لإيران وجود فعلي على الأراضي العراقية والسورية عبر عناصر مقاتلة إيرانية، وكذلك عبر قيادات عسكرية إيرانية تتولى قيادة ميليشيات شيعية بعضها عربي وانضم للحشد الشعبي في العراق، أو عبر تبعية «حزب الله» في سوريا لها، أو عبر ميليشيات غير عربية جندتها إيران للقتال على الأرضي السورية بحجة محاربة «داعش». ذلك مشروع احتلال كلف الجمهورية الإسلامية الإيرانية مليارات الدولارات، وكلفها صناديق وتوابيت عادت مغطاة بالعلم الإيراني، فهل ستتنازل بسهولة عن تلك المواقع التي احتلتها لمجرد حصول بعض الانفراجات أو التقاربات العربية مع الحكومة العراقية أو بعض التنازلات الخليجية المتعلقة ببقاء نظام الأسد؟ هل الحكومة العراقية أو النظام السوري قادر على اتخاذ قرار التخلي عن إيران والعودة للحضن العربي؟ ناهيك بأن إيران تحرص أشد الحرص على ترسيخ قناعة لدى التحالف الدولي، وعلى رأسه الولايات المتحدة، بأنها - أي إيران - القوة الوحيدة والفريدة القادرة على دحر «داعش» من هذه المنطقة لوجودها الفعلي على الأرض، ولا يمكن طرد مقاتلي «داعش» من الموصل والرقة دون التعاون معها، أي أنه حتى التحالف الدولي مجبر على التعاون معها، فهل ستقف مكتوفة الأيدي وتتفرج على الحماس الأميركي ولأخذ زمام المبادرة وسحب البساط من تحت أرجلها في المنطقة وإثبات أن طرد «داعش» ممكن دونها؟! لهذا نسأل؛ هل نصبت إيران فخاً للقوات الأميركية حين سربت معلومات مغلوطة عبر ميليشياتها الشيعية حول مزاعم لأهداف عسكرية اتضح أنها مدنية وتسببت بكارثة الموصل؟ إذ باعتراف البنتاغون السبت الماضي أن مراجعة أظهرت أن التحالف الدولي استهدف - بطلب من قوات الأمن العراقية - مقاتلين وعتاداً لتنظيم داعش في 17 مارس (آذار) الماضي، في موقع يتوافق مع مزاعم سقوط ضحايا من المدنيين. وأكدت رئيسة مجلس قضاء الموصل بسمة بسيم أن أكثر من خمسمائة مدني أعزل قُتلوا في غارات للتحالف الدولي على حي الموصل الجديدة، أثناء التمهيد لدخول القوات العراقية إليه قبل نحو أسبوع. وأضافت أن ما حصل يكاد يكون مقصوداً، لأنه لم يستهدف مقاتلي «داعش» الذين لم يتجاوز عددهم ستة أشخاص قبل خروجهم من الحي. وقال رئيس مجلس محافظة نينوى بشار الكيكي إن «جهود إخراج الجثث من تحت الأنقاض مستمرة». واتهم أسامة النجيفي نائب رئيس الجمهورية العراقي التحالف الدولي والشرطة الاتحادية العراقية باستخدام القوة النارية المفرطة عبر الطائرات والمدفعية والصواريخ خلال المعركة، ودعا إلى إجراء تحقيقات سريعة وحماية أرواح المواطنين وكرامتهم (المصدر موقع قناة الجزيرة). «التعاون» الأميركي - الإيراني على الأراضي العراقية، هو أحد امتحانات مصداقية العلاقات الأميركية - الإيرانية في عهد ترمب، حيث استجابت القوات الأميركية لطلب من الحشد الشعبي الذي صنفته الخزانة الأميركية أنه إرهابي وطائفي، والذي يأتمر قادته بأمر قيادات إيرانية على رأسها قاسم سليماني، حيث أعلن البنتاغون أنه يتعاون معه وقصف بناء على طلب من سماهم بـ«القوات الأمنية العراقية» مواقع ثبت أنها لمدنيين وأسقط هذا العدد الهائل من الضحايا. التنسيق بين القوات الأميركية والقيادات الإيرانية المباشرة أو قيادات من ميليشيات الحشد الشيعي ما زال قائماً على قدم وساق، لا في الموصل فحسب، إنما أيضاً التنسيق موجود بين الجنرال الأميركي ستيفن تاونسند قائد القوات الأميركية في العراق وسوريا وأبو مهدي المهندس قائد ميليشيا «حزب الله» العراقي ونائب الحشد الشعبي الذي صنفته الخزانة الأميركية على قائمة الإرهاب والمستشار الأعلى لقاسم سليماني في مدينة تلعفر أيضاً، ليس ذلك فحسب، بل إنه وفقاً «للمرصد الاستراتيجي»، فإن التعاون ما زال مستمراً بين الضباط الأميركيين وميليشيات بدر التي يترأسها هادي العامري، حيث يقيم مكغورك وتاونسند علاقات وثيقة معه منذ عهد الرئيس أوباما. التعاون الإيراني - الأميركي إذن في العراق وسوريا ما زال يعمل بقوة الدفع الأوبامية بأريحية ما كانت عليه السياسة الأميركية السابقة، حيث الثقة المطلقة بوحدة الأهداف الإيرانية والأميركية، فهل ما زالت تلك الأهداف مشتركة في العهد الترمبي، أم تبدلت؟ وهل القيادات الميدانية الأميركية تثق تمام الثقة بالقيادات الإيرانية؟ المنطق يؤكد أن واحداً من أهداف إيران فيما يتعلق بسوريا والعراق هو خروج القوات الأميركية وانفرادها على الأرض هناك، ولا عجب أن فخاً نصب للقوات الأميركية لاستهداف مدنيين عراقيين لإثارة السخط عليهم وأن يأتي طلب خروجهم أو التخفيف من حدة اندفاعهم من العراقيين ذاتهم. لننتبه! إيران لن تترك المنطقة بسهولة، وحلفاؤها يرون فيها منقذاً لذواتهم الشخصية، والتقارب الأميركي - الخليجي، والحماس الأميركي لإنهاء «داعش» مصدر خطر يتهدد المصالح الإيرانية، لذا حين نتعامل مع الحكومة العراقية، فلا ننس أنها والميليشيات الشيعية المسلحة جيش إيراني بامتياز.
مشاركة :