رئيس الوزراء المغربي الجديد في أولى تصريحاته لوسائل الإعلام بعد تكليفه بتشكيل الحكومة إن تعيينه كان مفاجئا ويمثل “مسؤولية ثقيلة”. وأضاف العثماني في تصريحات على هامش اجتماع المجلس الوطني لحزب العدالة والتنمية بسلا قرب الرباط إن تعيينه “تشريف ومسؤولية ثقيلة في ظرفية سياسية دقيقة”، متابعا “الانتظارات كبيرة من الجميع ولذلك نحتاج إلى تفكير عميق. الآن نعقد اجتماع المجلس الوطني لكي نفكر جماعة”. واستطرد “ليس لديّ أيّ توجهات الآن.. لأن التعيين كان مفاجئا ولكلّ مفاجأة دهشة”. وعجز رئيس الوزراء المكلف السابق عبدالإله بن كيران على مدار خمسة أشهر عن التوصل إلى توليفة حكومية نتيجة مواقفه المتصلبة حيال بعض الأحزاب وفشله في التعامل مع شروط الأطراف المقابلة. وقال رضا الفلاح أستاذ القانون الدولي والعلاقات الدولية بجامعة ابن زهر في أغادير في حديث لـ“العرب”، “إن تعيين الملك محمد السادس لسعد الدين العثماني كرئيس للحكومة ينسجم كليا مع الدور الذي يخوله الدستور من أجل ضمان حسن سير المؤسسات واحترام الخيار الديمقراطي وشرعية صناديق الاقتراع”، مضيفا أن “هذه الخطوة وضعت حدّا لكل القراءات والتنبؤات غير السليمة دستوريا نصا وروحا”. ومعلوم أن حزب العدالة والتنمية هو صاحب الأغلبية في الانتخابات التشريعية الأخيرة بحصوله على (125 مقعدا)، بيد أن القانون الانتخابي لا يسمح بأن تكون هذه الأغلبية مطلقة وبالتالي فالحزب الفائز مضطر إلى تشكيل حكومة ائتلافية. واعتبر إسماعيل أزواغ الباحث في القانون الدستوري والعلوم السياسية بجامعة الرباط في تصريحات لـ“العرب” أن حسم الملك في اختياره لسعدالدين العثماني يتماشى مع معطيات تأخذ في الاعتبار وزنه السياسي وحجم مسؤوليته الحزبية ضمن تسلسل منطقي يتناغم مع البدائل المفترض أن تلقى تأييدا داخل هياكل الحزب، فالشخصية التي وقع عليها التكليف الملكي ليست بالهامشية بل لها تأثير خاص وحضور داخل تنظيمه السياسي”. ويترأس العثماني المجلس الوطني لحزب العدالة والتنمية بالإضافة إلى العضوية بالأمانة العامة وشغل في الفترة بين 2004 و2008 منصب الأمين العام للحزب. وعن مغزى اختيار هذه الشخصية، رغم أنه تم الاستغناء عنه في العام 2013 كوزيرا للخارجية والتعاون، أشار رضا الفلاح أنه ليس اعتباطيا وإنما يبرره ما يتمتع به هذا الأخير من بعد نظر وحسّ سياسي.ترجيحات بقدرة رئيس الحكومة المعين الجديد على تشكيل الأغلبية الحكومية دون أن يضحي بالضرورة بشروط حزبه وكانت الفترة الممتدة بين 10 أكتوبر 2016 تاريخ اختيار الملك محمد السادس لبن كيران وتكليفه برئاسة الحكومة ويوم 17 مارس تاريخ اختيار خلفه حبلى بالمناكفات وتبادل الاتهامات حول سبب تعطيل تشكيل الحكومة بين العدالة والتنمية وبعض الأحزاب المعنية. وحسب رضا الفلاح قد يستشف المتتبع للمراحل التي تمر بها الأزمة السياسية في المغرب أن أسباب الاحتقان ترجع بالدرجة الأولى إلى حسابات سياسية يغلب عليها منطق الغنيمة الحزبية على مبتغى الصالح العام. وعن أسباب تكليف الملك محمد السادس لسعدالدين العثماني قد يفسر في جانب منه بالنظر إلى شخصيته الهادئة وهي مخالفة حسب الباحث المغربي إسماعيل أزواغ تماما لشخصية بن كيران في أسلوبها وخطابها، كل هذه المعطيات تجعل منه بديلا جديرا بتدبير مرحلة ما بعد الانسداد الحكومي وتجاوز حالة الفراغ بخصوص تدبير المشاورات. وشدد رئيس الحكومة المكلف سعدالدين العثماني على أنه ليست هناك أيّ توجهات حاليا قبل بدء المشاورات وليست هناك أيّ فكرة واضحة، ولن تتضح إلا بعد انعقاد المجلس الوطني لحزب العدالة والتنمية. وفي هذا الإطار أكد أزواغ أن فعالية المشاورات التي سيطلقها سعدالدين العثماني تتوقف بدرجة كبيرة على مرجعيته في تدبير المفاوضات ومنطلقاته الأساسية، ففي الحالة التي سيتشبث فيها بنفس الشروط التي سطرها سابقه بن كيران عملا بمنهجيته التي لا تقبل تحالفا يضم حزب الاتحاد الاشتراكي فإن مساعيه لن تتكلل بتجاوز العثرات السابقة. وكان حزب الأحرار يراهن على مشاركة الاتحاد الاشتراكي كشرط لدخوله حكومة بن كيران، واعتبر إسماعيل أزواغ في تصريحاته لـ“العرب” أن ثني حزب التجمع الوطني للأحرار وإقناعه بعدم تمسكه بهذا الحزب كجزء من الأغلبية المقبلة لن يكون عملا سهلا. ويتوقع أكثر من مراقب أن تتم حلحلة مشكل الانسداد الحكومي بعد استبدال بن كيران بزميله في الحزب سعدالدين العثماني، وأي انفراج مرتقب سيكون حسب إسماعيل أزواغ مبنيا على معادلة أخرى تلجأ إلى إدخال تعديلات على هذا المستوى سواء عبر استيعابه من الحزب المتصدر أو دخول حزب التجمع الوطني للأحرار دونه، لكن منْ من الحزبين سيليّن من موقفه ليقدم تنازلا من هذا القبيل؟ وفي ذات الإطار يرجح رضا الفلاح أن يتمكن رئيس الحكومة المعين الجديد من تشكيل الأغلبية الحكومية دون أن يضحّي بشروط حزبه بل وقد يحصل من الطرف الآخر على تنازلات بفضل مقاربته الدبلوماسية واستبعاده للمنطق الصدامي. ونظرا للمناكفات القوية بين السياسيين المنتمين لجل الأحزاب المغربية في كلّ تلك الفترة الممتدة من أكتوبر إلى مارس الجاري فيخلص رضا الفلاح إلى أنه مازال على الفاعل الحزبي أن يثبت قدرته على التأثير في المشهد السياسي وقد ظهر عجزه عن تقديم الحل وعن صنع الحدث جليا من خلال تأخر انفراج الأزمة السياسية الراهنة. للمزيد: سعدالدين العثماني يقارب السياسة بهدوء الطبيب النفسي وتقية الفقيه
مشاركة :