في مطلع الثمانينيات الميلادية قدر لي في أثناء دراستي العليا خارج المملكة أن أدرس ولأول مرة في حياتي عدة مقررات في فلسفة التربية، لقد أعادت دراستي لتلك المقررات توجيه وصياغة تصوراتي ورؤيتي لمهنة التربية ولمناهجها ومدارسها المختلفة، بل وعززت من احترامي وتقديري العميق لمهنة التربية العظيمة، وفوق ذلك كشفت لي عن تحدياتها وعن المتعة في ممارستها. خلال أيام دراستى للبكالوريوس في المملكة لم يكن متاحا لنا أن ندرس أي شيء له صلة بفلسفة التربية. في كلية التربية كانوا يدرسوننا خلال فترة السبعينيات الميلادية مقررات تناولت بعض القضايا التربوية الفلسفية ذات التوجه الإسلامي البحت، وكان من بين من درسنا تلك المقررات د/ أحمد العسال، ود/ جعفر شيخ إدريس، وهما ممن عرفوا لاحقا بأنهم رموزا بارزة في التيار الإسلامي، لقد أقنعونا بأنه ليس للحقيقة التربوية سوى وجه واحد فقط، وما عداه فهو تخريف وزندقة، الأمر الذي حرمنا كطلاب تربويين من ثراء وتنوع الفكر التربوي ومن فهم توجهاته التربوية المعاصرة المحلية والعالمية. هنا نسأل: ما الذي ترتب على عدم تدريسنا فلسفة التربية للمعلمين أثناء فترة إعدادهم؟ لقد ترتب على ذلك أن أصبح معلمونا يؤدون واجباتهم المهنية بطريقة ميكانيكية روتينية بحتة وذلك من خلال طقوس روتينية مملة لا روح ولا فكر فيها يلهب نشاطهم وطموحهم التربوي، ويجعلهم يتذوقون ويستشعرون متعه وتحديات التربية وعظمة الإنجاز التعليمي والتربوي الذي يحققونه مع طلابهم.
مشاركة :