تحقيق: محمد إبراهيم تشغل قضية إعداد المعلم وتأهيله وتطوير أدائه المهني، مساحة كبيرة من الاهتمام والتركيز، في مختلف الأنظمة التعليمية عالمياً، إذ إن دوره محورياً في تنفيذ السياسات التعليمية، ويعتبر إعداده وتنميته مهنياً، من ركائز تحسين التعليم والارتقاء بمخرجاته، لاسيما مع ما يشهده العالم اليوم من تطوير معرفي متسارع، يفرض ضرورة مواكبة المتغيرات والمستجدات، وإعداد المعلم إعداداً يمكنه من التفاعل مع معطياته.في وقت يعتقد بعض المعلمين أن تطوير مستوياتهم المهنية، يقتصر على أدائهم داخل الغرف الصفية، إلا أن أبرز الدعائم التي تركز عليها فلسفة التربية الآن، تكمن رفدهم بمعارف وأنشطة وطرائق متنوعة خارج الغرف الصفية، فضلاً عن التشخيص المستمر لأدائه وأهدافه ومنجزاته في فترات قصيرة، لاسيما أن تهيئه المعلمين وإعدادهم وتطويرهم، باتت عملية محسومة، لتلبية حاجات المجتمع الضرورية والارتقاء بالمستوى التعليمي، ورهان بقائهم في ميادين العلم والمعرفة.وترى قيادات تربوية، أن المعلم الذي تتجمّد طرائقه وتصبح روتينية لا يصلح للقيادة والتوجيه في المستقبل، لاسيما أن مستواه المهني ينعكس على أسلوبه التعليمي، ورغبته في التغيير وتحسين علاقاته وكفاءاته الشاملة. وأكد خبراء، أن المشهد التعليمي عالمياً يعاني نقصاً في الكوادر التعليمية، ويسجل احتياجات ميادين العلم إلى ملايين المعلمين لسد هذا النقص، فضلاً عن أن التحدي الأكبر يكمن في تدريب المعلمين الحاليين وتأهيلهم، في وقت ينفق العالم ما يقارب 1.3 تريليون دولار على التعليم المدرسي سنوياً، وسيرتفع هذا الرقم ليصل إلى 3 تريليونات دولار بحلول عام 2030.«الخليج» تناقش مع الخبراء والقيادات التربوية والمعلمين، المبررات التي تدعو إلى أهمية تأهيل وإعداد المعلمين للمستقبل، وأبرز التحديات التي تواجه عملية تأهيلهم، والسمات الأساسية الواجب توافرها في معلم المستقبل، لاسيما أن التنمية المهنية أصبحت رهان المعلم للبقاء في ميادين العلم والمعرفة. أبرز القضايا التربويةالبداية كانت مع تصريحات جميلة المهيري وزيرة دولة لشؤون التعليم العام، التي ترى أن أبرز القضايا التربوية التي تعتبر صمام الأمان للحفاظ على مظاهر التطور في التعليم، هي تلك المتعلقة بالطاقات والكوادر التربوية التعليمية، فالقائد والمعلم هما البنية التحتية المتمثلة في الكوادر البشرية القيادية والسبيل لإحداث التغيير والتطوير الجوهري. وقالت، إن الطاقات البشرية، إذا كانت مهيأة جيداً وتمتلك روح المبادرة والاستجابة للمتغيرات والتعلم، نتوقع منها بكل تأكيد حلولاً وقدرات من نوع خاص، تسهم في إثراء العملية التعليمية وتمكين طلابنا معرفياً وقيمياً وسلوكياً ومهارياً.وأكدت أن أكبر التحديات أمام القائد في الساحة التعليمية حالياً، تكمن في ضرورة إحداث تطوير في أداء وفكر المعلم، من حيث تغليب الفكر الإبداعي والمنهجي، واستخدام أساليب التعلم الخلّاقة، التي تذكي العملية التفاعلية داخل الصف الدراسي. معلم واثق ومتفائلوأشارت إلى أن المساعي المبذولة لتطوير التعليم تركز على بناء معلم واثق ومتفائل ومؤهل، ينظر إلى التغيير بإيجابية، فالمعلم هو القدوة والمثل الأعلى للطالب، والأقدر على غرس القيم والأفكار الإيجابية والدافعية لدى الطالب، لاسيما أن الإمارات حققت المركز الرابع في كون المعلمين يشعرون بتقييم المجتمع لعملهم بنسبة 65٪، من خلال استبانة بيزا، ويعد هذا مؤشراً مهماً يؤكد أن للمعلم دوراً محورياً في تعزيز السمات الإيجابية، لدى الطلبة كما يراها المجتمع وكذلك المفكرون التربويون والخبراء وصنّاع القرار.وشددت على ضرورة أن يكون المعلم وبصفة مستمرة قدوه للطلبة في كل شيء، فعندما تكون شخصيته إيجابية، تجعل الطالب يشعر بالراحة والثقة، فيما يقدمه ويقوم به من نصح وإرشاد وتعليم، مؤكدة أن القائد التربوي يترتب عليه توفير بيئة تعليمية جاذبة محفّزة للطالب، لذا نريد قائداً تربوياً بنظرة عالمية، يمتلك الشغف والمواطنة الصالحة الحقيقية المتأصلة فيه، ويعمل بروح الفريق، وقادراً على توطيد العلاقات بأولياء الأمور، لخدمة قضايا التعليم، عبر إشراكهم وتفاعلهم مع مكونات المجتمع المدرسي، وكل ما يمس هذا الكيان الراسخ. نقص الكوادرمن جانبها، أكدت جوليا جيلارد، رئيسة مجلس إدارة هيئة «الشراكة العالمية من أجل التعليم»، أن العالم ينفق ما يقارب 1.3 تريليون دولار على التعليم المدرسي سنوياً؛ وسيرتفع هذا الرقم ليصل إلى حوالي 3 تريليونات دولار بحلول عام 2030، في وقت يعاني العالم نقص الكوادر التعليمية، والحاجة إلى ملايين المعلمين لسد هذا النقص، فضلاً عن أن التحدي الكبير يتمثل في تدريب المعلمين الحاليين وتأهيلهم. وترى أهمية وجود حملات تعليمية على المستوى العالمي، لمعالجة تلك الإشكالية، فضلاً عن توحيد الرؤى والبرامج التدريبية، التي تعني تأهيل المعلم وإعداده للمستقبل، وفق المتغيرات والتطورات المتسارعة التي يشهد التعليم في جميع دول العالم، فضلاً عن أهمية تحويل مشكلة نقص المعلمين إلى حراك عالمي، يحشد الجهود كافة لاستقطاب المعلمين وتأهيلهم وتدريبهم بوسائل جديدة ونظم مطورة.وأشارت إلى أهمية تعليم الأمهات، إذ تلعب المرأة دوراً مهماً في تغيير وضع التعليم في المستقبل، وينبغي استثمار تلك القوة، كحافز لضمان حصول الأطفال على التعليم اللازم. وتواصل التأكيد على أهمية التعليم حول العالم، وفضلاً عن ضمان وصول هذه الرسالة عبر جميع وسائل التواصل والإعلام؛ إذ إن أهمية التعليم تزداد توازياً مع تطور التقنيات، لاسيما أنه المفتاح الرئيسي للتغير الذي نريد أن نراه على كوكبنا.يرى الخبير الدكتور عز الدين حطّاب، أن الأنظمة التعليمية تركز على أن المعلم، كأحد العناصر الأساسية للعملية التعليمية، فبدون معلم مؤهل أكاديمياً ومتدرباً مهنياً، يعي دوره بشمولية، لا يستطيع أي نظام تعليمي الوصول إلى تحقيق أهدافه في الحصول على منتج تعليمي جيد. وأضاف، أن الثورة المعرفية الهائلة ودخول العالم عصر المعلوماتية والاتصالات والتقنية فرضت ضرورة ملحة إلى معلم متطور بشكل مستمر ليواكب روح العصر؛ معلمٍ يلبي حاجات المتعلم في التعلم، ويلبي احتياجات المجتمع ومتطلباته نحو التقدم والرقي.وأكد أن الحاجة ماسة لتدريب المعلمين على مواكبة التغييرات والمستجدات المتلاحقة، ليصبح منتجاً مهنياً فاعلاً للمعرفة، ومطوراً لقدراته التعليم والتدريب والتطوير في قدرات المعلم، وفق الاتجاهات الحديثة وتقنياتها المعاصرة، فالمعلم المبدع، يحرص على طلب هو العلم طوال حياته في مجتمع دائم التعلم والتطور، ولا يقتصر على المعارف والمهارات التي اكتسبها في مؤسسات الإعداد. تعددية الأدواروفي وقفه معها، رصدت التربوية سمر أبو مرسة 7 مبررات للتنمية المهنية للمعلم، تتمثل في «تعددية أدوار المعلم، ومسؤولياته في المجال التعليمي»، فبعد أن كان ملقناً للمعلومة ومصدرها، بات مساعداً للمتعلمين على استكشافها من خلال طرق تدريسية متطورة ومعاصرة، فضلاً عن المستجدات المتسارعة في استراتيجيات التدريس والتعلم، والتوجه العالمي نحو التقيد بالجودة الشاملة للعملية التعليمية والاعتماد الأكاديمي في عملية التعلم.وأضافت، أن الثورة المعرفية في جميع مجالات العلم تلزم جميع الأنظمة التعليمية على التركيز على إعادة هيكلة المعلم، لاسيما أن ثورة الاتصالات أسهمت في انتشار المعارف واتساع نطاقها، فضلاً عن الثورة في مجال تقنيات المعلومات والاتصالات، التي أدت إلى أن يكون العالم قرية صغيرة، تنتقل فيها المعارف المستجدة بسرعة هائلة.وأشارت إلى أهمية مواكبة مستجدات وتطورات التعليم وتطبيقه وفق المعايير الدولية، موضحة أن تعدد الأنظمة التعليمية وتنوع أساليب التطوير والتعلم الذاتي، وفق التنوع في التقنيات المعاصرة، فرض على المعلم تطوير ذاته المهني ومواكبة تلك المتغيرات وبنفس قدر سرعتها.من جانبها، ترى التربوية إيمان غالب أهمية التنمية المهنية المستدامة للمعلم، إذ يحمل بين ثناياها مجموعة من الأهداف، تتمثل في مواكبة المستجدات في مجال نظريات التعليم والتعلّم والعمل على تطبيقها لتحقيق الفاعلية في التعلّم، ومواكبة المستجدات في مجال التخصص وتطبيق المستجدات، فضلاً عن ترسيخ مبدأ التعلم المستمر ومدى الحياة، والاعتماد على أساليب التعلم الذاتي.وأشارت إلى أهمية تعميق الالتزام بأخلاقيات مهنة التعليم والتعلم والتقيد بها، والربط بين النظرية والتطبيق في المجالات التعليمية. النظرية والتطبيقوفي وقفة معهم يرى المعلمون «بهاء حسين ووفاء محمد وإلهام علي وإبراهيم قباني، وسحر محمد وفاطمة عبد العاطي وأحمد حمدان»، أهمية التطوير المهني للمعلمين بشكل مستمر بما يواكب المستجدات العالمية في طرائق التدريس واستراتيجياته، إذ إن أكبر تحديات المعلم في الوقت الراهن تكمن في كيفية المحافظة على تطوير مهاراته، في ظل الزحف التكنولوجي، وحتمية مواكبة المتغيرات من أجل البقاء، لاسيما أن التكنولوجيا باتت منافساً قوياً لاستمرارية المعلمين في العملية التعليمية بعد نجاحها في أداء العديد من مهام المعلم.وأكدوا أن أبرز المشكلات التي تواجه المعلم هي الفجوة بين النظرية والتطبيق، التي تعني التفاوت الكبير بين ما يسمعه المعلم عند دراسته في الكليات أو في الدورات التدريبية من مبادئ ونظريات تربوية مثالية، وبين ما يجده مطبقاً في بعض المدارس، مقترحين إنشاء منظمة عربية عالمية تختص برعاية المعلم، تقوم بتثقيفه ورعايته في جميع الجوانب، فضلاً عن رفع مكانته، وبناء الاستراتيجيات الحديثة في التعليم ومساراته. برنامج تخصصي مستمر أما وزارة التربية والتعليم، فركزت على خطة تطوير التعليم، على المعلم وتأهيله وإعداده والارتقاء بأدائه، من خلال برنامج تدريبي تخصصي مستمر، يسهم في تحقيق احتياجات النظام التعليمي وتوظيف مهارات القرن 21، ويستهدف جميع الفئات المختلفة في الميدان التربوي، إذ يمثل خطوة مهمة نحو توفير فرص منهجية للتعليم المستمر للكوادر التعليمية في مختلف التخصصات. عملية صعبة أكدت ماجي ماكدونيل الفائزة بجائزة أفضل معلم على مستوى العالم، للعام 2017، أن أبرز تحديات المعلم، تكمن في مواكبة المتغيرات والمستجدات في التعليم، والتدريب والتأهيل، واكتساب مهارات تعينه على توظيف البيئة والمكان والزمان لتعليم الطلبة، تبقى عملية إعداد المعلم عملية أصعب مما نتوقع، خصوصاً أننا مطالبون بتكوين معلمين يسايرون النهضة التكنولوجية الكبيرة التي يشهدها العالم في مجال التدريس ونقل المعرفة. وسائل منهجية هادفة أكدت الأبحاث والدراسات العالمية، أن التنمية المهنية وسائل منهجية هادفة، تسهم في رفد المعلمين بمهارات جديدة، وبلوغ معايير عالية الجودة للإنجاز الأكاديمي، وتنمية قدراتهم في الممارسات المهنية، وطرق التدريس، واستكشاف مفاهيم متقدمة تتصل بالمحتوى والمصادر والطرق، وتعتبر عملية تحسين مستمرة، تستهدف إضافة معارف، وتنمية مهارات، وقيم مهنية لدى المعلم لتحقيق تربية فاعلة لطلبته وتحقيق نواتج تعلم إيجابية.
مشاركة :