إذا كانَ لمكةَ المكرمةِ وجزيرةِ العربِ عموماً فضلٌ على إفريقيا بحملِ رسالةِ الإسلامِ، ونشرِ نورِهِ، منذُ فتحَ عمرُو بنُ العاصِ مصرَ، إلى أن وَطِئتْ خيلُ عقبةَ بن نافع شواطئ المحيط الأطلسيّ .. إذا كان ذلك كذلك فإنّ لإفريقيا فضيلةٌ على الأمةِ في مقاومةِ الاستعمارِ المتوحِّشِ منذُ قدَحَ الشيخُ المجاهدُ السلطانُ عثمان فُودي الفُولاني شرارة الثورةِ على الاستعمار، إلى أن تتابعتِ الدولُ الإفريقيةُ تنفضُ عنها أغلالَ المستعمرِ واحدةً فواحدةً. لقد قَدِمَ الشيخُ عثمانُ إلى مكةَ المكرمةَ في زمنِ الإمام المجدِّدِ محمدِ بن عبدالوهابِ رَحِمَ اللهُ الجميعَ، والتقى بكبارِ طلابِهِ، وقيل التقى به شخصياً، وتأثَّرَ بدعوتِهِ، فكان أنْ بنى بعد رجوعِهِ امبراطورية إسلامية قويةً (صكَّتِ) المستعمرَ وأذنابه، وكانت سبباً في انتشارِ الدعوةِ السلفيةِ في الغربِ الإفريقيِّ كلِّهِ. إنَّ (فودي) ومثلُهُ (مَنْسَى موسى كانْكا) و(الحاجّ محمدُ الأمين درَامِي) و(أبو بكر بنُ عمرَ اللَّمْتُوني) وعشراتُ العُلماء والقادةِ والملوكِ الذينَ بنوا الحضارة الإسلامية الأفريقية يمثِّلون امتداداً طبيعياً لمكةَ وبيتِ الله الحرام. فمِنْ نورِهِ استقَوْا .. سواءٌ منهم من زارهُ بجسدِهِ، أو منْ حامتْ روحُهُ حوله وحالتْ دون مَقْدَمِهِ الصِّعابُ. ما دعاني أن أستدعي كلَّ هذا التاريخِ العريقِ هو زيارة رؤوسُ الدعوةِ الإفريقيةِ لمكةَ المكرمةِ والمدينة المنورة والذين هم بإذن الله امتداد طبيعي لأولئكَ الأعلامِ الذين كانتْ زيارةُ معظمِهم لمكةَ نقطةَ تحوُّلٍ في تاريخِهم وتاريخِ أقوامِهم، بل في تاريخِ الإسلامِ في القارة الأفريقيةِ الخضراءِ. وسواءً كانتْ هذه الزيارة الأولى لمكةَ، أو لم تكنْ كذلك، فإنّها يجبُ أن تطبعَ كلَّ واحدٍ منهم بطابَعِها، وتَسِمَهُ بِمِيْسَمِها، ولا ينبغي لآفاقيٍّ أن يردَ إلى مكةَ ثم يعودَ منها كما جاء، فكيفَ إذا كان داعيةً ينتظرُ قومُهُ منه الكثير؟ إنَّ هذا الحرصَ الكبيرَ على زيارةِ الدعاةِ الأفارقةِ لمكةَ والمدينةِ هو من تمامِ توفيقِ الله للجنة الدعوة في أفريقيا، لما سيجدُهُ هؤلاءُ الدعاةُ في المدينتين المقدستين من سَبَحَاتٍ إيمانية، ونَفَحات علميةٍ، وصفحاتٍ دعوية، ولأنَّ اطلاعهم على تجربةِ المملكة العربية السعودية في نشر الإسلام وخدمتِهِ حكومةً وشعباً سيُطوِّرُ أداءهم الدعويَّ بما يعينهم بإذنِ الله على مهمتهم. كما يجب أن يثق هؤلاء الدعاة بأن المملكة العربيةَ السعوديةَ بقيادةِ سيدي خادمِ الحرمين الشريفينِ تقفُ معهم نُصرةً للإسلامِ، وعوناً للمسلمين. * مدير جامعة أم القرى
مشاركة :