في بعض الأحيان يلتقي الماضي بالحاضر ويكون لذلك نتائج استثنائية. هذا تماماً ما جرى سنة 2005 في كأس القارات FIFA في ألمانيا. فقد كان الألمان المستضيفون عازمين على قلب أسلوبهم الكروي ـ المشهور بالاعتماد على العنصر البدني والتنافسية والمثابرة ـ إلى فرصة لرسم الابتسامة على وجه أبناء البلاد برمتهم، بل وحتى كلّ من هو شغوف بكرة القدم. كان ذلك بمثابة توجّه جريء للغاية بالنظر إلى أن الأسلوب الألماني كان قد أثبت مراراً على نجاعته وأوصل البلاد لنهائي كأس العالم FIFA ثماني مرات، وقاد الماكينات للتربّع على العرش الكروي العالمي ثلاث مرات منذ سنة 1954. لكن بالنظر إلى أن المنتخب كان على موعد مع خوض كأس العالم مجدداً بعد ذلك بسنة على ترابه الوطني وتحت شعار "فرصة لتكوين أصدقاء"، بدا أن التغيير محتوم، واستحوذ إغراء اللعب بشكل إيجابي على مخيلة البلاد. كانت المقاربة التي تبناها الفريق تحمل في طياتها مرح كرة القدم بدرجة جعلت بعض جماهير الفريق يظنون أن أشخاصاً انتحلوا شخصية اللاعبين وارتدوا قميص المنتخب الألماني في صيف سنة 2005. وقال يواخيم لوف ـ مساعد مدرب الماكينات آنذاك والقائد الفني لهم حالياً ـ عن البطولة التي شاركت فيها ثمانية منتخبات وكانت بمثابة بطولة إعدادية لكأس العالم 2006: "كانت تسود أجواء رائعة في الصيف، وحَفِلت بلادنا بروح التفاؤل". كان المنتخب الألماني أهلاً للتحدي ومصدراً حقيقياً للتفاؤل مستفيداً من الذخيرة الكروية للنجم لوف وكذلك من المدرب الأول يورجان كلينسمان الفائز بلقب كأس العالم 1990. فألهبت الماكينات الألمانية مشاعر جماهيرها بأسلوب متّزن وأداء هجومي. وبينما أنهى أصحاب الأرض المنافسات في المركز الثالث، إلا أنهم سجّلوا تسعة أهداف بالتمام والكمال في مرحلة المجموعات فقط. حتى أن مباراتهم الأضعف ربما في البطولة كانت هزيمة نصف النهائي على يد منتخب برازيلي قوي للغاية يتقدمه النجمان رونالدينيو وكاكا. فقد تعرّض الفريق للخسارة بثلاثة أهداف لهدفين في واحدة من أكثر مباريات البطولة إثارة بتاريخها. وفي تصريح لموقع FIFA.com، قال كلينسمان عن البطولة التي انتهى فيها مشوار الألمان بتصفيق حاد ومساندة استثنائية من الجماهير رغم الفشل ببلوغ النهائي: "عندما يستعيد المرء ذكريات بطولة لم يفز بها، لا بدّ وأن يكون هناك بعضٌ من خيبة الأمل. إلا أننا حققنا المبتغى. تمثّل هدفنا بأن نلعب بكل ما لدينا من طاقة وشغف، وأن ندفع الكرة إلى الأمام، وألا نسمح للفرق الأخرى بأن تُملي علينا أسلوب اللعب. قمنا بذلك بالفعل، وبطريقة جميلة". أما مايكل بالاك الذي سجّل هدفاً من ضربة جزاء في المباراة الافتتاحية أمام أستراليا والتي انتهت بفوز الألمان بنتيجة 4-3، فقد قال: "ساندتنا الجماهير بقوة. وقد احتضنت البطولة ونفذت تذاكر كافة المباريات. كانت للبطولة أهمية كبيرة، وهو ما لحظته كلاعب. أحدث ذلك فارقاً وشكّل حافزاً كبيراً". إن دقق المرء بالنتائج وتغاضى عن كل العوامل الأخرى، يمكن القول إن التغيير الكبير في أسلوب لعب المنتخب لم يأتِ بنتائج استثنائية. حيث لم يحصد الفريق سوى المركز الثالث في البطولة، وهو نفس المركز الذي احتلّه في كأس العالم سنة 2006 وكذلك بعد أربع سنوات في جنوب أفريقيا 2010. إلا أن هذا التغيير كان بمثابة زرع بذور مستقبل مجيد حافل بالإنجازات تكلل بالتربع على العرش العالمي للمرة الرابعة سنة 2014. في صيف هذا العام وعلى التراب الروسي، سيخوض الألمان ـ من مركزهم كأبطال للعالم ـ منافسات كأس القارات مجدداً، حيث الموعد سيكون مع المزيد من التفاؤل والأمل بتغييرات تقلب الموازين. فكونوا على الموعد لمتابعة الأهداف وعيش الإثارة عندما تحصد الماكينات المزيد من ثمار بذور زرعتها سنة 2005.
مشاركة :