الفرنكوفونية نعمة لا نقمة مستقبلية بين الدول بقلم: حميد زناز

  • 3/21/2017
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

الكثير من الشباب المغاربي يلجأ إلى اللغة الفرنسية ليكتب الرواية والشعر هروبا من العربية التي باتت مقدسة تشبه لغة الآخرة بسبب سياسة تعريب غير مدروسة.العرب حميد زناز [نُشر في 2017/03/21، العدد: 10578، ص(12)]الانفتاح على العالم لا أقصد بالفرنكوفونية ما كان يقصده أندري مالرو، الكاتب الشهير ووزير الثقافة الفرنسي في نهاية السبعينات من القرن الماضي، حينما قال إن “الفرنكوفونية ليست مجرد لغة، بل إنها حضارة قادرة على ضمان مستقبل العالم”. ولا أعطي للكلمة أيضا المعنى الذي يحبسها فيه الكاتب ووزير الثقافة الجزائري الأسبق محيي الدين عميمور حينما يريد تبرير رفض الجزائر الانضمام إلى المنظمة العالمية للفرانكفونية “منظمة الفرانكفونية هي منظمة تندرج في إطار الاستعمار الجديد، وفرنسا تستعمل الفرنسية لتحقيق مصالحها السياسية والاقتصادية”. هكذا يصرّح الدكتور لوكالة أنباء الأناضول وكأن هناك بلد في هذا العالم يريد تحقيق مصالح غيره السياسية والاقتصادية. ما أقصده بالفرنكفونية كنعمة في عنوان المقال هو وجوب الاستمرار في استفادة بلدان شمال أفريقيا الثلاث، المغرب وتونس والجزائر، من اللغة الفرنسية والثقافة الفرنسية من دون عقد ومن دون الرضوخ لأوهام القطاعات الأكثر تخلفا وانغلاقا في تلك البلدان، وأقصد غلاة الوطنيين والإسلاميين على وجه التحديد، أولئك الذين يرون الاستعمار الفرنسي في كل شيء وكأن فرنسا ليس لها شاغل آخر غير القضاء على اللغة العربية والهوية الوطنية في بلدانهم. كيف يمكن أن نتصور بأن فرنسا تريد القضاء على اللغة العربية في بلدان المغرب العربي وهي التي أدرجت اللغة العربية في برنامج التعليم الابتدائي بفرنسا ذاتها، وسيشرع في تدريسها ابتداء من السنة الدراسية القادمة. كثيرا ما يردد الخائفون على الهوية في هذا المجال مقولة أقل ما يقال عنها إنها فارغة المحتوى تلك القائلة بأنه “إذا أردت أن تقضي على هوية شعب فاقض على لغته”. ويقصدون اللغة العربية الكلاسيكية بطبيعة الحال ولا يهمهم أصلا مصير اللغات الأخرى التي يستعملها التوانسة والمغاربة والجزائريون في حياتهم اليومية، بل يعتبرونها مجرد لهجات لا تساوي الشيء الكثير أمام اللغة العربية، لغة القرآن. ولكن السؤال الغائب دوما هو: هل اللغة العربية التي يقدسون هي لغة شعوب شمال أفريقيا اليومية؟ لا تكون الإجابة بالإيجاب سوى إذا كنا نقصد اللغة الرسمية، المدونة، لغة الكتب. أما لغة الحياة والتعامل اليومي فهي العامية والفرنسية ومختلف اللغات الأمازيغية.التفاعل الحر مع الحداثة هو الطريقة المثلى لفرض حكم ديمقراطي ينتهج سياسة عقلانية متسامحة بعيدة عن الأهواء، كفيلة بتأهيل المنطقة من الخروج نهائيا من القابلية للاستعمار في جلسة مع الروائي الكبير الطاهر وطار (توفي سنة 2010)، قال لي مستغربا متحدثا عن الروائي الطاهر جاعوط (كان من أول المثقفين الجزائريين الذين اغتالتهم يد الإجرام الإسلاموي) “حينما سألته كيف يمكن أن تكتب بلغة أجنبية (اللغة الفرنسية) بعد أكثر من 30 سنة من استقلال الجزائر؟ أجابني بأنني أنا أيضا أكتب بلغة أجنبية (اللغة العربية)”. وقد تعجبت حينها من تعجب الروائي الطاهر وطار، ومازلت أتعجب من الذين يتهمون من يستعمل اللغة الفرنسية ويطالب بالانفتاح على الثقافة الفرنسية وغير الفرنسية بالولاء للاستعمار، ومن ينشد الحداثة والعلمانية بمعاداة الحضارة العربية الإسلامية. فهل يغني ويسمن من جوع التقوقع حول هوية صافية مزعومة، أم ينبغي تطعيمها بكل ما هو مبتكر مفيد؟ هل نعادي اللغة الفرنسية التي نملك ناصيتها في المغرب وتونس والجزائر والتي يمكننا أن نطل بواسطتها على العصر كما فعلنا حتى الآن، ونستفيد من التطورات العلمية والفنية واستغلال مختلف إعانات المنظمات الحكومية وغير الحكومية الفرنسية وخبراتها في مختلف المجالات بدعوى الخوف من هيمنة فرنسا واستعمارها الجديد؟ كم من كاتب مغربي وتونسي وجزائري كان سيبقى مغمورا لو لم يكتب وينشر باللغة الفرنسية ومن ثم يكتشفه العالم انطلاقا من ترجمته إلى لغات عالمية أخرى كثيرة وينقل أدب بلده إلى رحاب العالمية. وليس هذا فحسب بل نجد الكثير من الشباب المغاربي يلجأ إلى اللغة الفرنسية ليكتب الرواية والشعر والقصة وغيرها هروبا من العربية التي باتت مقدسة تشبه لغة الآخرة بسبب سياسة تعريب غير مدروسة لم تستطع الرقي بها إلى لغة تخاطب وتنمية وثقافة ودنيا. ومع تطور وسائل الاتصال والتكنولوجيا الحديثة لا أحد يستطيع منع الناس في الرباط أو الجزائر أو تونس من استعمال اللغة الفرنسية والاحتكاك بالثقافة الفرنسية بحكم التاريخ والمنفعة والجوار، وهذا لا يمنعهم بطبيعة الحال من التفاعل مع اللغات الأخرى وثقافاتها. وهذا التفاعل الحر مع الحداثة هو الطريقة المثلى لفرض حكم ديمقراطي ينتهج سياسة عقلانية براغماتية متسامحة بعيدة عن الأهواء والعواطف، كفيلة بتأهيل المنطقة من الخروج نهائيا من القابلية للاستعمار.

مشاركة :