أسكتلندا لإنكلترا: الانسحاب يقابله الانفصال بقلم: محمود القصاص

  • 3/31/2017
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

أسكتلندا لإنكلترا: الانسحاب يقابله الانفصالفي الوقت الذي تباشر فيه بريطانيا إجراءات البريكست منهية أربعة عقود من العضوية في الاتحاد الأوروبي تلوّح أسكتلندا بورقة الاستقلال وإنهاء سبعة قرون من الوحدة مع إنكلترا. والأسباب التي كانت سببا في عدم فوز الانفصاليين في استفتاء خريف 2014 تجعل موقفهم أقوى في حال أجري استفتاء ثان على الانفصال في ربيع 2019 مع انتهاء المهلة المحددة لمحادثات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.العرب محمود القصاص [نُشر في 2017/03/31، العدد: 10588، ص(7)]من ستكون صاحبة القلب الشجاع ماي أو ستيرغن كان المشهد مختلفا في أسكتلندا في سبتمبر عام 2014 عندما توجه الناخبون للتصويت في الاستفتاء على استقلال بلادهم. حينها، خشي الأسكتلنديون أن يؤدي خروج بلادهم من المملكة المتحدة إلى خروجها بالتبعية من الاتحاد الأوروبي، وذلك لأن عضوية أسكتلندا كدولة جديدة في الاتحاد تتطلب موافقة كافة الدول الأعضاء به، في الوقت الذي أشارت فيه إسبانيا إلى أنها لن تقبل بعضوية أسكتلندا، إذا استقلت، حتى لا تكون سابقة تشجع أقليم كاتالونيا، وعاصمته برشلونة، الذي يتطلع بدوره إلى الاستقلال عن إسبانيا. هذا بالإضافة إلى مشكلة العملة التي ستتم بها المعاملات في أسكتلندا بعد استقلالها، إذ أوضح جورج أوزبورن، وزير الخزانة البريطاني في ذلك الوقت، أنه لن يسمح لأسكتلندا بالتعامل بالجنيه الأسترليني إذا قررت الانفصال، الأمر الذي أثار مخاوف الكثير من البنوك والمؤسسات المالية، التي تتخذ من أدنبره مقرا لها، من أن تهتز معاملاتها المالية إذا أجبرت على التخلي عن الجنيه الإسترليني. وأعلن بعضها عن خطط لنقل المراكز الرئيسية إلى لندن لتفادي أي تقلبات مالية ناجمة عن تغيير العملة في أسكتلندا. هذا علاوة على المخاوف من تغيير أسعار الفائدة التي تتم على أساسها المعاملات المالية، والشكوك في قدرة أسكتلندا، كدولة جديدة مستقلة، على جذب استثمارات كافية، خاصة إذا كانت خارج السوق الأوروبية الموحدة.هل يمكن أن تتراجع بريطانيا عن بريكستبروكسل - تعتمد الإجابة عن سؤال إن كان يمكن لبريطانيا العودة عن عملية الانفصال عن الاتحاد الأوروبي على من يوجه إليه السؤال. رئيسة وزراء بريطانيا أصرت بعد تفعيل المادة 50 من معاهدة لشبونة الأربعاء على أنها “لحظة تاريخية لا يمكن العودة عنها”، ولكن بعد ذلك بساعات، قال رئيس البرلمان الأوروبي أنطونيو تاجاني إنه يمكن نظريا إعادة عقارب الساعة إلى الوراء ولكن فقط بموافقة الأعضاء السبعة والعشرين الباقين في الاتحاد. وقال تاجاني “إذا غيرت المملكة المتحدة رأيها لا يمكنها أن تفعل ذلك بمفردها؛ يجب أن تقرر سائر الدول الأعضاء في الاتحاد أن كان يمكنها أن تفعل ذلك أم لا”. وتعكس هذه التصريحات المتعارضة في الظاهر الغموض السياسي والقانوني المتعلق بمعرفة أن كان طلاق بريطانيا من الاتحاد هو طلاق بائن. فالمادة 50 غير المعروفة التي أصبحت شهيرة الآن غامضة تماما بشأن هذه المسألة وغيرها. فهي تفيد أن “على أي دولة عضو تقرر الانسحاب أن تخطر مجلس الاتحاد بنيتها”. ثم تضيف “إذا طلبت دولة انسحبت من الاتحاد الانضمام إليه مجددا فينبغي إخضاع طلبها للإجراءات المشار إليها في المادة 49”، في إشارة إلى القسم المتعلق بتقديم طلبات جديدة للانضمام. قالت المحكمة العليا البريطانية أنه “من المتفق عليه” أن الإخطار بالمغادرة “لا رجعة عنه ولا يمكن أن يكون مشروطا”، رغم أنها لم تكن تعطي رأيا في هذا الموضوع وإنما بشأن استشارة البرلمان في ما يتعلق ببريكست. ويبدو أن المفوضية الأوروبية توافق على ذلك، إذ قالت في بيان حول المادة 50 الأربعاء إنه “ما ان يتم تفعيل المادة لا يمكن عكسها بصورة منفردة. الإخطار هو نقطة اللاعودة”. ولكن يبدو أن هذا يترك المجال مفتوحا أمام الإمكانية التي طرحها الإيطالي تاجاني حول موافقة الدول الأعضاء الأخرى لعكس مفعول الإبلاغ. طرح البرلمان الأوروبي إمكانية إبطال المادة 50 في قرار حول البريكست سيتم التصويت عليه الأسبوع المقبل مشيرا إلى إن كان ذلك يتعلق بالقول إن “إبطال الإخطار يحتاج لتوفر شروط محددة” ولا يمكن “إساءة استخدامه” بهدف تحسين شروط عضوية المملكة المتحدة الحالية. وقال خبير قانوني في الاتحاد الأوروبي إن كل العمل الذي جرى لصياغة المادة 50 قبل نحو عشر سنوات كان يركز على تسهيل عملية الانسحاب وإن مسؤولي بروكسل ظنوا أن لا عودة عنها. ولكن الخبير الذي طلب عدم ذكر اسمه نظرا لحساسية موقعه قال إن هناك اقرارا بأنه يمكن عكس مفعولها في حالات استثنائية. وهذا ما كان في ذهن محرر المادة 50 جون كير، وهو بريطاني للمفارقة. إذ قال أمام مجلس اللوردات في فبراير إن “الإخطار وفق المادة 50 ليس أمرا لا رجعة عنه”. وأضاف “إذا قمنا بعد أن رأينا جسامة الأمر بتغيير رأينا بشأن الانسحاب، يمكننا بالطبع ذلك ولا يمكن لأحد في بروكسل أن يمنعنا”. وأيده في الرأي جان كلود بيريس المدير السابق للخدمات القانونية في المجلس الأوروبي. وقال بيريس “إذا قالت السلطات البريطانية: لم نعد نرغب بفعل ذلك، لا يمكن إرغام دولة عضو على المغادرة”. ولا يظهر أن لدى بريطانيا في الوقت الحالي رغبة سياسية في تحدي نتائج الاستفتاء الذي شكل مع ذلك صدمة. ولكن المحامي البريطاني جوليون موغام، الذي رفع دعوى في إيرلندا لإرغام محكمة العدل الأوروبية على تقرير إن كان يمكن لبريطانيا أن تعكس مفعول المادة 50، يقول "لا يزال بالإمكان تغيير الأمر". قرار مصيري آخر كانت كل هذه المخاوف والشكوك كفيلة بإقناع أغلبية الأسكتلنديين أن خيار البقاء في المملكة المتحدة أفضل من الناحية الاقتصادية، حتى لو كان على عكس ما يتمنون، وكانت النتيجة أن صوّت نحو 55 بالمئة من الناخبين للبقاء في المملكة المتحدة، فيما صوت 45 بالمئة منهم لصالح الانفصال. لم تمض إلا سنتان وعاد البريطانيون إلى الجدل حول قرار مصيري آخر، وهو انفصال بريطانيا عن الاتحاد الأوروبي، الأمر الذي أثار انقساما واسعا في صفوف البريطانيين. وقرر رئيس وزراء بريطانيا السابق ديفيد كاميرون حسمه في استفتاء تم في يونيو من عام 2016. وانتهى الأمر بالتصويت لصالح خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بنسبة 52 بالمئة. غير أن الاستفتاء أوضح خلافا عميقا بين إنكلترا وأسكتلندا في النظر إلى العلاقة مع الاتحاد الأوروبي، إذ صوتت إنكلترا كلها، باستثناء لندن، لصالح الخروج من الاتحاد، فيما أختار الأسكتلنديون بأغلبية واضحة تصل إلى 62 بالمئة البقاء في الاتحاد. وتعني نتيجة الاستفتاء ببساطة أن الأسكتلنديين سيجبرون على الخضوع إلى موقف إنكلترا الذي يخالف تماما توجهاتهم تجاه أوروبا. وكانت النتيجة أن تغيّر المشهد السياسي في أسكتلندا رأسا على عقب بعد التصويت لصالح خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. وأوضحت نيكولا ستيرغن، الوزيرة الأولى في أسكتلندا وزعيمة الحزب القومي الأسكتلندي، منذ اللحظات الأولى للاستفتاء في عام 2016 أنه يجب احترام رغبة الشعب الأسكتلندي، ويجب ألا يجبر على مسار لا يرغب فيه. وعرضت على رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي أن تسمح لأسكتلندا بالاحتفاظ بعضوية الاتحاد الأوروبي بعد خروج بريطانيا منه، وهو ما رفضته ماي تماما. ولم تجد ستيرغن سبيلا للحفاظ على حق الأسكتلنديين في تقرير مستقبل بلادهم سوى الإعلان عن خططها للدعوة إلى استفتاء آخر على استقلال أسكتلندا ما بين خريف عام 2018 وربيع عام 2019. تتوقع ستيرغن أن تفوز هذه المرة بتأييد أغلبية الأسكتلنديين لأنفصال بلادهم عن المملكة المتحدة وذلك بعد أن تغيّرت الصورة تماما مع اتجاه بريطانيا للخروج من الاتحاد الأوروبي. صورة مختلفة في أسكتلندا في الوقت الحالي هناك ترحيب من قادة الاتحاد الأوروبي بحرص أسكتلندا على البقاء في الاتحاد، وبالتالي يمكن لها أن تتمتع بعضوية الاتحاد دون عوائق إذا أستقلت. هذا علاوة على تمتعها بعضوية السوق الأوروبية الموحدة، وما توفره لأعضائها من حرية انتقال السلع والخدمات ورؤوس الأموال بلا قيود، وهي العضوية التي ستخسرها بريطانيا. بمعنى آخر أصبحت هناك مزايا اقتصادية لأسكتلندا في حال خروجها من الوحدة مع بريطانيا وانضمامها لاتحاد أوسع مع أوروبا، وهذه المزايا لم تكن موجودة من قبل. ويمكن التعامل مع مشكلة العملة الجديدة لأسكتلندا، إذا تخلت عن الجنيه الأسترليني، من خلال الانضمام في مرحلة لاحقا إلى العملة الأوروبية الموحدة، اليورو، وهذا بدوره يزيل الكثير من المخاوف التي صاحبت الدعوة للاستقلال عبر الاستفتاء السابق في عام 2014. بالإضافة إلى كل الفرص الاقتصادية، التي يمكن أن تستفيد منها أسكتلندا، تقدّم نيكولا ستيرغن لمواطنيها سياسات مختلفة عمّا يقدّمه حزب المحافظين في بريطانيا، إذ ترفض سياسات التقشف وتخفيض نسبة الإنفاق على الصحة والتعليم. وهي ببساطة تقول لمواطنيها إنهم غير مضطرين للانصياع إلى سياسات لا يرغبون فيها من جانب حزب لا يتمتع إلا بشعبية ضعيفة في أسكتلندا. وبدلا من ذلك، يمكن للأسكتلنديين أن يختاروا لأنفسهم ما يرغبون من سياسات. وتبقى هناك تحديات اقتصادية تواجهها ستيرغن في الوقت الحالي، ويجب أن تأخذها في الحسبان بغض النظر عن أيّ قرار مرتبط بمستقبل أسكتلندا، من أبرزها انخفاض سعر برميل النفط من بحر الشمال من 110 دولارا للبرميل عام 2014 إلى نحو 55 دولارا في الوقت الحالي، وهو ما أدى إلى خسارة الآلاف من الوظائف في مدينة أبردين، مركز صناعة النفط في أسكتلندا. ستيرغن تبدو في إصرارها على احترام أرادة الأسكتلنديين مثل زعماء أسكتلندا التاريخيين الذين تصدوا لهيمنة إنكلترا ولكن، يرى كثيرون، ومنهم ستيرغن وحزبها، أن الفرص التي يوفرها انضمام أسكتلندا للسوق الأوروبية الموحدة أكبر وأكثر أهمية من الخسائر المحتملة للانفصال عن المملكة المتحدة. ومن ثم، تبدو ستيرغن واثقة من الفوز في الاستفتاء القادم. غير أن المشكلة أن تيريزا ماي ترفض أجراء هذا الاستفتاء، وترى أنه لا يجب أن يتم إلا بعد أن تتضح شروط خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، فيما تصر ستيرغن على أجراء الاستفتاء في الموعد الذي يتيح أفضل الاختيارات للأسكتلنديين، وأعلنت أنها ستطلب من البرلمان الأسكتلندي التصويت لصالح أجراء هذا الاستفتاء، ومن المؤكد أنها ستحصل على تأييد البرلمان الذي يتمتع فيه حزبها بالأغلبية، علاوة على تأييد حزب الخضر لمساعيها. وتهدد ستيرغن بأن أصرار ماي على رفض إجراء الأستفتاء سيؤدي إلى إلحاق أضرار بفكرة الاتحاد بين أسكتلندا وباقي بريطانيا لأن الاتحاد يجب أن يقوم، كما تقول على أساس “شراكة متساوية”، وليس على أساس الإجبار، وتؤكد ستيرجون أن أرادة البرلمان الأسكتلندي “سوف تسود، ويجب أن تسود”. وتبدو ستيرغن في أصرارها على احترام إرادة الشعب الأسكتلندي مثل زعماء أسكتلندا التاريخيين الذين تصدوا لهيمنة إنكلترا، ودخلوا في مواجهات طويلة معها، وأشهرهم وليم والاس الذي رفض الخضوع لملوك إنكلترا، وحاربهم دفاعا عن حرية الأسكتلنديين في تقرير مصيرهم. واشتهرت قصته من خلال فيلم “القلب الشجاع”. وفي النهاية لم يجبر الأسكتلنديون على دخول الاتحاد مع إنكلترا، بل كان هذا اختيارهم منذ أكثر من 300 سنة لكي تستفيد أسكتلندا من خيرات المستعمرات الإنكليزية الجديدة، وتستفيد بريطانيا من جهود الأسكتلنديين الذين كانوا دائما قوة أساسية في الجيش البريطاني وفي المستعمرات البريطانية. ولكن عجلة التاريخ لا تتوقف، وربما يجد الأسكتلنديون الآن فرصة ذهبية للتخلي عن الاتحاد مع إنكلترا، والانضمام إلى اتحاد أوسع مع أوروبا، وهي فرصة من النادر أن تتكرر. كاتب مصري مقيم في لندن للمزيد: رفض أوروبي لتلويح لندن بورقة الأمن في مفاوضات بريكست

مشاركة :