حين تتعولم الهوية وتبقى أسئلة من دون إجابات

  • 5/2/2014
  • 00:00
  • 10
  • 0
  • 0
news-picture

«مي» شابة فلسطينية - أميركية تقيم في نيويورك، تأتي لقضاء الصيف في منزل العائلة في عمّان. مسيحية تحب مسلماً وتحضّر لزواجها منه رغم معارضة أمها الشديدة. هي تخلصت من هذه التركة من زمان، أو هذا على الأقل ما تحاول أن تبديه. فكرة السيناريو تثير الفضول، فعودة شابة جميلة ثنائية الانتماء إلى بلد عربي قادمة من الولايات المتحدة لتتزوج ممن يخالفها دينا، تعد بالكثير لا سيما أن الفتاة ليست أياً كان. هي كاتبة نشرت كتاباً بالانكليزية عن الأمثال العربية كما أنها تحضّر لآخر. ابنة ديبلوماسي أميركي وأم فلسطينية، وصاحبة فكر متحرر. أمامنا إذاً، حكاية معقدة وفيلم يُستهل بإيقاع سريع وشخصيات جاذبة وثرثرة قليلة مع محاولة الاعتماد على النظرة والايحاء البصري لإدراك المواقف... كل هذا يبشر بشريط ممتع و»انترستينغ» ( سنعود لهذا التداخل اللغوي المنفر لاحقاً)، لكن السيناريو سرعان ما يبدأ بالتوهان، ليكتفي بصفة الامتاع والخفة.   ذهابا وإياباً «مي في الصيف» هو الفيلم الروائي الطويل الثاني لشيرين دعيبس. في فيلمها الأول» أميركا» تتابع وصول أم فلسطينية مع ولدها إلى أميركا في عزّ حرب هذه مع صدام حسين، لتبرز من خلال هذه المهاجرة التفاوت الثقافي وكل ما يصطدم به مهاجر شرقي في هذه البلاد. هنا هذه المرة تسير في الاتجاه المعاكس وتجرب «الصدمة» الثقافية لفتاة ثنائية الهوية في بلد عربي، إنه نوع من العودة إلى الجذور. كتبت دعيبس السيناريو ومثلت دور البطلة شبه الوحيدة ( باجادة وحضور طغى على ما عداه) وأخرجت الفيلم وساهمت في إنتاجه. والقصة تمثلها على نحو ما فهي ولدت في الولايات المتحدة لأب فلسطيني وأم أردنية وكانت تأتي لقضاء عطلة الصيف في الأردن بعد انفصال والديها. أرادت من الفيلم إغلاق حلقة الهوية التي بدأتها في فيلمها الأول. ومن دون أن تكون نظرتها سلبية أو إيجابية، كما صرحت في العرض الخاص الذي جرى في معهد العالم العربي في باريس، حاولت أن تبين «أمركة المجتمع الأردني والاختلاط الثقافي». و»هذا الانبهار بالثقافة الأميركية بكل جوانبها السينمائية والموسيقية والمعيشية». انبهار يتناقض مع احتقار السياسة الخارجية الأميركية. «أمركة» نعم، لكن عبر «الإختلاط»؟ في الفيلم تتّبع بطلتنا وشقيقتاها في عيشهن في عمان النمط الأميركي بكل تجلياته: مطاعم سريعة، بارات وحفلات رقص وسُكر، مسابح واختلاط وعلاقات جنسية حرة... من دون الاستغناء عن التحدث بالانكليزية معظم الوقت ( الفيلم بالأميركية)، أو اللجوء إلى هذا الحشو المنفر لعبارات كاملة بهذه اللغة حتى حين يكون الحديث بالعربية. كل ما يبرز عولمة الهوية أو ضياعها، العربية منها على الأقل. لا تفوّت البطلة أيضاً ممارسة كل ما لا يخلو منه فيلم أميركي اجتماعي، أي ممارسة رياضة الجري في الشارع بالسروال القصير مع سماعات الاذنين، وإن صاحبتها هنا نظرات استنكار نسائية وعبارات إعجاب رجالية. لم يظهر من أجواء عمان غير هذا. حياة الطبقة البرجوازية الغنية بكل عيوبها، من التشدد الديني الذي يسم والدة مي ( هيام عباس اللافتة كالعادة) المتشبثة بيقينها «أنا الحقيقة» كما تقول في أحد مشاهد الفيلم والذي يذكر أيضا بالطهرانية الأميركية، إلى الذوق الكيتش بكل فظاعاته والبادي في تحضيرات والدة العريس لحفل العرس، مروراً بالشباب اللاهي بين الحفلات والبزنس. أما حين تهتم تلك الطبقة «بالثقافة» مثلاً وبالكتب وبالكتّاب (هي مثلاً)، فالمخرجة تبدي هذا الاهتمام كأنه مجرد فضول بمي وبكتابها. وهو يضجرها بحيث تتعجل الخلاص من الكلام مع المعجبين. قد يكون رفض البطلة للمكان هو السبب، فهي تتجنب كل ما هو ديني، وقد وجدت نفسها رغماً عنها ضمن حلقات أصدقاء الأم بعد الصلاة في الكنيسة. إنه مجتمع لا تميل إليه، مجتمع المتدينين، وما يعجبها في زياد، خطيبها المسلم «عدم تدينه» كما تقول لأمها وكونه فوق هذه الانتماءات الضيقة.   الغياب اللافت مهما يكن فإن زياد لا يظهر سوى في مشهد في النهاية حين يأتي من نيويورك من أجل حفل الزواج. كان صوته فقط حاضراً طوال السرد. بدت مي متعلقة به وتلاحقه باتصالاتها، لكن هذه المشاعر غدت مشوبة بالحيرة إلى أن قرر السيناريو القضاء عليها من دون أن يتيح معرفة الأسباب الكامنة وراء هذا التغيّر في موقف مي. هل هو تعلقها بقادم جديد (كريم)، أو تأثرها بالاختلاف الثقافي بينها وبين زياد، أو خضوعها لتأثير المجتمع أو مجرد رغبة بالانعتاق؟ السيناريو ترك الأمر معلقاً، كما تركه بالنسبة للعلاقة بين الوالدين المطلقين. وهو على أية حال لم يرد التعمق بالشخصيات المحيطة بالبطلة، وبقيت العلاقة مع الأم خاصة، غريبة وباردة وبعيدة عن الحرارة الشرقية. كما أن شخصية الأختين ظلت ضبابية رغم محاولة مكاشفة بين الشقيقات الثلاث جاءت بعيدة عن السياق وعن الواقع شديدة الافتعال والشبه بإسلوب تنفيذها بمسلسل عاطفي أميركي. ففي مكان سياحي مليء بالمصطافين كانت الأخوات يتجادلن علناً أمام الملأ ويتحركن بالمايوه ويتفوهن بما يجعل الجميع يرفع رأسه عند سماع بعض التعليقات الشخصية كإعلان عن مثلية جنسية مثلاً. حين يعود زياد من الولايات المتحدة حيث يقيم سيجد مي غير مي. فهل غيّرها الشرق؟ بدا الأمر غامضاً. أما الواضح فهو إن بعثرة مشاهد سياحية للاردن ( البحر الميت...)، وإظهار وجه وحيد له ليس سوى نسخة عن النسق الأميركي في العيش، يجعل أي ادعاء للفيلم بالحديث عن الصدام الثقافي بين الشرق والغرب مجرد مزاح. سينما

مشاركة :