أنانية هي ما يسير حياة مجتمعنا النرجسي المنغمس في ذاته المهمل لغيره الغير آبه بنتائج أفعاله. أرجو أن لا يفهمني أحد خطأ فعبارتي الأولى ليست نتيجة فورة غضب أو لحظة يأس كما تعودنا دائما أن تكون آراؤنا. ولكن طول بالك علي وأعدك أن أقنعك بوجهة نظري مع نهاية المقال. يجب أن نعي جيدا ماهي الرسائل الضمنية التي تصل لـ العقل الباطن لدى فرد المجتمع عندما تعرف له الأشياء على وزن أنا و انت, نحن و هم, لنا و لهم اذا ما صيغت من خلال التضاد مع الطرف الآخر, أو في أهون الأمور من خلال عدم الاهتمام بذلك الطرف. الأسلوب الأسري والاجتماعي طالما تعاطى مع تطلعاته من الفرد من منظور الحصول على السبق في أي مجال قبل الطرف الآخر مع غض الطرف ولو قليلا عن التحريص على نزاهة الوسيلة مما أنتج عنه سباق محموم على كل شيء وهنا يقع الفرد في عدة مشاكل. أولا, ستصبح الغاية تبرر الوسيلة, فعندما لا يكترث المجتمع إلا بالنتيجة فتوقع أن يطلق الفرد الإنسان البدائي بداخله كي يحصل على ما يريد في أسرع وقت وبأقصر الطرق. ثانيا, سيصبح من ينافس الفرد على ذلك الهدف هو خصم وعدو قد يشجع المجتمع أحيانا بعض اللكمات الموجهة ضده ما دام أنه منهم. ثالثا, بما أن الهدف كافي لإرضاء المجتمع والذات فما يترتب على تحقيق ذلك الهدف من عواقب ليس بالضرورة محل اهتمام سواء الفرد أو المجتمع. أيضا المدرسة الدينية التي تدير المجتمع (أو غالبية المجتمع) رسخت في ذات الفرد أن كل ما لا يشبهنا لا يهمنا, وهذه رسالة خطيرة جدا تتعدى مجرد حدود من يؤمن بذلك الدين ومن لا يؤمن إلى صناعة صورة قياسية لمن نهتم لهم ومن لا نهتم لهم, ومع مرور الزمن تضيق حدود تلك الشخصية القياسية وتتعدد إلى أن يصبح لكل منا صورة قياسية معينة تعرف لنا نحن و هم وبناء عليها يتم التعامل مع بقية أفراد المجتمع (سواء المحلي أو العالمي). لوضع الكلام أعلاه في صورة أوضح لنبدأ مثلا بالخطاب الديني الذي قسم الناس كلهم إلى فسطاطين, مسلم وكافر, صديق وعدو. هذا التقسيم على بساطته إلا أننا رأينا كيف تشرذم إلى أن أصبح الكفار ممن يدينون بديننا لم يعودوا من خارج دائرة الإسلام, بل على العكس أصبحت هناك فرق كافرة داخل المذاهب كلها بحسب أراء بعضها عن البعض وهكذا دواليك, وستستمر تلك الشخصيات القياسية بالازدياد في العدد إلى أن يصبح لكل فرد منا شخصية قياسية تختلف عن البقية جميعا. قد يقول البعض شيء جميل معناها أننا نتجه إلى الفردية, صحيح نحن نتجه إلى ذلك ولكن ما بني على باطل فهو باطل فأساس هذه الشخصية هي نفي باقي الشخصيات وهذا عيب قاتل في الحمض النووي لهذه الشخصية. تلك التقسيمات كان من الممكن أن لا تكون بهذه الحدة والعنف لو قامت على الاعتراف بوجود الاختلاف بين البشر وأن ذلك لا يفسد للود قضية. هذه الأسباب مجتمعة خلقت شخصية للفرد في مجتمعنا غير مبالية بالآخر وعاجزة عن التعاطف مع غيرها ونرجسية حد الثمالة. غايتها تبرر وسيلتها ولا تحسب عواقب تصرفاتها فتجدها لا تهتم بطابور أمام خدمة ما لأن الأهم لها أنا و نحن والبقية مجرد خصوم يجوز بحقهم كل شيء. تجد تلك الشخصية تسلب المال العام ,ترشي وترتشي ,لا تبالي بجودة عملها لأن الهدف هنا هو إرضاء رغباتها. تلك الشخصية تمشي في الشارع لا تفسح الطريق ,تقفز على كل قوانين السير تسبب الإزعاج لكل من يشاركها ذلك الطريق لأنه في النهاية يقول أنا ومن بعدي الطوفان. تلك الشخصية تجدها ترمي بمخلفاتها في الأماكن العامة بدون اكتراث, تعيش في الفوضى في كل مكان تتواجد به لأن قانونها الوحيد هو أنا وفقط أنا فلا تستغرب إذا رأيت سيارة محملة بالزواحف الميتة المهددة بالانقراض لأن العاقبة لا تهم تلك الشخصية ولأن الرسالة التي حفرت في قاع العقل الباطن لها هو أنه احصل على أكثر ما يمكنك الحصول عليه, ومال عمك لا يهمك. تلك الشخصية هي شخصية خطيرة تتحول بربرية بدائية ومتوحشة في أقرب فرصة يغيب فيها القانون, فهي قادرة بسهولة على صنع المسوغات لتحقيق غايتها, تذكرون سوريا؟ لم يصدمني فيما رأيت من مجازر في سوريا أكثر من حقيقة أن هناك من يستطيع القيام بذلك. إن الحلول الحقيقية التي يمكن أن ترأب جزءا من الصدع هو تحويل ارتكازية تلك الشخصية ضدها, فهي تخاف على مصلحتها كثيرا ولو كانت القوانين صارمة كفاية كي تبدأ تلك الشخصية بالخوف على نفسها سنرى تغييرا جذريا في طريقة تعاملها, صحيح أنه لن يكون جوهريا ولكن النتيجة أهم من الوسيلة, أليست هذه فلسفة المجتمع عموما؟
مشاركة :