السادة المعلمون... تحية طيبة مليئة بالود والحب وبعيدة عن ألم ذكرى العطلة التي انتهت ورواتب الأربعة أشهر التي تبخرت، رغم أن الشيخ عايض القرني قال: «لا تحزن»، والأستاذ ديل كارينجي قال: «لا تقلق»، إلا أن الشيخ عايض لم يعد يظهر على الشاشة وكارينجي اختفى من الوجود، ولم يبق إلا أنت في مواجهة واقعك. ها أنتم قد جلستم على مكاتبكم ونفضتم عنها ذكريات تصحيح أوراق الاختبار، وبدأتم تخوضون في أحاديث حول العطلة والسفر والمدن والشواطئ وكيف أنكم اكتشفتم أنكم تحبون هذا الوطن أكثر مما كنتم تعرفون. وسيأخذ موضوع «البصمة» وأجهزتها جزءاً من هذه المحادثة، التي غالباً ستبدأ بأن الوزارة تتآمر عليكم، ثم فجأة يأخذ الموضوع منحى غريباً نحو استعدادات الشاي والسكر والقهوة وميزانية الفطور، وبالتأكيد أيضاً هناك موضوع الوافدين، وهو موضوع حار للطرفين، وستكون هناك أسئلة حول أخلاقيات وأدبيات المدير الجديد بعد أن تقاعد القديم، ومتى سيتقاعد الحالي؟ وهل تغير الموجه وما شكل رئيس القسم الجديد؟ ولماذا لم تنزل لي أعمالي الممتازة؟ ومتى موعد أقرب عطلة؟ وربما تتكلمون عن منهج الكفايات وسياسات التوجيه، وربما تتكلمون عن كل شيء عدا الشيء الوحيد الذي اجتمعتم من أجله في هذا الصباح وهو التعليم نفسه. أقول ربما فقط... فأنا أعرف جيداً نواياكم المخلصة وما الذي يعنيه أن يدخل المعلم أربع أو خمس حصص في اليوم. أحياناً، تكون أدبيات «مهنة» الطب هي العائق الأول نحو الوصول إلى النتائج التي وجدت مهنة الطب بسببها، فلا يعالج المريض حقاً ولا تخفف الآلام أصلاً ويتم وضع «الإداري» على حساب «الإنساني»، وهذا أمر موجود أيضاً في الإعلام حيث إن الأدبيات الحديثة للخبر تعلي من الإثارة على حساب الحقيقة، وتسلط الكاميرا حسب «الشخصي» على حساب «الآخر». ومهنة التعليم هي مهنة أيضاً، لها أدبياتها وسياقاتها التي تكون أحياناً عائقاً نحو النتيجة الحقيقية المرجوة من مهنة التعليم. ولا أنكر أن الأرض ضاقت بما رحبت في الفترة الأخيرة على المعلمين، وتزلزلت التواجيه والأقسام، ومعلمون كانوا في القمة فأصبحوا في القاع، ودارت نقاشات حول معلمين اختفوا فجأة كما ظهروا في المدرسة فجأة، وعن الذين سافروا ولم يعودوا إلى الآن، وعن الذين قال لهم الطبيب «أمامك ستة أشهر للموت»، وعن الذين قالت لهم الوزارة «أمامك ثلاثة أشهر للانتقال»... وربما يلقي أحدكم نكتة قائلاً إن تشكلية المدرسة أصبحت تتغير بشكل أسرع من تشكلية المنتخب! ولا أنكر أن هناك مشكلة في تقييم المعلم، ومشكلة أكبر في بيروقراطية قد تواجه منهج الكفايات فتفشله وتلقيه صريعاً في حاوية المدرسة الزرقاء، وأن الأمور غير ذات الاختصاص المسندة للمعلم أكثر من الأمور ذات الاختصاص، وأن تكشيرة السيد المسؤول أكثر من ابتسامته، وأن الوافد «المنافق» لهو الرابح الوحيد، ولكن الرابح يبقى وحيداً دائماً أيها الأعزاء. جميعكم في «مهنة» التعليم فرضت عليكم أدبيات وأنتجتم أنتم بأياديكم أدبيات أخرى... فهكذا الوضع إذا جميعكم مهزومون، وانتصار المهزوم في مشاهدته لوضع الكويت وهي تتردى في قوائم ذيل التصنيف. أيها السيدات والسادة... المعلمات والمعلمون... عليكم أن تتكيفوا كمعلمين يطلبون من طلابهم أن يتكيفوا مع واقع قادم لا يعيشونه اليوم، ولكنهم سيعيشونه في الغد. فبمجرد أن ننسى ما الذي كنا نريده من معلمينا ونحن طلاب، حتى نفقد إمكانية جعل طلابنا أفضل. عليكم أن تناضلوا من أجل الهدف الذي جعلكم تتركوا أبناءكم في أيادي الخدم والحشم والحضانات كي تعلّموا أبناء غير أبنائكم... فليس بالراتب وحده يحيا الإنسان، تحرروا من تلك السياقات التي يتم اجترارها واستهلاكها يومياً معتبرين أن هذه هي اليقظة الحقيقية من دون أن تنتبهوا أنها غفلة في حق القادمين إلينا الأسبوع المقبل. الأسبوع المقبل تسلمك الدولة طالب علم يدخل من بوابة المدرسة لكي تجعله المدرسة يهضم ما سبق وتهيئه لما هو قادم. في الواقع، أنت تتسلم كأمانة أحد أبناء جارك، صديقك، مجتمعك الذي تنتمي إليه وتلقي عليه باللوم أحياناً لما نحن فيه، أو تتسلم أبناء مسلم لا تعرفه أو مسيحي تشترك معه في أن هناك يوم حساب. الجميع، وبحكم القانون، سيسلمونكم أبناءهم وبناتهم... فهل أنتم مستعدون حقاً؟ هل نحن مستعدون حقاً؟ هل أنا مستعد حقاً؟ يا لي من كاتب مرواغ، أردت أن أحدث نفسي في بداية المقال، فأشركت معي الجميع في حديث ربما لا يرغبون المشاركة فيه. إذاً أعتذر، ومع المعذرة للسادة المعلمين... كويتيين ووافدين... والقادمين الجدد من فلسطين. كاتب كويتي moh1alatwan@
مشاركة :