قوات سوريا الديمقراطية الذي أوكلت له مهمة تحرير مدينة الرقة من تنظيم الدولة الإسلامية بدعم لوجستي وجوي يوفره التحالف الدولي. ونجحت الوحدات الكردية منذ العام 2013 في التسويق لنفسها على أنها الطرف الأكثر حضورا وقدرة على طرد تنظيم داعش من المناطق السورية. وفتحت لها النجاحات الميدانية ضد التنظيم الجهادي أبواب دعم القوى الكبرى، وترغب الوحدات في استثمار الأمر أكثر لفرض تطبيق فيدرالية في شمال سوريا، وسط تسريبات تؤكد أن هذا المسعى يلقى رواجا داخل الأوساط الغربية والروسية. بالمقابل يتسبب هذا المشروع السياسي في قلق عميق لأنقرة التي تعتبر وحدات حماية الشعب والحزب السياسي المرتبط بها امتدادا لحزب العمال الكردستاني، الذي يحمل أجندة انفصالية لجنوب شرقي تركيا. وكانت أنقرة قد حاولت بكل السبل إغراء الإدارة الأميركية بعدم إشراك الوحدات الكردية في العملية العسكرية في الرقة، حتى أنها طرحت نفسها البديل لذلك، بيد أن هذه المحاولات باءت بفشل كبير حيث فضّلت واشنطن الاستمرار في رهانها على الأكراد. ويبدو أن هذا الرهان يأتي أكله في ظل التقدم الذي يحققه تحالف قوات سوريا الديمقراطية في تطويق مدينة الرقة، تمهيدا للعملية الكبرى، التي أعلنت باريس أنها ستنطلق خلال الأيام المقبلة، وإن كانت موسكو لا تتفق معها في هذا التقدير. وقال صالح مسلم رئيس حزب الاتحاد الديمقراطي إن الأمر سيرجع لأهل الرقة لاتخاذ قرار بشأن مستقبلهم بمجرد تحرير المدينة من تنظيم الدولة الإسلامية لكنه يعتقد أن المدينة ستنضم إلى “فيدراليات شمال سوريا”. ويهدف النظام “الفيدرالي الديمقراطي” إلى الاستفادة من ثلاث مناطق حكم ذاتي يقيمها الاتحاد الديمقراطي والقوى الحليفة في الشمال. وصادق المجلس التأسيسي للنظام الفيدرالي في شمال سوريا على خطة نظام الحكم الجديد في ديسمبر الماضي. وهناك اليوم مشاورات حثيثة يقودها الحزب الكردي لإعداد مسوّدة القانون الانتخابي للفيدرالية الديمقراطية لشمال سوريا، وقانون التقسيم الإداري. وقال مسلم إن هناك حاجة لأن تكون الرقة تحت سيطرة “أياد صديقة” وإلا فإنها تشكل “خطرا على فيدراليات شمال سوريا”. ويرى خبراء عسكريون أن إصرار الإدارة الأميركية على تولي الأكراد عملية تحرير الرقة رغم ضغوط الحليف التركي في الناتو (الحلف الأطلسي)، ينطوي على دلالات عميقة، تعكس حقيقة دعمها للمشروع الكردي في شمال سوريا الذي سيحقق لها جملة من الأهداف لعل من بينها تكريس حضورها في هذا الشطر، فضلا عن خلق حالة جديدة ستقلق راحة تركيا وإيران باعتبار أن لديهما أقلية كردية ترغب هي الأخرى في الانفصال وإن كان ذلك بشكل متفاوت. ومعلوم أن إدارة ترامب تضع في سلّم أولوياتها استهداف إيران وقد يكون الأكراد أحد أوراقها، كما أن هذه الإدارة تبدو غير راضية على طموحات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عالية السقف، وهي بالتأكيد على قناعة بأن تحجيم هذا “المارد” لا بد أن لا يطول وأفضل طريقة هو دعم أكراد سوريا. ويقول الأكراد إنهم أمام فرصة تاريخية للاستفادة من الأمر، وبالتأكيد توليهم قيادة العملية على الأرض ضد داعش في الرقة يعزز رصيدهم لدى القوى الغربية. وتواصل قوات سوريا الديموقراطية تقدمها الاثنين غرب الرقة غداة تمكّنها من السيطرة على مطار الطبقة العسكري ما يقربها أكثر من تحقيق هدفها الرامي إلى إطباق الحصار على المدينة رغم الهاجس من امكانية انهيار سد الفرات، وإن كان فنيين أكدوا أنه لم يتعرض لأضرار كبيرة.
مشاركة :