الضغوط المتعلقة بالمظهر لم تعد تقتصر على البالغين بل انتقلت أيضا إلى الصغار الذين أصبحوا يبدون إشارات بالتعاسة في حال لم تكن هيئتهم وفق ما يريدون. وكشفت دراسة بريطانية أن الصغار يهتمون كثيرا بنظرة الآخرين لهم ويرغبون في الحصول على مظهر جميل تماشيا مع الثقافة العامة للمجتمعات والزخم الإعلامي الذي يركز على تقليعات الموضة ومعايير المظهر والجمال. وقال ثلث العاملين في الحضانات ومدارس بريطانيا، إنهم سمعوا الأطفال يصفون هيئتهم بالقبيحة أو المكروهة، وشاهدوا إشارات من أطفال تتراوح أعمارهم ما بين ثلاث وخمس سنوات تنمّ عن عدم رضاهم عن هيئاتهم وأجسادهم. وأشارت جاكلين هاردينغ، الخبيرة الإنكليزية في تنمية الطفولة، إلى أن الأطفال الصغار باتوا يحملون وجهات نظر حول هيئاتهم وأجسادهم حتى في سن مبكرة للغاية، مؤكدة أن التلفزيون والكتب والصور والرسوم المتحركة هي التي عكست اهتمام الصغار بمظهرهم، وشددت على ضرورة إجراء المزيد من الأبحاث حول هذا السلوك.الاهتمام بالشكل والمظهر من المواضيع التي أصبحت تحيط بالأطفال كل يوم في وسائل الإعلام وفي مواقع التواصل الاجتماعي، وتعكسها مواقف الآخرين في البيت والشارع والمدرسة ولا يبدو أن الأطفال في الأسر العربية بمنأى عن الصور النمطية للجمال والأناقة التي أصبحت تكتسح عالمهم الصغير وترسخ لديهم صورا ذهنية عن أنفسهم وعن الأشخاص المحيطين بهم. صحيفة “العرب” استطلعت آراء البعض من الأطفال في دول عربية لتعكس رؤيتهم لذواتهم ومدى محاكاتهم لخطوط الموضة، وتأثرهم بثقافة الجمال السائدة في بيئاتهم الاجتماعية. يقول الطفل التونسي محمد عزيز معشاوي البالغ من العمر 12 عاما “أحب أن أكون وسيما وأنيقا، وأفضل أن أختار ملابسي بنفسي وأرتدي مثل أصدقائي وفق الموضة التي تناسيني، وأمي في الغالب ترضخ لاختياراتي وتتركني على راحتي، ولكنها في بعض الأحيان ترفض شراء بعض الملابس التي تعجبني ولا تعجبها”. أما ابن بلده نديم طرايدية البالغ من العمر 14 عاما فيقول “أحب أن أكون دائما أنيقا ومواكبا للموضة، لأنني أشعر أن للمظهر الجميل تأثيرا في شخصية كل إنسان”. وأضاف قائلا “أنا شخصيا أشعر بسعادة غامرة عندما أرتدي الملابس التي اخترتها وفقا للموضة، لكن أمي لا تتركني أحيانا أرتدي ما أريد”. في حين يقول الطفل محمد غيث العيوني البالغ من العمر 12 عاما “مازلت صغيرا واهتماماتي موجهة لدراستي، ومواكبة الموضة أمر لا يعنيني، ولدي ثقة كبيرة في ما تختاره لي أمي لأن ذوقها جميل ولا تشتري لي إلا الأشياء الجميلة”. ولكن يبدو أن الرضع أيضا يميلون بشكل واضح إلى المظهر الجميل، فالصغيرة العراقية ريقة خالد التي لم تتجاوز الثلاث سنوات تفتح خزانة ملابسها يوميا وتختار منها ما تريد ارتداءه وفق ما صرّحت به أمها لـ”العرب”. ويرى الخبراء أن الاهتمام بالشكل والمظهر من المواضيع التي أصبحت تحيط بالأطفال كل يوم في وسائل الإعلام وفي مواقع التواصل الاجتماعي، وتعكسها مواقف الآخرين في البيت والشارع والمدرسة. وأشاروا إلى أن الإعلانات الدعائية لها تأثير كبير على عقول الصغار، وهي التي أصبحت تساهم في تكوين رؤية الأطفال عن أنفسهم. وقالت كارين فريزر، مديرة مؤسسة “كريدوس” البحثية البريطانية المتخصصة في مجال الدعاية والإعلان، “قلة الوعي نسبيا بين الآباء والمعلمين بالمشاكل المتعلقة بالصورة الذهنية للجسم لدى الأطفال وانعدام ثقافة حديث الأطفال عن شواغلهم، يولدان بيئة صعبة للأطفال لطلب الدعم”. وأضافت “يجب علينا أن نقر بأن الدعاية ووسائل الإعلام على النطاق الأوسع تلعبان دورا في الصورة التي يكونها الصغار عن أنفسهم سواء بالإيجاب أو السلب”. كما شدد علماء النفس على أهمية عدم التدخل المستمر في خيارات الطفل بمناسبة وبغير مناسبة، وحرمانه من ممارسة حقه في اختيار اللعب والكتب والملابس التي يريدها، لأن ذلك من شأنه أن يخلق لديه مشاكل ومنها الخجل وضعف الثقة بالنفس. وأثنوا على فكرة ترك الآباء الخيار لأطفالهم في بعض الأحيان لاقتناء ما يريدونه من ملابس لأن ذلك يعكس رؤيتهم الشخصية لذواتهم، كما أنه يعد خير وسيلة لتكوين تعابير جمالية وذوقية تنمي لديهم قدرات وصفات شخصية أفضل من أقرانهم الذين يتربون في بيئات تفرض عليهم خياراتها في كل شيء. كما أكدوا على ضرورة أن يحصل الأطفال على دروس في احترام الذات وتقدير المظهر منذ الطفولة، لأنّ عدم الرضا عن المظهر يعد أحد أهم أسباب المضايقات التي قد يتعرضون لها في المدرسة وفي المجتمع لاحقا والتي تفقدهم الثقة في النفس. وتمثل ظاهرة زرع الحب واحترام الذات من أهم الدروس التي تحرص المدارس البريطانية المتطورة على تعليمها للأطفال، إلا أنها تعتبر في أغلب البلدان العربية من آخر اهتمامات الأسر والمدرسين على حد سواء.
مشاركة :