يبدو أن الأزمة السياسية المشتعلة بين تركيا وبعض دول الاتحاد الأوروبي لن تنتهي قريباً، فالرئيس التركي رجب طيب إردوغان لا يفتأ يهاجم تلك الدول لا سيما ألمانيا وهولندا، ويتهمها بالنازية والفاشية، وهذه الأزمة التي اشتعل فتيلها مع ألمانيا ثم انتقلت إلى هولندا أصبحت حاضرة في كل لقاء جماهيري له لحث الشعب التركي بالتصويت بنعم للتعديلات الدستورية في الاستفتاء المنتظر في السادس عشر من إبريل المقبل. ووضع الرئيس رجب طيب اردوغان في لقاء تلفزيوني في إطار حملته للاستفتاء منتصف مارس النقاط على الحروف في مستقبل علاقات بلاده مع أوروبا، إذ أكد أنه لا تراجع عن المواقف والقرارات التي اتخذها هو وحكومته إزاء الأوربيين، وقال إن هناك مفاجآت بعد الاستفتاء، وأنه سيواصل وصف من يصفونه بالدكتاتور بالفاشيين والنازيين، رداً على مطالبة بعض الساسة الألمان إردوغان بالتوقف عن اطلاق صفة النازية والفاشية عليهم. هذه المناكفات السياسية قسمت الشارع التركي إلى قسمين كالعادة، بين مؤيدين لسياسات الرئيس التركي ومدافعين عنها، ويقولون: إن الرئيس إردوغان محق في كلامه ومواقفه تجاه أوروبا التي كشرت عن أنيابها، وأصبحت مواقفها العدائية لبلادهم واضحة، ولم تعد تتحمل الاستقرار الاقتصادي والسياسي الذي تعيشه، ولا تريد أن يستقل الرئيس إردوغان برأيه، وتريده أن يكون تابعاً لها، كما تعودت في فترات سابقة من بعض القيادات التركية، ويعتقد هذا القسم أن أوروبا والغرب تقف خلف معظم ما شهدته تركيا من عمليات ارهابية ومحاولات انقلابية سواء في الماضي أم الحاضر، ويتهم الغرب بمساندة ودعم جماعة الخدمة أو جماعة فتح الله غولن في تدبير المحاولة الانقلابية في الخامس عشر من يوليو العام الماضي، ويتهم الأوربيين بالتعامل بمعايير مزدوجة مع تركيا، ففي حين لا تسمح لقيادات حزب العدالة والتنمية الحاكم بلقاء أنصار الحزب في ألمانيا وهولندا، تسمح لقيادات في حزب العمال الكردستاني المصنف في لائحة الارهاب في تركيا وأوروبا بلقاء أنصارهم في مدينة فرانكفورت وغيرها في ألمانيا، لمهاجمة تركيا وقادتها السياسيين، ودعوة المعارضين إلى التصويت ضد التعديلات الدستورية. ويتوقع هذا القسم أن تزيد وتيرة العداء الأوروبي للرئيس إردوغان خاصة وتركيا عامة إذا ما انتصر في الاستفتاء المقبل، ولا يستبعد لجوء الأوربيين إلى أساليب مختلفة للنيل من أمن واستقرار تركيا. أما القسم الآخر وهم المعارضون للرئيس اردوغان وسياساته فيقول أن أردوغان ذهب بعيداً في استعداء أوروبا والغرب لتركيا، فبعد أن كان رئيس وزرائه السابق أحمد داود أوغلو يتحدث عن صفر مشاكل مع جيران تركيا، ولم يوفق في تطبيق تلك السياسة طوال فترة ترؤسه لحكومتين بين عامي 2004 و2016، جاء رئيس الوزراء الجديد بن علي يلديريم ووعد في بيانه الانتخابي بتقليل الأعداء وإكثار الأصدقاء، وذهبت تلك الوعود أدراج الرياح، وأصبحت تركيا محاطة بمجموعة من الدول المعادية لحكومتها وسياسة رئيسها. ويقول هؤلاء أيضاً إن الرئيس أردوغان يسعى إلى رفع نسبة أصوات حزبه في الاستفتاء المنتظر من خلال استعدائه أوروبا، وإن هذا الأسلوب السياسي -لعب دور المظلوم- الذي ينتهجه الحزب الحاكم قبيل أي انتخابات أو استفتاءات بات معروفاً، ويستدلون بتصريح تلفزيوني أدلى به النائب البرلماني عن حزب العدالة والتنمية الحاكم حسين كوجابيق قال فيه إن أصوات حزبه ارتفعت بنسبة 2% بعد الأزمة مع هولاندا، لكنه سرعان ما تراجع عن ذلك وقدم اعتذاره، بعد لوم قيادات الحزب الحاكم له. ولكن كيف يمكن الخروج من التعثر الذي يشهده المسار الوحدوي الأوروبي اليوم؟ الواقع أن غالبية المحللين السياسيين والمهتمين بالشأن الأوروبي متفقون على أن هذا التحدي كبير ولكنهم يرون في الوقت ذاته أنه بالإمكان كسبه على المدين المتوسط والبعيد من خلال عدة إجراءات من أهمها إعادة النظر في آلية إدارة المسار الوحدوي الأوروبي وجعلها أكثر إنصاتاً مما هو عليه الأمر حتى الآن لهموم المواطنين الأوروبيين ومشاكلهم اليومية.
مشاركة :