك الفترة أيّ تضييق من السلطات على الجماعات ذات التوجه الديني. التحق بالشبيبة الإسلامية المحظورة الآن في العام 1978 على وجه التقريب، كان من المؤسسين إلى جانب عبد الإله بن كيران للجماعة الإسلامية في العام 1981 بعدما تبين له سوء التدبير الداخلي للشبيبة الإسلامية وأنه غير مجد ويحمل تناقضات عديدة إضافة إلى عدم وجود ديمقراطية داخلية من خلال الاستفراد بالرأي وعدم الوضوح في بعض المواقف السياسية. في أواخر العام 1981 تم اعتقاله نتيجة أعمال استفزازية للنظام من قبيل رفع شعارات وكتابة على الجدران وأكد أنه لم تكن له أيّ علاقة بذلك الأمر ولم توجه إليه أيّ تهمة معينة ودامت التحقيقات عدة أشهر أطلق سراحه بعدها مع عدد من أصحابه دون أن يقدموا إلى المحاكمة. إنه المنظّر المجتهد لحزب العدالة والتنمية منهجه يرتكز على الوضوح في المواقف والعمل في إطار المؤسسات القائمة وأهداف إصلاحية واضحة ومحاولة بناء أفكار جديدة تجمع بين الثقافة الإسلامية والفكر الإسلامي والتحديث للمساهمة في الإصلاح السياسي والاجتماعي بالمغرب، وقد ألف كتاب “في الفقه الدعوي.. مساهمة في التأصيل” و”في فقه الحوار” و”فقه المشاركة السياسية عند شيخ الإسلام ابن تيمية”. هذا ما آمن به العثماني وهو ما دفعه وزملاءه إلى المرور من إطار العمل الدعوي للجماعة الإسلامية إلى مستوى العمل السياسي بمحاولة تأسيس حزب التجديد الوطني في العام 1992 الذي لم تعترف به السلطة، وبعد تطوير الفكرة استطاعوا خلق اسم حزب العدالة التنمية بعد ما أقنعوا عبدالكريم الخطيب بالتحالف مع حزبه الحركة الشعبية الدستورية الديمقراطية. بعد مشاركة العدالة والتنمية في الانتخابات التشريعية لعام 1997 استطاع العثماني أن يفوز بـ48 بالمئة من عدد الأصوات في دائرته واستمر في حصد النجاحات حتى العام 2012 عندما سيتم اختياره وزيرا للخارجية في حكومة بن كيران. وقبل اختياره وزيرا للشؤون الخارجية تولّى العثماني منصب نائب رئيس مجلس النواب وشغل منصب الأمين العام لحزب العدالة من 2004 إلى 2008 ورئيسا للمجلس الوطني للحزب منذ سنة 2008 إلى الآن.العثماني وإن كان يملك نصيبا كبيرا من اللباقة إلا أنه لا يفصح عما يروج بداخله، ورغم أنه من المؤسسين للحزب والتنظيم الدعوي ويعرف جل المنتمين والقياديين فإن منسوب ثقته في الآخرين منخفض ما يؤثر على طريقة اندماجه مع محيطه الاستحقاقات القادمة للحكومة لم يسعف الوقت العثماني لإتمام مهمته على رأس الدبلوماسية المغربية، فعام واحد ليس مقياسا لضبط توجهات الرجل ولا اكتشاف كيفية تدبيره للملفات الكبرى. فرغم أن مجال السياسة الخارجية محفوظ للملك إلا أن هذا لا ينفي عن وزير الخارجية والطاقم المرافق له أن يبدعوا أساليب لا تتناقض والتوجهات الكبرى للمملكة. لكنه يقول إن كونه وزيرا للخارجية يعكس الثقة التي وضعت فيه، ولأنه عمل لعشر سنوات داخل لجنة العدل والشؤون الخارجية ونائبا لرئيس مجلس النواب أيضا، أي أنه لم يكن بعيدا عن العمل الدبلوماسي. ورغم أن رئيس الحكومة آنذاك اقترح عليه حقائب أخرى بعد نقاش سياسي دام لثلاثة أشهر بعد خروج وزراء حزب الاستقلال إلا أنه في العام 2015 طرح عليه سؤالا مفاده هل تضع عينيك على رئاسة الحزب؟ فردّ بأنه إذا كلّفه إخوانه في الحزب والسياق الذي سيأتي فيه فلن يرفض. لكن يبدو أنه سيجمع الأمرين أي رئاسة الحكومة والحزب بعد المؤتمر المقبل. كان العثماني وزيرا للخارجية واليوم إذا نجح في هندسة الحكومة المكلّف بتشكيلها سيكون له دور مهم في تنزيل بعض أفكاره في التموضع الجديد للمغرب داخل الاتحاد الأفريقي. وفيما يتعلق بما بعد رئاسة فرنسوا هولاند لفرنسا الحليف الأساسي للرباط كيف سيتعامل مع المد اليميني بأوروبا ورؤيته السياسية لعلاقة بلده مع الولايات المتحدة الأميركية في عهد دونالد ترامب. لكن للرجل وجهة نظره في علاقة أميركا بملف الوحدة الترابية للمغرب، فهو لا يظن أن فوز ترامب بالرئاسة سيؤثر على مجمل موقف الولايات المتحدة الأميركية من ملف الصحراء، فالموقف الأميركي العام دائما هو نفسه لكنه يستدرك الأمر في بعض التفاصيل المرتبطة بالعلاقة مع دول الجوار أو قضايا حقوق الإنسان، ويمكن أن يكون فيها اختلاف بين ترامب ومن سبقوه، خصوصا وأن الرئيس الجديد للولايات المتحدة يعطي للملف الأمني أهمية كبيرة، ويضيف “نحن نعلم بحدة التهديدات التي تحيط بمنطقة الصحراء والساحل”. رأيه في اختيار ترامب جاء لأن هذا الأخير انصبّ تركيزه على الحاجيات الآنية للمواطن الأميركي كالشغل والضرائب وتحريك الشركات ومهاجمة اتفاقيات التبادل التجاري الحر مع عدد من الدول للتخفيف من الأزمات الاقتصادية. فهل ستكون نفس إجابته على ما اعتبره مراقبون فشلا للحكومة التي ترأسها حزبه منذ 2012 إلى الآن بعد مرور أربع سنوات على تدبير العدالة التنمية للشأن العام، حيث كانت للعثماني فيها الجرأة ليدافع بقوة عما اعتبره إنجازات الحكومة التي ترأسها العدالة والتنمية بالرغم من اعترافه بنواقصها.
مشاركة :