مخرج المسرحية التونسية "الهاكم التكاثر" الى اعتداء بالعنف بواسطة آلة حادة مما خلف له إصابات بليغة على مستوى الرأس. وتوجهت اصابع الاتهام بقوة وبشبه اجماع الى تورط جماعات دينية متطرفة في تعنيف المخرج ومحاولة قتله، واعتبر ناشطون على مواقع التواصل ان ايادي التشدد تعمد الى محاولة قتل مبدع تونسي ذنبه الوحيد انه تطرق الى الوضع السياسي الراهن بكثير من الجرأة وباسلوب فني مختلف عن السائد. وتأتي الحادثة بعد وقوع ضجة في أوساط الرأي العام التونسي بين مستنكر ومؤيد من أئمة ومثقفين على إثر اقتباس عنوان مسرحيته الجديدة من آية قرآنية. واجمعت العديد من الاراء على ان أسباب الاعتداء تعود الى تدوينة تحريضية نشرها امام جامع معزول من محافظة صفاقس واستنكاره الشديد للعنوان ومهاجمته للمخرج. وكتب الامام المعزول رضا الجوادي عبر حسابه الرسمي على فيسبوك :"عاجل وخطير جدا... آية قرآنية توضع عنوانا لمسرحية راقصة في تونس؟؟؟ !!! وفي صورة غير أخلاقية!!! أين النيابة العمومية؟؟؟ أين القضاء الشريف؟؟؟ أين الدولة التي دينها الإسلام ؟؟؟ أين الشعب المسلم ؟؟؟ أين الأئمة ؟؟؟ أين نواب الشعب المسلم ؟؟؟". وكانت وزارة الشؤون الدينية قد اصدرت العديد من القرارات بعزل من اعتبرتهم من أئمة التشدد والمحرضين على "الجهاد" في سوريا. ويرى مراقبون أن الأئمة المتشددين يريدون فرض أرائهم بالقوة والعودة إلى المساجد لتنفيذ مخططاتهم الساعية الى استقطاب الشباب ودفعه إلى الفكر المتشدد. وتشدد السلطات التونسية على أن "إدارة الشأن الديني" هي من صلاحيات الدولة ممثلة في وزارة الشؤون الدينية بما في ذلك تعيين الأئمة وعزلهم. وتؤيد غالبية التونسيين إدارة الدولة للشأن الديني والنأي به عن التجاذبات السياسية حيث يشدد 73 بالمائة من التونسيين على أن "الدولة هي الجهة الوحيدة التي تمتلك حق تعيين الأئمة وعزلهم". وكان نجيب خلفالله صرح خلال لقاء تلفزي بأنه تلقى تهديدا بالعنف من بعض جماعات دينية متشددة اعتبرت أن العنوان فيه اساءة بالغة للمقدسات. ونشر ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي صورة لمخرج المسرحية وطالبوا بالتضامن معه، ومحاربة الافكار الظلامية والمتشددة ونصرة حرية الراي والتعبير والابداع، والوقوف الى جانب المثقفين ومساندتهم. ونشرت الفنانة التونسية عائشة بن أحمد صورة للمخرج ودعت الى ضرورة التدخل لايقاف الاعتداء على الفنانين والمبدعين. كما دعت كتلة الحرة التونسية بمجلس نواب الشعب، الحكومة الى اتخاذ كل التدابير اللازمة لحماية حرية الفنانين في الابداع، وتطبيق القانون على المعتدين الذين استهدفوا المخرج المعروف. وأدانت الكتلة، في بيان لها "الاعتداء الإجرامي المتطرف الذي تعرض له المخرج نجيب خلف الله في علاقة بالعمل الفني الذي قام به" مؤكدة ، "تمسكها المبدئي بحرية الابداع كضمانة لحق التونسيين في ثقافة متنوعة ومتجددة وكشرط لازم لكل خلق فني". وأعربت، عن خشيتها من أن يكون هذا الاعتداء مندرجا ضمن حملة شاملة تستعيد مناخات الفترة التي وقع فيها توظيف الدين لتقسيم التونسيين باسم "حماية المقدسات والتضييق على الحريات عبر تبني خطاب سياسي وديني يشجع على التطرف والعنف". وناشدت "الحرة" "كل القوى الحية بالبلاد للتحلي باليقظة والدفاع عن القيم المشتركة في مواجهة التطرف والانغلاق والتصدي لكل الممارسات التي توظف الدين في العمل السياسي وتساهم في بث الفرقة بين التونسيين". وافادت وزارة الثقافة التونسية أنها حاولت مرارا الاتصال بالمخرج للإطمئنان على صحته إثر الصور التي تداولتها شبكات التواصل الاجتماعي حول تعرضه إلى اعتداء. وأضافت الوزارة في بلاغ لها الثلاثاء أن الإدارة العامة للمسرح الوطني لم تستطع ايضا التواصل معه. وجدّدت الوزارة دعمها المادي والمعنوي لكل الفنانين والمبدعين والمثقفين كي يتواصل الفعل الثقافي ولترسيخ لقيم المواطنة". واثار عنوان مسرحية تونسية "الهاكم التكاثر" موجة جدل كبيرة بين رجال الدين وفي صفوف التونسيين، ووصل الامر الى فصل فنانة اردنية من نقابة الفنانيين بعد تغريدة لها حول الموضوع. واقحم رجال دين المسرحية تحت عباءة الحلال والحرام. واتهم دعاة صناع المسرحية بالكفر والمروق عن الدين الاسلامي، وطالبوا بمنع عرضها بصفة نهائية. واعتبر رجال دين ان عنوان المسرحية المقتبس من اية قرانية يحرض على الاستخفاف بالدين الاسلامي، في حين اكد البعض الاخر ان هناك ما يشغلهم على غرار محاربة التطرف الديني والفتاوى الشاذة اكثر من عنوان عابر لمسرحية. وقدمت قاعة الفن الرابع بالعاصمة التونسية "ألهاكم التكاثر"، من إنتاج المسرح الوطني التونسي، كوريغرافيا وإخراج نجيب خلفالله. ويفتتح العرض بنص بالعربية، يحكي باقتضاب عن مسار الإنسان، وما تخلفه الحياة اليومية فيه وفي جسده وروحه، من فوضى وعبودية، ومن ألم وفرح. والعرض المسرحي يقدم لوحات راقصة نقلت حكاية الإنسان المعاصر ويومياته في قالب رمزي عميق. وجسّدت اللوحات التعبيرية الراقصة مريم بوعجاجة وآمنة المولهي وسندة الجبالي ووفاء الثّابتي ووائل المرغني ومروان الروين وباديس حشّاش، والاخراج من نصيب نجيب خلفاللّه. واعتبر المخرج نجيب خلفالله ان عنوان العمل يحيل الى تهافت السياسيين على المناصب، والتناحر من أجل بلوغها، مقابل تناسي الأوضاع الحقيقية للمواطن والتغافل عنها، مضيفا أن فكرة إنتاج هذا العمل نابعة من تعدد مشاهد العنف والإرهاب التي أحاطت بالبلاد، وعدم سعي أي مسؤول في السلطة لإيجاد حلول لها أو تقديم استقالته لفشله في إدارة شؤون الناس، بل تقدميم مصالحهم الشخصية على حساب المصلحة العامة، لذلك سمّي العمل "ألهاكم التكاثر".
مشاركة :