تثير الأنباء المتواترة بشأن تسمية صلاح عبدالحق كقائم بأعمال المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين، خلفًا للراحل إبراهيم منير، حفيظة الشباب الذين يدفعون نحو تعيين حلمي الجزار، وهو ما قد يقود إلى انقسام جديد. القاهرة - لم تعد جبهة لندن تتمتع بما تميزت به في السابق عن جبهة إسطنبول داخل جماعة الإخوان المصرية، سواء من حيث التماسك بين مكوناتها أو وجود شخصية قيادية وازنة وقادرة على فرض رؤيتها على الجميع. وانشطرت جبهة إسطنبول إلى قسمين، وخرج تيار الكماليين منها، والذي يُنسب إلى مؤسس اللجان النوعية المسلحة محمد كمال، ليكون جبهة داخل الجبهة بخط فكري وسياسي مختلف، وهو ما ظهرت مؤشرات لتكراره في لندن قبل أيام، ما يعني فرضية انقسام الجماعة إلى أربع جبهات. ولم يشفع لجبهة لندن وجود قيادات كبيرة وازنة مثل يوسف ندا ومحيي الدين الزايط وحلمي الجزار وغالب همت ومحمد البحيري وغيرهم، ولم يَحُل دعم القيادات التاريخية وقيادات السجون في مصر لها دون أن تنزلق إلى منحدر الانقسامات، وزادت حدة الخلافات داخل جبهة لندن وخرجت إلى العلن بعد تسرب أنباء تتعلق بتسمية صلاح عبدالحق كقائم بأعمال المرشد خلفًا للراحل إبراهيم منير. وتدخل الرسالة التي بعث بها شباب محسوبون على جبهة لندن إلى صلاح عبدالحق في نطاق التخطيط للانفصال بجبهة رابعة مستقلة، وفي أحسن الأحوال هي محاولة لوضع العصا في عجلة اختيار عبدالحق وعرقلته عن أداء مهامه الجديدة لحساب قادة آخرين منافسين له، وتضمنت الرسالة مطالبات خارج قدرة عبدالحق بالنظر إلى محدوديته التنظيمية والإدارية وعقله التقليدي غير المعتاد على طرح حلول ومبادرات خارج الصندوق. بوادر الانشقاق في جبهة لندن تضاعف النقمة الشبابية على القيادات وتعزز حضور الخط التكفيري القطبي العنيف وبدا من طبيعة المطالب أنها أقرب ما تكون إلى أفكار الإصلاح الهيكلي التي طرحها في السابق حلمي الجزار لإعادة هيكلة الجماعة ببرنامج واضح عن طريق الانتخابات وتفعيل المحاسبة والعمل الجماعي، وأن البعض من الشباب يعلنون قناعة مفادها أن الجزار يستحق المنصب بدلا من عبدالحق. وراهن قطاع في تيار الشباب داخل جبهة لندن، الناقم على سياسات قيادات التنظيم، على صعود حلمي الجزار ليحقق تطلعاته نظرًا إلى برنامجه الإصلاحي الذي تحدث عن تفصيلاته في مناسبات عديدة، علاوة على ما يتمتع به الجزار من نفوذ واسع داخل قطاعات الشباب في الجماعة. وعقد الجزار، الذي يُعد أحد أبرز جيل السبعينات داخل الجماعة وأحد أهم الكوادر الطلابية السابقة، آماله على التيار الشبابي الداعم له لحسم المنصب لصالحه بعد أن خرج أغلب المتنافسين من الحلبة ولم يتبقَ فيها إلا هو وصلاح عبدالحق. وأظهر الجانب الآخر من المطالب المتعلقة بطريقة التعاطي مع النظام المصري رغبة في حشر صلاح عبدالحق في الزاوية؛ فمن المفترض أن يتريث قبل الإعلان عن خططه بعد فشل حشد الشارع والمشاركة في الحوار الوطني بالقاهرة، وضرورة الحذر في التصريحات وإعلان المواقف عقب التحولات الإقليمية ومحاولات تركيا للتقارب مع مصر. وأراد شباب جبهة لندن فرض المسار الثوري العنيف ضد النظام المصري على القائم الجديد بأعمال المرشد، حيث طالبوا بإخراج المعتقلين من السجون وتكوين فريق مخابرات لحماية القيادات ومراقبة أفعال النظام المصري ومحاصرته في الداخل والخارج. هناك تخوف يسود أوساط شباب التنظيم من سيناريوهات التضحية بهم مع التحولات الإقليمية الجارية وتتماهى هذه الرؤية مع تصورات التيار الكمالي الذي أسسه محمد كمال الذي قُتل خلال مواجهة مسلحة مع الشرطة المصرية في أكتوبر 2016، وتتعلق برغبة الشباب في أن يكون لهم دور أكبر في الهيكل القيادي للتنظيم تحت زعم أن القيادات الحالية حادت عن تعاليم مؤسسي الجماعة ولا بد أن تتّخذ مسارًا مغايرًا بجهود جيل قيادي جديد. وتبنّي الأساليب الأكثر حدة وعنفًا في التعاطي مع النظام المصري ليس نابعًا من تصنيفات منهجية وحركية، فصلاح عبدالحق المرفوض من الشباب محسوب على التوجه القطبي وكان من ضمن تنظيم 1965 المعروف بتخطيطه للاغتيالات وأعمال العنف في الستينات من القرن الماضي، في حين يُحسب القيادي حلمي الجزار على ما يسمى بـ”جناح الحمائم” داخل الجماعة ويميل إلى الحوار والخط التصالحي. ويرجع الحديث عن تبني النهج الثوري العنيف إلى هواجس عدم منح الشباب مناصب قيادية، وهو ما اضطر الكثير منهم إلى الانضمام لتيار الكماليين الذي يتهم كل قيادات الإخوان بالعجز حيال أزمة الجماعة، منتقدًا ممارسات الجبهتين المتنازعتين، وداعيًا إلى إسناد الأدوار القيادية للشباب. وتضاعف بوادر الانشقاق في جبهة لندن النقمة الشبابية على القيادات وتعزز حضور الخط التكفيري القطبي العنيف، وتجعل التوافق بين الجبهات المتنافسة وتماسك كل جبهة على حدة أمرًا مستحيلًا. وعرقل وجود تيار التغيير (الكماليون) الذي يمتاز بخطابه الثوري العنيف في السابق خطط محمود حسين الرامية إلى خلافة إبراهيم منير، ما أفشل محاولات لملمة شتات التنظيم الدولي للجماعة لتوحيدها تحت قيادة جديدة. لن يتوقف الانقسام عند تشكيل جبهات متمردة جديدة في ظل فشل محاولات المصالحة بين طرفي الإخوان المتنازعين وسعت جبهة لندن للاحتفاظ بالمنصب مستندة إلى ما أنجزه إبراهيم منير قبل وفاته مؤخرا، حيث ساعد في التئام جسد جبهته، لكن سرعان ما دب الارتباك وظهرت بوادر الصراعات والانشقاقات عقب وفاة منير المفاجئة. وكان المخطط له أن تندمج جبهتا إسطنبول ولندن بعد وفاة منير لإنهاء الخلافات تحت قيادة محمود حسين أو حلمي الجزار وفقًا لتسوية تشمل توزيع المناصب واقتسام الثروة ومقدرات الجماعة المالية. ما حدث عكس ذلك، فالجماعة انقسمت إلى ثلاث جبهات مع الإعلان عن تيار التغيير في إسطنبول، وها هي تظهر بوادر جبهة رابعة في لندن تحمل الكثير من سمات الكماليين. ونجمت عن الجبهتين المتنازعتين جبهتان أخريان تعبران عن أفكار وتوجهات شباب الجماعة، كلتاهما تتميز بالخطاب العنيف واتخاذ الإرهاب طريقًا للتغيير وفرض وجود الجماعة بالقوة. وما يعزز فرضية استمرار توالد الجبهات المحسوبة على التيار القطبي، التي تتبنى التغيير بالقوة وتؤمن بالحلول الثورية، غموض مصير البرامج والخطط الأخرى وعدم واقعيتها، مثل تلك الداعية إلى تحول الجماعة لتيار عام في المجتمع وإلغاء التنظيم بمفهومه المتعارف عليه. ويعود لجوء شباب جبهة لندن إلى استنساخ أفكار وتوجهات تيار الكماليين بإسطنبول إلى تخبط قيادات الحرس القديم داخل الجبهتين الرئيسيتين وعجزه عن حماية شباب الجماعة ووضع حل لأزمتهم. بوادر الانشقاق في جبهة لندن تضاعف النقمة الشبابية على القيادات وتعزز حضور الخط التكفيري القطبي العنيف ورفض قادة الجماعة دعوات بعض شباب الجماعة لإجراء مصالحة شاملة مع النظام المصري بهدف إخراجهم من السجون وحل أزمتهم بعيدًا عن صراعات القيادات، وقال منير وقتها ردًا على هؤلاء الشباب إن “التنظيم لم يطلب منهم الانضام إلى صفوفه، ومن أراد منهم أن يتبرأ ويتراجع فليفعل”. وهناك تخوف يسود أوساط شباب التنظيم من سيناريوهات التضحية بهم مع التحولات الإقليمية الجارية، خاصة أنه قد سبق تسليم بعضهم ممن صدرت بحقهم أحكام قضائية إلى الجهات الأمنية في مصر. ويبدو أن سيناريو التمرد الشبابي بجماعة الإخوان لن يتوقف، والذي بدأ في تركيا عام 2019 عقب ترحيل الشاب محمد عبدالحفيظ المحكوم عليه بالإعدام في قضية استهداف النائب العام المصري الأسبق، حيث لا تملك قيادات الإخوان أطروحة سياسية أو حلولًا متماسكة تتقدم بها إلى الأمام. كما أن فشلَ الاعتماد على حضّ بعض المذيعين، المحسوبين على الإخوان، على الحشد الجماهيري مرات عديدة وإخفاق دعوات قادة الإخوان للحوار مع القاهرة يقودان الشباب إلى الانضواء في تكتلات تتبنى الخط الأكثر عنفًا. ويزيد تكرار الفشل في التسلل إلى الحوار الوطني الذي دعا إليه الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي والعجز عن ارتداء ثوب المعارضة الوطنية وعدم الاستجابة لدعوات المصالحة وعودة قيادات الجماعة إلى الوطن، من فرص تشظي التنظيم وانقسامه إلى جبهات يائسة تتبنى التكفير والعنف. ولن يتوقف الانقسام عند تشكيل جبهات متمردة جديدة في ظل فشل محاولات المصالحة بين طرفي الإخوان المتنازعين، وعدم اقتناع الشباب بقدرة أي قيادي في الحرس القديم على حل أزمات الجماعة المستعصية.
مشاركة :