غلطة الشاطر بعشرين

  • 5/3/2014
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

دأبت المملكة العربية السعودية على احترام علاقاتها بالدول في كل أرجاء المعمورة، وعدم امتهان أو اتهام شعب أو أمة، أو عرق.. منهجها تعاليم الدين الإسلامي الذي يدعو إلى العدل في كل الأحوال، سواء في حق القريب {وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى، وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} (الإنعام)، أو في حق غيره؛ يقول الحق سبحانه {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ. اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} (المائدة). وحذَّر من احتقار الآخرين كما في قوله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ بِئْسَ الاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} (الحجرات). وإذا كان ذلك واجباً في حق البعيد فإنه يتأكد وجوبه في حق الإخوة في الدين، كالشعب التركي الشقيق، وذلك من أبسط حقوقه الإنسانية علينا. هذه مقدمة لما رغبت الإشارة إليه من كلام مسجل ومصور للدكتور سليمان بن عبدالله أبا الخيل، مدير جامعة الإمام محمد بن سعود، هاجم فيه تركيا ورئيس وزرائها السيد رجب طيب أردوغان. ولقد انتابني أسف شديد ودهشة عظيمة حين شاهدت تلك المقابلة وما قيل فيها من احتقار وازدراء في حق تركيا، وهي الدولة العضو في رابطة العالم الإسلامي، ومن أكبر الدول الإسلامية، وبها من العلماء وطلبة العلم والمدارس الإسلامية ما يجعلنا نستغرب وصفها بالدولة الفاسقة، ووصمها بالدولة الفاجرة. لقد حملت تركيا لواء نشر الإسلام في أوروبا وما حولها من بلدان آسيا، وتفاوتت في قربها وبعدها عن الأمة العربية وفق سياسة قادتها، ولكن يبقى الشعب التركي شعباً ذا حضارة، يشهد بها القاصي والداني، ولها دورها الفاعل في نصرة قضايا الأمة الإسلامية. وكيف تكون تركيا دولة فاجرة ثم نقبل أن يكون السيد/ أكمل الدين إحسان أوغلي أميناً عاماً لمنظمة التعاون الإسلامي؟ بل هو أول أمين عام يُنتخب بالتصويت منذ توليه منصبه أميناً عاماً في يناير 2005، وهو يقود بفعالية المنظمة التي تجمع في عضويتها 57 دولة، وتبنَّى قضايا العالم الإسلامي في هذه الأوقات العصيبة. وكان لتركيا وشعبها مواقف مشرفة في الدفاع عن حقوق المسلمين المستضعفين في بورما؛ فعقدت المؤتمرات، وأوفدت وزير خارجيتها لتقصي أحوال (الروهينجا) والوقوف معهم ضد التمييز والاضطهاد، كما كان للشعب التركي مواقفه المحمودة في الدفاع عن الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم - والوقوف ضد المسيئين إليه. إن مما يؤسف له أن ما ذكره مدير جامعة الإمام محمد بن سعود كان ردة فعل جانبها الصواب حين استفزته إحدى التغريدات التي غرد بها في تويتر أحد السعوديين، وامتدح فيها السيد رجب طيب أردوغان بما رآه مدير الجامعة ثناءً لا يستحقه، فكان رد الدكتور سليمان أبا الخيل غلطة بعشرين غلطة؛ لأنه على هرم كبرى الجامعات بالسعودية، وهو مسؤول برتبة رفيعة، وقد يعتقد الآخرون أنه ليس رأياً شخصياً، رغم أنه لا يعدو ذلك، بل هو رأي ناجم عن ردة فعل غير محسوبة، والأفعال والأقوال الناجمة عن ردات الفعل كثيراً ما يجانبها الصواب؛ لأنها تفتقر إلى الحكمة والتروي وحساب العواقب. وأجزم هنا بأن الدكتور أبا الخيل لو استقدم من أمره ما استأخر ما قال ذلك وما تفوه به، لكنها غلطة الشاطر كما قلنا. ومن مخاطر ومساوئ وسائل التواصل الاجتماعي أنها تنقل صغير الشرر؛ لتجعل منه نيراناً عظيمة يستدفئ بها قوم، ويصطلح بنارها أقوام آخرون. إن المملكة العربية السعودية في ظل الظروف الراهنة في غنى عن استعداء أي دولة، فضلاً عن دولة كبرى كتركيا، كما أن السعودية كان - وما زال - نهجها هو احترام الدول الإسلامية كافة، ولَمّ شملها وجمع شتاتها؛ لذا فإن ما بدر من الدكتور أبا الخيل لا يعدو كونه سقطة غير محسوبة، وكبوة غير مقصودة، ويبقى الشعب التركي العظيم محل تقديرنا ومحبتنا وثقتنا، وهو ما تعلمناه من قيادتنا الحكيمة. إن عشرات الآلاف من الإخوة الأتراك قد ساهموا معنا في نهضة بلادنا، وكان لهم دور مشهود في التنمية والإعمار بالسعودية، ويوجد من التعاون التجاري والثقافي ما يجعل العلاقة بين البلدين الكبيرين مميزة. كما أن مئات الآلاف من السعوديين وعائلاتهم يفدون إلى تركيا كل عام للاستجمام والسياحة، وتبقى علاقات الشعبين أكبر من أن تتأثر بمثل الذي قيل.

مشاركة :