بيان الرباعية بدا في إدانته للهجوم على الهلال النفطي غير منطقي وليس واقعيا ولا يسعى للحل، حين ساوى بين الجيش الشرعي بقيادة خليفة حفتر، وبين الميليشيات التابعة لقوى الإرهاب العالمية.العرب خالد عمر بن ققة [نُشر في 2017/03/22، العدد: 10579، ص(8)] كان من نتائج اجتماع الرباعية (جامعة الدول العربية والاتحاد الأوروبي والاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة)، السبت الماضي في القاهرة، التأكيد على سيادة واستقلال ليبيا وسلامة أراضيها ووحدتها الوطنية ومؤسساتها المنبثقة عن الاتفاق السياسي الليبي الموقّع بالصخيرات، ورفض وإدانة الهجوم على الهلال النفطي، وهي مطالب لا تتعدى الاستهلاك الخطابي، مكررة، ومصحوبة ـ كما رأينا خلال السنوات الخمس الماضية ـ بتمييع للمواقف عبر تعميم مقصود تتقاطع فيه المصالح الدولية، بل إنها أقل صوتا، وأكثر ضبابية من مطالب دول الجوار، التي تبدو عاجزة عن القيام بأيّ دور، ذلك لأن بعضها مستعجل على حل يحمي مصالحه الوطنية، وآخر يسعى لتحقيق إنجاز على الأرض يخدم الفريق الليبي التابع له، وثالث يخلط بين تجربته المحلية لجهة القبول بالإخوان في السلطة عنده، والقبول بهم كطرف فاعل، بل وضامن في ليبيا. لقد وقعت الرباعية في تناقض صارخ حين شدّدت في بيانها على الحاجة الملحّة إلى تسوية سلمية للوضع، ورفض التهديد أو استخدام الأطراف الليبية للقوة العسكرية، وكذلك أيّ تدخل عسكري أجنبي في ليبيا، فكيف يتم ذلك وكل المؤشرات والوقائع تبرهن كل يوم على أنّ الأزمة الليبية لن تحلّ سياسيا؟ وأنى للرباعية أن ترفض التهديد واستخدام القوة، وهي تشاهد ومعها العالم معارك على الأرض، تتسع مساحتها، وتكسب مزيدا من المؤيدين، وتحظى بدعم مادي ولوجستي ومعنوي محليا وعربيا ودوليا؟ وكيف للرباعية أن ترفض التدخل الأجنبي عسكريا، وهي تمثّل بعض أطرافه، وهنالك دول ظاهرة ودورها معلن من خلال القيام بعمليات عسكرية، أو بالدعم المالي والاستخباراتي للميليشيات المتقاتلة. واضح أن ما يهم دول العالم المتأثرة بالوضع الليبي بشكل مباشر أو غير مباشر، هو تطويق أعمال العنف والإرهاب، والحيلولة دون تزايد عدد اللاجئين المتجهين إلى أوروبا، أو تصدير الإرهاب للدول المجاورة، بغض النظر عن المصير السياسي والأمني والعسكري الذي ستؤول إليه ليبيا، وعلى هذا الأساس لا يلوح في الأفق القريب الوصول إلى حل، خاصة وأنّ معظم القوى الدولية تصرّ على دعم حكومة الوفاق الوطني ـ التي تمثل توافقا دوليا وتكرّسُ خلافا ليبيا حادا ـ باعتبارها الصيغة المقبولة دوليا، وربما لهذا السبب بدا بيان الرباعية في إدانته للهجوم على الهلال النفطي، غير منطقي وليس واقعياًّ ولا يسعى للحل، حين ساوى بين الجيش الشرعي بقيادة حفتر، وبين الميليشيات التابعة لقوى الإرهاب العالمية. هناك مسـألة أخرى في غاية الأهمية، وهي عدم إدانة أعمـال حكومة الوفاق الوطني من طـرف مارتن كوبلر الممثل الخـاص لسكرتير عـام الأمـم المتحـدة ورئيـس بعثـة الـدعم الأممية في ليبيا، خاصة الأعمال المعادية لإرادة المجتمع الدولي، من ذلـك تحالفها مع جماعات إرهابية أو تنظيمات دولية متهمة بالإرهاب أو مصنفة ضمنه، ما يعني أن حكومة فايز السراج هي أقرب إلى الأمم المتحدة، وأبعد عن الشعب، وبعبارة أكثر دقّة أن الأغلبية غير مؤيدة لها، بل رافضة لها، والدليل أنها تتحرك في مساحة ضيقة، وحتى تلك المساحة ليست لها عليها سيادة أو سلطة مطلقة. واضح أن النفط الليبي لاعب أساسي وتأثيره ظاهر في استمرارية الأزمة وتحوّلها إلى مأساة، والمجتمع الدولي يريد أن يستفيد منه، وربما لهذا السبب طالبت الرباعية “كافة الأطراف الليبية بالحفاظ على بنية ليبيا التحتية الاقتصادية والنفطية”، لكنها لم تسمِّ تلك الأطراف. فهل تقصد الأطراف الدَّاعمة لحكومة الوفاق الوطني أم الجماعات الإرهابية؟ أم تلك التي تحرّك القبائل والمناطق؟ أو الأخرى التابعة لدول أجنبية؟ أم المقصود الجيش الوطني الليبي؟ أم كل هذه الأطراف جميعها؟ والقول، كما جاء في بيان الرباعية، “بضرورة وجود مؤسسة وطنية للنفط موحدة ومؤهلة والسماح لها بالاضطلاع بكامل مسؤولياتها على كافة منشآت النفط في ليبيا، على اعتبار أنّ النفط ومعه كل الثروات القومية يجب أن تستخدم لصالح كافـة الليبيين ويجب أن تمرّ من خـلال الآليات الليبية الشرعية”، كلام عامّ، لا يفيد الليبيين في شيء، ولا يساعدهم على تغيير وضعهم. السؤال هنا: من يُسَيِّر المؤسسة النفطية الليبية؟ بالتأكيد النظام الذي يملك الشرعية، وهذه في كل دول العالم تدعهما المؤسسة العسكرية، وإذا سلّمنا بهذا فإنّ المجتمع الدولي يصبح مطالبا بدعم الجيش بقيادة خليفة حفتر إلى أن تصل البلاد لنوع من الاستقرار يتمّ بموجبه إجراء انتخابات تحت إشراف الجيش. العنف الذي يجتاح ليبيا لم يعد خطرا لأن الهجمات وصلت إلى منطقة الهلال النفطي كما ذكر بيان الرباعية، ولكنه أزمة حقيقية منذ أن قضى من خلال الجماعات الإرهابية والسياسية على كل مظاهر الدولة، وحول حياة معظم الليبيين إلى جحيم، لذلك لا يمكن وقفه إلا بإنشاء جيش وطني قوي، وبالطبع لن يتحقق ذلك من خلال مطالبة أحمد أبو الغيط الأمين العام للجامعة العربية، وجاكايا كيكوتي الممثل الأعلى للاتحاد الأفريقي إلى ليبيا، وفريدريكا موغريني الممثلة العليا للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية، ومارتن كوبلر رئيس بعثة الدعم الأممية إلى ليبيا، ولا حتى بتأكيد فايز السراج رئيس حكومة الوفاق على أنه لن يحكم ليبيا عسكري في إشارة لحفتر. العمل من أجل قيام جيش قوي في ليبيا مطلب دولي، لكن حسب مارتن كوبلر “لا بد أن يكون موحدا ومجهّزا بالقوة والسلاح لفرض الأمن والاستقرار، وأن قرار رفع الحظر المفروض على السلاح للجيش الليبي سيتخذ عندما يكون هناك جيش واحد ووحدات عسكرية تابعة له، مثل: الحرس الجمهوري في العاصمة طرابلس”. لاشك أن الجيش الليبي بقيادة حفتر يمثّل واقعا على الأرض على المجتمع الدولي دعمه، خاصة وأنّه يحظى برضا روسيا، وأيضا برضا الولايات المتحدة تحت إدارة دونالد ترامب، حسب ما جاء في تصريح لمستشار السياسة الخارجية الأميركية وليد فارس لقناة “ليبيا الحدث”، نصّه “إن إدارة الرئيس ترامب ستدعم الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر والبرلمان المنتخب. فهذا الجيش هو المعترف به رسمياّ من الإدارة، على الرغم من الخلافات السياسية العالمية، ووجود مشاريع لإنشاء جيوش أخرى”. كاتب وصحافي جزائريخالد عمر بن ققة
مشاركة :