الاكتئاب والتوتر نتيجة التواصل على المواقع الاجتماعية درجات وفق ما يقره الأطباء النفسيون. المسألة تبدو مرتبطة بمعدل تواجدنا على الشبكة. عدد الزيارات اليومية. تفاعلنا مع ما ينقل إلينا يوميا عبر هذه المواقع.العرب حبيب المباركي [نُشر في 2017/06/04، العدد: 10653، ص(21)] غيّرت وسائل التواصل الاجتماعي معالم كثيرة من الحياة العملية والدراسية والعائلية، لكنها في المقابل حملت معها العديد من المشكلات التي لم نكن نعرفها من قبل مثل حالات العزلة والاكتئاب. أمثلة عديدة عن الهوس بالإنترنت ومتابعة ما يجري على مواقع التواصل من هذا وذاك. وأحيانا حتى داخل العائلة الواحدة ينفرد كل واحد بجهازه يتصفح المواقع الإلكترونية أو تجده غارقا في الحوارات مع أصدقاء أو مع أناس مجهولين يقيم معهم علاقات مختلفة بعضها جاد ومفيد وبعضها الآخر لأغراض التسلية وغيرها. لكن في المقابل يقر آخرون بأن ما كان قد انطلق منذ فترة كراحة لمدة شهر واحد أو شهرين بعيدا عن موقع فيسبوك تحول إلى تعطيل دائم لحساباتهم عندما بدأوا يدركون كم أصبحت حياتهم أكثر سلامة وراحة وهم غير متصلين بتلك الشبكات. هذا يطرح تساؤل هل من الممكن أن تكون حضارتنا المتمثلة في الاتصال الرقمي المستمر هي سبب مرضنا جميعا؟ العديد من المصطلحات ظهرت مثل “اكتئاب فيسبوك”. أيضا الاعتراف بأن الضغط الدائم للبقاء على اتصال بالعالم الرقمي قد تكون له تبعاته على كل المستخدمين. يضاف إلى ذلك ما سمعناه أيضا عن طريق الروايات المتناقلة والأخبار والتقارير الصحافية من حكايات عديدة عن إدمان مواقع التواصل الاجتماعي، الاكتئاب، التنمّر والاضطهاد باستخدام الإنترنت ومخاطر أخرى عديدة لمتصلين بالإنترنت بشكل مستمر. لكن ماذا يكشف لنا الأدب التجريبي عن إدمان وسائل التواصل الاجتماعي، وما هو تأثير حياتنا الرقمية دائمة التضخم على شخصياتنا وسلامتنا العقلية والنفسية؟ في الواقع فإن الإجابة المباشرة على هذا السؤال هي أن الأمر متوقف على عدة متغيرات. الدراسات التي تتناول المسألة حتى تاريخنا هذا مختلفة جدا فيما يخص المخاطر المحتملة في مقابل المكاسب الناتجة عن البقاء على اتصال بوسائل التواصل الاجتماعي. الباحثون يجمعون بشكل عام على أنه تم رصد أن أغلب المستخدمين يزورون مواقع التواصل الاجتماعي للتواصل مع الآخرين لاستحضار الشعور بالانتماء. ومن الموثق بشكل واضح أن واحدا من أكثر الردود شيوعا بين المستخدمين أنهم يستخدمون فيسبوك لمقارنة أنفسهم بالآخرين اجتماعيا. المقارنة الاجتماعية بإمكانها أن تكون إيجابية أو سلبية بالنسبة إلى سلامتنا العاطفية طبقا لموقعنا من تلك المقارنات. ولكن ما هو متوقع إجمالا، فإن الانخراط في مقارنة تحطّ من رؤيتنا لأنفسنا دائما ما يرتبط بنتائج سلبية كقلة الثقة في النفس وتقدير الذات واحتمالية الاكتئاب وأعراض التوتر والقلق المرضي. وفي الواقع فقد أظهرت أبحاث سابقة بالفعل أن الأفراد يميلون إلى تصديق أن مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي الآخرين يعيشون حياة أفضل منهم. وعلاوة على ذلك، فإن ما تطرحه الأبحاث بشكل عام هو أن مستخدمي فيسبوك من المرجح أن يضعوا أنفسهم في هذا النوع من المقارنات بدل مقارنات تنمّي قدراتهم وتعود عليهم بالنفع. الأبحاث مختلطة جدا ومختلفة حدّ التناقض ومن المحتمل أحيانا أن تكون معاكسة لذاتها أيضا لأنه من المؤكد أن كل مستخدم لوسائل التواصل الاجتماعي يوظف ذلك الاستخدام بشكل مختلف. مواقع التواصل الاجتماعي التي يستخدمها الأفراد يمكن أن تكشف الكثير عن صحّتهم النفسية، حيث أن الاستخدام المفرط لها قد يضعهم تحت ضغط وتوتر زائدين ليصبحوا بذلك أكثر عرضة للإصابة بنوبات الاكتئاب والقلق. المسألة غاية في الأهمية والخطورة في آن واحد. حالة م. ع، الذي تعذر عليّ ذكر اسمه كاملا، لا تختلف كثيرا عن حالات العديدة من زملائه في العمل. المسألة تتجاوز فيسبوك وإنستغرام وتويتر وغيرها من وسائل التواصل اليومي مع أشخاص بالنسبة إلى م. ع. شدة ارتباطه بالعالم الرقمي ولدت لديه شعورا بالنقمة على كلّ من حوله. بات يميل للوحدة والعزلة حتى في منزله. العائلة والأطفال لم يعودوا من اهتماماته. فقد كل شيء تقريبا. المشاهير لهم نصيبهم هم أيضا من هذا العالم الذي يظن البعض منهم أن لولاه لما وصلوا إلى ما هم عليه الآن. نجمة موسيقى البوب سيلينا جوميز مثال ثان يبيّن بوضوح ما يمكن أن تفعله مواقع التواصل الاجتماعي بأصحابها المبحرين دون تردد. جوميز (24 عاما)، يبلغ عدد متابعيها أكثر من 113 مليون متابع على موقع إنستغرام تقول إن “الهوس بوسائل التواصل الاجتماعي أصابها بالرعب وأنها حذفت تطبيق إنستغرام من على هاتفها المحمول”. وتابعت أنها فقدت صوابها بمجرد أن أصبحت صاحبة أكبر عدد من المتابعين على إنستغرام، وأضافت “أصبح يستنزفني. كنت أستيقظ وأنام عليه. كنت مدمنة له”. الاكتئاب والتوتر نتيجة التواصل على المواقع الاجتماعية درجات وفق ما يقره الأطباء النفسيون. المسألة تبدو مرتبطة بمعدل تواجدنا على الشبكة. عدد الزيارات اليومية. تفاعلنا مع ما ينقل إلينا يوميا عبر هذه المواقع. مدى تحملنا لهذا الكم من الأخبار والتفاعلات اليومية.. كلّها مفردات لنتيجة واحدة. شعور بالعزلة والانطواء. ولكن على النقيض من ذلك هناك من يقرّ بأن، شئنا أم أبينا، مواقع التواصل الاجتماعي جزء من حياتنا وحياة أبنائنا. فقط المطلوب تعديل بسيط في كيفية الاستخدام من شأنهما أن يمنحانا راحة أبدية ويجعلانا قريبين من العالم دون أن نصاب بالملل ونفقد توازننا. صحافي من تونسحبيب المباركي
مشاركة :