عامان من الصراع المرير بين ناجي جلول المحسوب على حزب حركة نداء تونس شريك النهضة الإسلامية في الحكم وبين المنظمات النقابية حول برنامج الإصلاح التربوي.العرب حبيب المباركي [نُشر في 2017/03/19، العدد: 10576، ص(8)]وزير تونسي حكمت عليه نقابات بلاده تونس - طور مرير من الصراع دخلته تونس في الفترة الأخيرة محوره دعوة نقابتي التعليم الثانوي والأساسي إلى إقالة وزير التربية ناجي جلول. مرة أخرى يعود ملف النقابات إلى واجهة التحركات من جديد التي باتت تشغل التونسيين وتؤرقهم خصوصا لجهة ارتباطه بتحديد حاضر أبنائهم ومستقبلهم. في تونس تباينت الآراء حول الوزير جلول حتى بين الفئات الاجتماعية نفسها، بين من يلقبه بـ”قاهر الصعاب” وصاحب المهمات الصعبة وقائد ثورة الإصلاح وغيرها من الألقاب وبين من يرى أنه أدخل الوزارة في نفق مظلم يصعب الخروج منه. الاتحاد العام التونسي للشغل ممثلا في العديد من نقابييه جدد رفضه لما اعتبره “مساعي الحكومة لخصخصة التعليم والبنوك العمومية وكل القطاعات العمومية”. واحتشد الآلاف من الأساتذة والمعلمين أمام مقر وزارة التربية التونسية في ثاني احتجاج لهم بعد خروجهم في يناير الماضي للمطالبة بإقالة جلول متهمين الوزارة بـ”الالتفاف على مسار الإصلاح”، وحددت نقابة التعليم الثانوي يوم 27 مارس الجاري كموعد لتعليق الدروس إذا لم تستجب الحكومة لمطلبها الأساسي بتنحية الوزير من على رأس الوزارة. وزير كل المهمات هدوء حذر يسود تونس هذه الأيام بعد الخطاب الهادئ الذي دعا إليه الاتحاد العام التونسي للشغل ممثلا في نورالدين الطبوبي الذي طالب بالتريث وتغليب مصلحة البلاد على كل المصالح السياسوية الضيقة. جلول المتحدر من مدينة البقالطة التابعة لمحافظة المنستير (وسط غرب تونس) هو أستاذ جامعي وباحث في التاريخ الإسلامي. يتولى تدريس مادة التاريخ في جامعة منوبة. تلقى دراسته الأولى في تونس ثم أكمل دراسته العليا في جامعة السوربون بباريس. متحصل على الدكتوراه في التاريخ الإسلامي الوسيط وحاصل على التأهيل الجامعي عام 2000. هو أيضا عضو مؤسس للجنة الوطنية للتاريخ العسكري وعضو مؤسس للمجلة التونسية للتاريخ العسكري. وكان سابقا عضوا في المكتب السياسي للحزب الجمهوري قبل أن يستقيل من هذا الموقع في سبتمبر من العام 2013 مرجعا ذلك إلى خلافات أيديولوجية مع قيادته. وفي فبراير من العام 2014 أعلن جلول انضمامه إلى حركة نداء تونس. ويشغل منذ مطلع السنة الماضية منصب وزير التربية. شغل جلول الرأي العام في تونس بكثرة إطلالاته التلفزيونية وحواراته الإعلامية وتصريحاته الموغلة في خلق الإثارة والتشويق. الأكاديمي المتمرّس خيّر طريق الأضواء في كل تحركاته ظنا منه أنه سالك، لكن كثرة المنعرجات أبانت العيوب وأظهرت الكامن في شخص الوزير. وقد خبرته شخصيا منذ الأيام الجامعية بكلية الآداب والفنون والإنسانيات بمنوبة زمن كنت طالبا. كان يجتمع بنا مساء كل جمعة على ما أذكر بإحدى قاعات الدرس الكبيرة. خبرت بعض الصمت لديه وعندما يطفح بالكلام لا يتكلم إلا خارج محور الدرس. حديث عن البطولات والمغامرات الشاقة أثناء مراحله التعليمية بفرنسا يردفه بالتعليق على صولاته وجولاته أيام الخصومة التي تنتهي مع الطلبة الإسلاميين. الدعوات الاحتجاجية تأتي ضمن احتجاجات سابقة رافضة لبقاء جلول على رأس وزارة التربية. وكانت وزارة التربية قد شرعت منذ أبريل 2015 في وضع استراتيجية شاملة للإصلاح التربوي عقدت حولها استشارات وطنية وحوار وطني مع الضالعين في العملية التربوية من مربين وأولياء أمور ومنظمات مجتمع مدني. استراتيجية الإصلاح المرفوضة لسعد اليعقوبي الكاتب العام لنقابة التعليم الثانوي رحب بانطلاق الحوار الوطني لإصلاح المنظومة التعليمية الذي بدأه جلول مشددا على أن “بداية الحوار تعد في حد ذاتها خطوة إيجابية، لكن عليه أن يتواصل بصفة تشاركية وعلى أسس سليمة”. وشدد وفق ما نقلت مواقع إعلامية على أنه لمس وجود رؤية تشاركية متقاربة بين مختلف الأطراف المنخرطة في عملية مراجعة المناهج التعليمية.الآراء تتباين في تونس حول الوزير جلول، حتى بين الفئات الاجتماعية نفسها، بين من يلقبه بـ"قاهر الصعاب" وصاحب المهمات الصعبة وقائد ثورة الإصلاح وغيرها من الألقاب وبين من يرى أنه أدخل الوزارة في نفق مظلم يصعب الخروج منه أنشئت لجنة مشتركة بين وزارة التربية والاتحاد العام التونسي للشغل (نقابي) والمعهد العربي لحقوق الإنسان (منظمة غير حكومية مقرها تونس) للتباحث حول إجراءات وآليات تنفيذ البرامج. ولكنّ النقابيين يقولون إن وزارة التربية التفّت على مسار الإصلاح وأقرت إجراءات أحادية الجانب. ويضيفون “لم نجد أرضية ملائمة للتعامل معها، فتوجهنا لرئيس الحكومة يوسف الشاهد لتغيير الوزير”. ويعمل في تونس نحو 65 ألف مدرس في المرحلة الابتدائية وأكثر من 90 ألف أستاذ في المرحلتين الإعدادية والثانوية. وتبدو المعركة في حقيقتها سياسية حيث تدفع الجهات التي تقف وراءها باتّجاه توسيعها طلبا في استثمار غضب الأساتذة والمربين من تصريحات وزير التربية للإطاحة به والإعلان عن حضورها من باب قويّ في ظل حكومة مرتبكة بسبب تعدد الملفات والاشتراطات داخليا وخارجيا. وقبل أيام أعلنت نقابة التعليم الثانوي التابعة للاتحاد العام التونسي للشغل عن شروع المنتمين لها في تنفيذ اعتصامات بمقرات المندوبيات الجهوية للتربية (إدارة حكومية للتعليم في المحافظات) توجت بإضراب عام حضوري في المدارس الابتدائية والإعدادية والمعاهد للمطالبة بتنحية وزير التربية ناجي جلول من منصبه. ونفى الأمين العام للاتحاد نورالدين الطبوبي نفيا قاطعا أن يكون قد اتفق مع رئيس الحكومة يوسف الشاهد على إقالة وزير التربية ناجي جلول، وقال الطبوبي “ليس من سلوكياتي ولا من أخلاقي أن أعقد اتفاقات تحت الطاولة”، مؤكدا أن “مثل هذا الأمر لم يحصل بتاتا بيني وبين رئيس الحكومة وأن التصريح الذي صدر في هذا الخصوص عن أحد النقابيين غير صحيح وكلامه لا يلزمه إلا هو”، وفق تأكيدات الأمين العام للمنظمة الشغيلة. يذكر أن عددا من وسائل الإعلام تناقلت تصريحا للكاتب العام المساعد للنقابة العامة للتعليم الثانوي قال فيه إن “الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل أبلغ النقابة بقرار رئاسة الحكومة المتمثل في إقالة وزير التربية ناجي جلول، لكن ليس في الوقت الراهن حتى تكون إقالته بصفة عادية وليس تحت ضغط النقابة”. مستشار رئيس الحكومة فيصل الحفيان نفى ما يروّج حول إقالة وزير التربية ناجي جلول قائلا إن “رئاسة الحكومة تنفي نفيا قاطعا ما تم تداوله بشأن إقالة وزير التربية الذي يحظى بثقة رئيس الحكومة ” وأنه لا توجد أيّ اتفاقات سرية مع أيّ طرف كان. بلا أصدقاء جلول يصف حركة النهضة بالصديق العدوّ متهما إياها بقيادة الحركات الاحتجاجية في وزارته. وقال في تسجيلات صوتية وقع تسريبها على مواقع التواصل الاجتماعي “يجب التحالف مع العدوّ لتوفير التوازن السياسي في البلاد”، مضيفا “نداء تونس الحزب الوحيد الذي لا يمتلك أصدقاء كثرا”.الاتحاد العام التونسي للشغل يرفع صوته عاليا برفض ما اعتبره "مساعي الحكومة لخصخصة التعليم والبنوك العمومية وكل القطاعات العمومية" في معرض تعليقه على حزب حركة الشعب المحسوب على المعارضة أكد جلول أن الحركة ليس لها سوى أربعة أنصار ولا تستطيع أن تحرك الأساتذة ضده. ويقول جلول إن خصومه أو من يتهمهم بالقذف العلني له جلّهم من المحسوبين على حركة النهضة ويحملون شعار رابعة على حد وصفه. يبدو من كلام الوزير أن الزيجة بين الحزبين الرئيسيين الحاكمين في طريقها إلى الفتور. كلام رأى فيه بعض المحللين أنه قد ينهي المستقبل السياسي لجلول أو أن مستقبله قد انتهى أصلا في انتظار “تخريجة” تتوافق عليها جميع الأطراف. وزير التربية دعا أيضا رئيس الحكومة إلى القيام بثورة تصحيحية وخوض معركة حقيقية مع من يصفهم بالخصوم، حركة النهضة تحديدا، والذين يريدون فرض مواقفهم عليه بإجراء تعيينات جديدة. كما أنه يرى أن الشراكة مع الاتحاد العام التونسي للشغل بخصوص الإصلاح التربوي لا تزال قائمة وأن الوزارة لا تنجز لوحدها هذا المشروع بل سيتم عرضه على كل مكونات وثيقة قرطاج قبل عرضه على البرلمان. أما عن إضراب الأساتذة المزمع تنفيذه يوم 27 مارس الجاري فقد ذكر جلول أنه على ثقة كبيرة في قيادة الاتحاد وفي المربين وفي نقابات التعليم التي ستغلّب في نهاية المطاف مصلحة التلاميذ وتعود إلى طاولة الحوار. عامان من الصراع المرير بين ناجي جلول المحسوب على حزب حركة نداء تونس شريك النهضة الإسلامية في الحكم وبين المنظمات النقابية حول برنامج الإصلاح التربوي توجهما الوزير بإصلاح وحيد يحسب له هو إصلاح بعض القاعات المتهالكة لبعض المدارس التي توجّه إليها مصحوبا بآلته الإعلامية. لا يتفق العاقلون على شغل الوزراء في صمت طيلة حكومات ما بعد الثورة في تونس. الكل ينشّط آلته الإعلامية وإن استدعى الأمر المخبرية لتظهره في أحسن مظهر على المنبر أو أثناء زيارة تفقدية أو ما إلى ذلك من المهمات الحكومية التي يفترض أن تكون بلا رقيب أو واش.
مشاركة :