قد تكون الحواجز ونقاط التفتيش شيئاً غير مألوف لمعظم مواطني البلاد العربية، وربما هذا هو الأمر الطبيعي. لكن ما كان مستغرباً جداً قبل بضعة أعوام أصبح أمراً شائعاً للغاية في عدة بلاد عربية، لا سيما التي مرت بتجربة الربيع العربي الذي استمر لأعوام وتحول لنزاعات مستمرة وحروب، لعل أهمها وأشهرها الحرب السورية.كيف ظهرت الحواجز العسكرية؟ كأي دولة لا حرب فيها، تمكن السوريون قبل عام 2011 من التنقل بحرية تامة على أراضي البلاد. فمجرد امتلاككم وسائل النقل أو أجرتها يمكنكم من السفر من درعا أقصى الجنوب حتى اللاذقية في أقصى الشمال الغربي، ومن ثم إلى الحسكة في أقصى الشرق دون عراقيل أو إيقاف أو تفتيش. تغيرت الأمور لاحقاً بطبيعة الحال، لكن بشكل تدريجي. فحتى مع بداية المظاهرات في ربيع عام 2011 وتنامي العنف تدريجياً في مناطق سوريا المختلفة، بقي التنقل سهلاً إلى حد بعيد في الكثير من المناطق وداخل المدن نفسها. لكن سرعان ما تغيرت الأمور مع تصاعد وتيرة المعارك، وتحولت الساحة إلى حرب بالمعنى الكامل. ومع أواخر عام 2012، بدأت الحواجز العسكرية ونقاط التفتيش المتنوعة بالظهور والتكاثر بشكل مضطرد. فبعد أن بدأت كنقاط مؤقتة على مداخل المدن والبلدات، تحولت إلى حواجز دائمة في أماكن متعددة وحتى في قلب العاصمة دمشق، التي لم تعانِ، كمدينة، من أي صراعات حقيقية على السيطرة كما حصل في حمص أو حلب كونها لم تخرج منذ البداية عن سيطرة قوات النظام السوري. لم تقل أو تتقلص هذه الحواجز، بل استمرت بالتزايد بشكل مستمر حتى في أكثر الأماكن ازدحاماً، مسببة بالنتيجة اختناقات مرورية كبرى في أماكن تعاني من هذه الظاهرة أصلاً. فكيف تغير هذه الحواجز حياتك؟الخوف من التغيير المفاجئ لولاء المنطقة وحواجزها عدد كبير من السوريين اليوم محسوبون على طرف أو آخر من الأطراف المتقاتلة، أو على الأقل يفضلون العيش ضمن مناطق سيطرة أحدها على الآخرين. فالمطلوبين من قبل النظام مثلاً سيفضلون البقاء في مناطق سيطرة الفصائل المعارضة، فيما يشكل الخوف من المتطرفين الإسلاميين هاجساً لمعظم الأقليات الدينية في سوريا مُجبرة إياهم على البقاء في مناطق سيطرة النظام. هذا التوزع يجعل الكثير من السوريين قلقين من المرور بأي حاجز غير معروف التوجه بعد. فبالنسبة للمطلوبين، يعني المرور على حواجز النظام اعتقالهم واختفاءهم القسري غالباً.أقوال جاهزة شاركغردالالتزام بالمواعيد بوجود الحواجز مستحيل، ووقت الانتظار يحدده الوضع الأمني أوطقس أو حتى مزاج الجندي شاركغردكيف تغير الحواجز الأمنية حياتك في العاصمة السورية؟ فيما لا تُعرف عواقب المرور على أي حواجز غير تابعة للنظام. فبينما قد يمر الأمر دون عثرات أحيانًا، قد يكون الخطف أو القتل أو الاختفاء القسري المصير المنتظر. وبشكل عام، يخاف جميع السوريين من المرور على حاجز تابع للدولة الإسلامية، التي نادرًا ما تظهر داخل المدن، وتنحصر في المناطق الخاضعة لسيطرة التنظيم. فخيال الفيديو الشهير حيث يختبر عناصر التنظيم المارّين في تعاليم الإسلام وعدد الركعات في كل صلاة يبقى شبحاً يطارد المخيلة، مجبراً إياهم على النظر بتوجس من النافذة أو الزجاج الأمامي إلى أي حاجز أمامهم لتبين توجهه ولون أعلامه والجهة التابع لها.ستتعلم أن تبتسم دائمًا حتى في أحلك الظروف سواء كنت تشعر بالضيق بسبب الحر، أو البرد، أو بسبب تأخرك عن موعد مهم أو حتى بسبب فقدانك لأحد الأصدقاء أو الأقارب، فمكان مشاعرك هذه هو أي مكان عدا الحاجز. فهناك أنت تحتاج إلى أن تبتسم بشكل طفيف دائماً وتتلو سلسلة طويلة من دعوات التوفيق والنصر عند الحاجة ودون تردد. قلة تعاطف الحواجز المختلفة مع معالم الحزن تتعدد أسبابها بين كون الشخص المسؤول عن تفتيشك يعاني من الضيق بدوره أو كونه متعباً من ساعات عدة في الشمس أو تحت المطر. وقد تصل إلى كونه يعتبر نفسه ببساطة المخلص الأساسي لك كونه يحميك من الجماعات الأخرى، وأي ردة فعل مختلفة عن السعادة لوجوده ستعتبر إهانة قد تتسبب لك ببعض المشاكل أو المضايقات.ستراجع كلمة وكل "لايك" على فيسبوك كلما ازداد الازدحام ووقت الانتظار ازداد التوتر بدوره، ومهما كنت مطمئناً تجاه عناصر الحاجز الذي تنتظر المرور عبره، فستجد نفسك في كل مرة تفكر بأسوأ السيناريوهات ويخطر ببالك كل شيء من الممكن أن يؤدي إلى اعتقالك من الجهة المسيطرة على الحاجز. مراجعتك لقراراتك ستتضمن كل شيء فعلته أو فعله أحد أقربائك خلال الأعوام الماضية، وكل رأي أدليت به وكان مخالفاً لتوجهات الجماعة المسيطرة وحتى كل منشور قررت وضعه على حسابات التواصل الاجتماعي وكل إعجاب أو تعليق وضعته على مقال أو منشور قد لا يلاقي الرضا تمامًا ويتسبب بتحويلك إلى مطلوب لتلك الجهة.أكمل القراءة مواعيدك إنجليزية؟ ليس بعد الآن المواعيد الدقيقة أمر ضروري في الأعمال وحتى في الحياة الشخصية للكثير من الأشخاص، فأي شخص مشغول كفاية أو لا يمتلك الكثير من الصبر لن يكون سعيداً بالتأخر عن مواعيده أو تأخر أحدهم بالظهور لملاقاته أو مقابلته. ستجعل الحواجز الوصول في الوقت المحدد أمراً شبه مستحيل، فحتى مع أخذك بالحسبان الازدحام والوقت المعتاد للمرور عن كل حاجز، فالأمر ليس بالسهل مع كون وقت الانتظار يتغير كل يوم وفق الوضع الأمني أو حالة الطقس أو حتى مزاج الجندي المسؤول عن التفتيش ومدى إرهاقه. حيث ستجد نفسك إما مبكراً أو متأخراً على مواعيدك والحالة الأسوأ هي أن تتأخر عن عملك مع وجود مدير غير متفهم تماماً لظروفك.رياضة المشي صديقك المفضل إن كنت تستخدم النقل العام لعدم امتلاكك عربة أو عدم رغبتك باستخدامها، فالسير سيكون دائماً صديقك المفضل خصوصاً للمسافات القريبة. الانتقال بحافلات النقل الداخلي بين منطقتي "جسر الرئيس" و"باب توما" في دمشق قد يمتد لأكثر من ساعة، فيما يمكن قطع المسافة سيراً على الأقدام بنصف الوقت عادةً. السير سيساعدك كذلك في اختصار وقت الانتظار بشكل كبير، فبدلاً من البقاء في الحافلة التي تستقلها مع وجود عشرات السيارات أمامك وحركتها ببطءٍ كبير، من الممكن السير حتى مسافة قريبة من الحاجز أو تالية له حتى ركوب وسيلة نقل أخرى هناك توفر عليك الانتظار الطويل في الزحام.بطاقتك وورقة تأجيل العسكرية أهم من ملابسك غياب البطاقة الشخصية أو فقدانها ومثلها بطاقة تأجيل الخدمة الإلزامية، في حال كنت شاباً تعيش في مناطق سيطرة النظام السوري، أمور قد تتسبب بمضايقات كبيرة تتراوح بين انتظار قد يمتد لساعات أو حتى احتجاز لأيام بينما يتم التأكد من هويتك. وبينما يكون تجاهل أحد الحواجز للتفتيش المطول والتحقق من البطاقات الشخصية إيجابياً عادة لتوفير الوقت، ففقدان البطاقة الشخصية يجعل هذا الشيء سيئاً للغاية. ففي أفضل الأحوال ستكون مضطراً للعودة إلى منزلك للبحث عن البطاقة، وكلما طالت المسافة زادت العثرات على طريقك للوصول إلى عملك أو مواعيدك الهامة. على أي حال، تبقى الحواجز العسكرية عاملاً مؤثراً على حياة المدنيين بشكل كبير، وخصوصاً أولئك المقيمين في أحياء تبعد ولو قليلاً عن أماكن عملهم. فالوصول من بلدة جديدة عرطوز، جنوب غرب العاصمة دمشق، إلى حي المزة وهو ما كان يستغرق بضعة دقائق فقط بالعربة بات يحتاج إلى وقت قد يمتد لساعات. السبب هو انتشار 5 حواجز عسكرية على الطريق الواصل بين المنطقتين، بعضها لا يبعد عن الآخر سوى مئات من الأمتار فقط.اقرأ أيضاًعن يومٍ في حمصإذا أردت التهرب من خدمة الجيش في سوريا عليك بهذه الحيلحياة التاكسي في دمشق... حنين إلى زمن "أبوجانتي" علي وديع حسن كاتب سوري، مهتم بالسياسة والاقتصاد ومتابع للدوريات العلمية. كلمات مفتاحية دمشق سوريا التعليقات
مشاركة :