كشف فريق يتنازع على قيادة جماعة «الإخوان المسلمين» أمس، عن مراجعات وجملة تقييمات أجراها على مسار الجماعة خلال الفترة الماضية. ولم تفصح المراجعات عن سياسات مستقبلية جديدة سينتهجها هذا الفريق المحسوب على القيادي السابق في «الإخوان» محمد كمال، والذي قتل في تبادل لإطلاق النار مع الشرطة العام الماضي، سواء على الصعيد الداخلي للتنظيم، أو علاقته بالدولة، كما لم «ينبس ببنت شفة» حيال خروج حركات مسلحة من كنفه، واتهامات السلطة للجماعة عموماً وهذا الفريق خصوصاً بـ «التحول إلى العنف والإرهاب». لكن لوحظ التركيز على تزكية الفترة التي عاشتها الجماعة في كنف مؤسسها حسن البنا (عشرينات القرن الماضي)، والتي وصفها أصحاب المراجعات بـ «الثورية»، قبل أن يكتفوا بانتقاد سياسات خلفاء البنا والمحسوبين على «التيار القطبي» (نسبة إلى سيد قطب) «الذين حولوا الإخوان إلى جماعة إصلاحية فارتضوا تحجيم نشاط الجماعة من قبل الأنظمة المتعاقبة، وعدم السعي إلى رفع سقف العمل السياسي أو تجاوزه، والرضاء بأن تصبح الجماعة ملفاً أمنياً وعدم السعي إلى نقله ليكون ملفاً سياسياً، فتستطيع المنافسة على السلطة أو العمل كمعارضة قوية وغياب مشروع سياسي متكامل للتغيير وإدارة الدولة، وعدم العمل على تأهيل كوادر الجماعة لتصبح قادرة على إدارة السلطة عندما تحين الفرصة». وتضمنت المراجعات، التي حصلت «الحياة» على نسخة منها، وحملت عنوان: «تقييمات ما قبل الرؤية... إطلالة على الماضي»، أربعة محاور رئيسة هي: غياب ترتيب الأولويات في العمل العام وأثر ذلك على الثورة، والعلاقة مع الثورة، والعلاقة مع الدولة، والممارسة الحزبية لجماعة «الإخوان المسلمين». وكان لافتاً أن تلك المراجعات أبرزت علاقة ملتبسة بالمؤسسات السيادية لا سيما العسكرية، فانتقدت بشدة قبول شيوخ «الإخوان» بـ «رفض السلطات تعيين أعضاء الجماعة في تلك المؤسسات وعدم تصعيد الأمر داخلياً ودولياً». وأشار إلى أن الجماعة «لم تنتبه إلى أنهم في يوم من الأيام ربما يتصدرون المشهد السياسي في مصر، فتم التغييب العمْدي لحركة الكتابة والبحث الأكاديمي وربما النقاش، مع عدم السعي في توجيه المكاسب التي حققتها لحيازة منصب حكومي سياسي مؤثر، فكانت الانتخابات البرلمانية تنطلق من منطلق اجتماعي، غرضه توسيع أطر التعامل مع المجتمع، وإيجاد غطاء سياسي مناسب للتعامل مع المجتمع، ولم تكن التحالفات تُنسج من أجل الوصول لمنصب وزاري أو سياسي وربما محلي أيضاً، حتى في انتخابات (برلمان) العام 2005 التي مثلت فرصة مواتية، قدم الإخوان التطمينات للسلطة الحاكمة، التي تضمن عدم تجاوزهم لنسبة الثلث الضامن الذي يستطيع تحريك المسؤولية البرلمانية تجاه الحكومة، وربما الحصول على بعض المكتسبات السياسية الكبرى». كما أخذت المراجعات على الجماعة «التعاون مع المجلس العسكري الحاكم خلال الفترة التي أعقبت ثورة كانون الثاني (يناير) العام 2011»، والتي شهدت، وفقاً لتلك المراجعات، تضارباً بين «شيوخ الجماعة والعناصر الثورية». وأشارت إلى أن الجماعة والقوى السياسية الأخرى «انشغلت عقب الثورة بمعارك جانبية هامشية ليست من خيارات الثورة، وعدم الانتباه لخطورة انفراد المجلس العسكري بوضع الأسس والأطر الحاكمة للمرحلة الانتقالية... وكان الأولى التفرغ لوضع إطار جامع لقضايا الثورة الكبرى التي يجب الحشد على أساسها، وعلى رأسها إخراج الجيش من مساحة السياسة». وأوضحت المراجعات أن التصورات الفكرية للثورة «كانت موجودة في فكر الإخوان الأصيل، لكنها أوقفت أو استبعدت في الفترة التالية للإمام البنا (مؤسس الجماعة)، وسار على ذلك التنظيم طوال فترة حكم مبارك حتى اندلعت الثورة... وساهم في شكل كبير في عدم انتصار حالة الثورة داخل الجماعة على حالة الإصلاح المتدرج، المبالغة الشديدة لدى الجماعة في الحفاظ على التنظيم... وبعدما قامت الثورة كانت ردود أفعال الإخوان تسعى إلى وضع سياق تنظيمي يترجم حالة الثورة لإجراءات، وهذا ما يتنافى مع فكرة الثورة المتدفقة المتفاعلة الحاسمة». وانتقدت «عدم تصعيد عناصر الثورة داخل صفوف الإخوان، لمصلحة الأعضاء التنظيميين»، كما لامت عدم «الفصل بين الجماعة ككيان تنظيمي دعوي، وحزبها الحرية والعدالة (المنحل) والذي أُسس عقب الثورة المصرية»، ورأت أن الجماعة «لم تكن قادرة على إدارة ملفات الدولة عندما تسلمت السلطة سواء بسبب غياب العناصر المؤهلة وعدم قدرتها على الدخول في تحالفات مع قوى سياسية أخرى». وأشارت إلى أنه كان من الواجب التعاون مع القوى والجماعات السياسية المخالفة للجماعة «على الأقل في الجزء المشترك، والإبداع في تنفيذ ذلك والاستفادة منه»، ولم تتطرق المراجعات إلى مسار الجماعة في أعقاب عزل الرئيس السابق محمد مرسي، وإن كانت لفتت إلى أن «ضعف أداء الإخوان ورضاهم بهيمنة المؤسسة العسكرية» أدى بالتبعية إلى ما أسمته بـ «الانقلاب العسكري». لكن تلك المراجعات فتحت الحديث مجدداً حول الصراع الذي يدور رحاه للهيمنة على صناعة القرار داخل التنظيم بين فريق كمال والمحسوب على جيل الوسط والشباب، في مواجهة جيل الشيوخ الذي يقوده القائم بأعمال مرشد الجماعة محمود عزت الذي نفى في بيان «أن تكون أي من مؤسسات الجماعة أصدرت أي أوراق في شأن مراجعات أو تقييم لأحداث»، مؤكداً «عدم صلتها (الجماعة) بما صدر عن البعض (المراجعات)». وبينما أشاد الباحث في شؤون جماعة «الإخوان» أحمد بان بتحرك فريق كمال باتجاه إصدار مراجعات، قال: «إنها خطوة متقدمة لكنها ليست كافية... خطوة شجاعة لكنها خجولة». وأوضح لـ «الحياة»: «هذا الفريق حاول الإمساك بالعصا من المنتصف فلم يحمل أطرافاً بعينها المسؤولية عما وصلت إليه حال الجماعة». وأضاف بان الذي كان عضواً في جماعة الإخوان قبل أن ينشق عنها: «كما لم تتعرض المراجعات إلى نقد الأدبيات الرئيسية في فكر الإخوان: كفكرة الشمولية، بالإضافة إلى علاقتها بالعنف المسلح، لا سيما أن هذا الفريق تورط في شكل مباشر في عمليات مسلحة جرت في مصر خلال السنوات الثلاث الماضية... كما وكأنه يغسل يده مما جرى عبر التجاهل». ورأى أن المراجعة «لم تصل إلى مستوى إحداث تغيير في علاقة الجماعة بالدولة... هي أقرب إلى المناورة لإحداث اختراق في الرفض الشعبي للجماعة»، مشيراً إلى أنه يجب النظر إلى تلك المراجعة أيضاً في إطار الصراع الدائر على الزعامة داخل الإخوان... وهذا الصراع لم يُحسم».
مشاركة :