في مخيم حسن شام للنازحين من معركة الموصل، على بعد 30 كلم شرق المدينة، جلست الطفلة نورا (10 سنوات) للرسم في إحدى الخيم مع أطفال آخرين مثلها ما زال هاجس الحرب يرافقهم رغم ابتعادهم عن مواقع القتال.وقالت الفتاة «كان لدينا منزل كبير، لكن «داعش» قصفنا فاحترق. «داعش» دمرنا»، فيما اغرورقت عيناها بالدموع. في المدينة التي فرت منها نورا شمال العراق يلعب أطفال بين الأنقاض، وآخرون في باحة مدرسة. ويسير بعضهم رافعين فرحين قنينة ماء وزعتها منظمة إغاثة، كما لو أنهم عثروا للتو على كنز. لكن رغم صخب المعارك والموت الحاضر في كل ناحية، يبتسم الكثيرون منهم بلامبالاة الأطفال التي قلما تقيهم فظائع الحرب. لكن مؤشرات المعاناة موجودة، وتنعكس في الوجوه المرهقة، والخدود الضامرة والأجسام الهزيلة.داخل الخيمة البيضاء الكبرى، حيث جلس الأطفال للرسم علقت بالونات ملونة على لوح أبيض كبير إلى جانب خزانة كبرى تخفي «كنزا» من الألعاب، ولوازم الأشغال اليدوية. ويسعى هذا «الفضاء المخصص للأطفال» الذي فتحته منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) بالمشاركة مع منظمة «تير ديزوم» (أرض البشر)، إلى توفير نوع من الحياة الطبيعية، وبعض المرح بعد سنوات من الدمار والأسى. وقال المسؤول المحلي في «يونيسيف» مولد وارفا «شاهدوا أموراً ما كان يجب أن يروها... شاهدوا أشخاصاً يقتلون وجثثاً»، مضيفاً «حتى لو بدوا عاديين فإنهم من الداخل يعانون بشدة». وقال عبد الرحمن (9 سنوات) الجالس قرب نورا للرسم بصوت خجول «نحن هنا بسبب «داعش»». وأوقف رسمه برهة لذكر مدينته الموصل، وقال «هناك يوجد خوف». وأكد وارفا أن «الفضاء المخصص للأطفال» يتيح لهم الرقص والقراءة وممارسة الرياضة في مكان مزين بالألوان يسوده الفرح. وأضاف «انه مكان يتيح لهم أن يعودوا أطفالاً... لا نريد أن يخسروا طفولتهم». ولتمييز خيم الأطفال عن الخيم البيضاء المتطابقة في هذا المخيم رسمت عليها أشكال ملونة، وشخصيات صور متحركة. وفي الداخل ينهمك الصغار في الغناء، والضحك والتصفيق، وملاحقة بعضهم بعضاً. لكن آثار الحرب وعنف الإرهابيين تنبثق فجأة أحياناً. وقال أحد المدرسين رافضاً الكشف عن اسمه إن «بعض الأطفال عدائي ويتجنب البالغين، فيما يعمد آخرون إلى ضرب رفاقهم، ويرفض عدد منهم المشاركة ويفضلون الانزواء». كما تتخلل رسومهم المملوءة بالشخصيات المسلية والمنازل والحيوانات والقلوب والشموس، مشاهد قاسية. ورسم أحدهم بالقلم الأسود طفلاً وحيداً مشدوهاً يبدو ضائعاً وسط مدينة تلتهمها النيران. (أ. ف. ب)
مشاركة :