عبده الأسمري في ملعب ترابي بين مباني حي البغدادية في جدة في الستينيات كانت عيناه البريئتان وهو طفل تراقبان أسوار النادي المجاور لمنزل أسرته تارة ولوالده العاشق للكرة تارة أخرى. ووسط أزقة الحي داعبته كرة القدم قبل أن يداعبها ويعرف أسرارها ويجعلها عنواناً لتفاصيل عبقرية كروية مستقبلية. لاعب بارع ذو نجم ساطع وخط فارع في عالم «المستديرة» خطف السبق بسيرة تفوح بالعبق الممزوج بالإمتاع والإبداع. إنه الأسطورة الكروية ونجم السعودية والخليج والعرب وعميد لاعبي العالم ماجد عبدالله.. الرقم الأول على خارطة الكرة السعودية والنجم المتربع على مسارات التصنيف الكروي الخليجي والعربي والقاري. جوهرة العرب.. الأسطورة.. جلاد الحراس.. بيليه العرب.. سيد المهاجمين عملاق آسيا.. السهم الملتهب ماجد الذي صنع المجد كروياً لاعباً وقائداً ونجماً وحلق في سماء الأولويات باكراً، فيما انشغل غيره بالبحث عن التصنيفات والمسميات بحثاً عن الفلاشات، بينما كان ماجد يرسم الإبداع بلوحات خاصة وسط المستطيل الأخضر.. لم يرتهن إلى أضواء الإعلام في وقت كانت فلاشات المصورين وكاميرات الملاعب وأضواء الإعلام تحتار كثيراً وتخذل أكثر في سباقها لملاحقة إبداع ماجد الذي تجاوز عدساتها بضربة رأس استقرت في الشباك بأعجوبة أو هدف إبداعي بتوقيعه أو حفلة «مراوغة» أو مسرحية «محاورة» كان ماجد فيها يجندل المدافعين والحراس وكأنهم يواجهون فريقاً بأكمله في لاعب واحد. ماجد الذي انتقل من جدة إلى الرياض ليعزف سيمفونية من الإبداع في حواري الرياض، اصطاده كشافو نادي النصر فحير كبار المدربين البرازيليين من وجود لاعب سعودي يجاري البرازيليين في المهارة ويتفوق على الأوروبيين في اصطياد الفرص ويهزم كل المشهورين في طريقة تسجيل الأهداف. 22 عاماً قضاها ماجد وقضتها الملاعب معه، فاقتضت الموهبة أن يصنع منها سيرة كانت الأولى قارياً، وسابق ماجد بها لاعبين عالميين بالأرقام القياسية ومعدلات التميز. تجاوز ماجد ولا يزال إنجازات من سبقوه وترك من خلفه حائرين في الوصول إلى القمة التي تربع عليها «قائداً» و»لاعباً» و»نجماً» و»هدافاً» وحتى «في مزايا اللاعب الخلوق». حقق ماجد كأس آسيا مع المنتخب السعودي مرتين، وكان في الأولى هدافاً ونجماً، وفي الثانية سراً من أسرار الفوز والإنجاز، فقاد المنتخب للتأهل إلى الأولمبياد العالمية عام 1984، فكان هدافاً للتصفيات الأولية والنهائية، ولامست قدماه ملاعب أمريكا عام 94 قائــداً للمنتخب في أول مونديال عالمي. كما حقق مع ناديه 11 بطولة محلية وقارية وخليجية، فنال عن جدارة مرتبة الانفراد، فكان الهداف الأول والأبرز مع فريقه النصر ومع منتخبه الوطني طيلة مسيرته الذهبية. لماجد قصة خاصة ورواية ميدانية منفردة في تسجيله الأهداف الشهيرة بماركته سواء بالرأس أو بالقدم لأن الهدف يتحول من نتيجة إلى حكاية إبداع ومنهج إمتاع، فأهدافه في الصين وكوريا والكويت وماليزيا دولياً تعد الأبرز والأفضل حتى الآن، وسُجلت على مسار الأولويات قارياً وخليجياً وتاريخياً، وهز ماجد شباك أقوى منتخبات العالم مثل البرازيل والأرجنتين وعلى طريقته الخاصة. لا تزال أهداف ماجد المحلية حاضرة في ذاكرة السعوديين بالتمويه والمراوغة وزلزلة الدفاعات وتسطير ملحمة خاصة بطريقة لا يعــرف أسرارها سوى ماجد ويتذكرها المدافعون والحراس الذين كانوا أمام مشهد ماجدي من الإبــداع الكـروي انتهى بقصة هدف لا يُنسى ولا يتكرر. نال ماجد عمادة لاعبي العالم عام 1995، وتصــدر قائمــة نادي المائة الدولي، وكان الأول كعادته على مستوى آسيا والعرب بـ147 مباراة دولية، فكان العميد لمدة 3 سنوات متتالية، وبالرغم من الاعتزال لا يزال اسم ماجد حاضراً على قائمة أولويات «الفيفا»، وإلى جانب أبطال ونجوم العالم، واضعاً السعودية كرقم خاص وصعب على الخارطة الكروية للعالم. لا يزال ماجد عبدالله ظاهرة كروية وحالة استثنائية ويسير في مجال خاص من الإنجازات، فهو اللاعب الذي لم يجلس على دكة الاحتياط، ولم يغادر اسمه قائمة الأخضر، ولم يغِب عن الإنجازات، ولم يتوارَ طيلة مسيرته عن معانقة الانفراد ومعايشة الإنجاز، وتمتلئ سجلات نادي النصر الذي يعشقه ماجد وترتبط جماهير الشمس باسمه كثيراً بالمواقف والدعم ومعدلات الإنجاز ومعادلات البطولات التي أنجزت بتوقيع ماجد ورفاقه في كتيبة «الشمس»، وحقق معها عشرات البطولات المحلية والخليجية والقارية. أولويات كثيرة ومسارات أولية يصعب حصرها أو اختزالها في مساحة محدودة من الكتابة، ولكنها مطبوعة ومحفورة في ذاكرة التاريخ وفي سجلات المجد وفي قلوب عشاق ماجد، الذي اعتزل اللعب عام 1418هـ، فاعتزلت معه المتعة الحقيقية لكرة القدم وغادرت باعتزاله عديد من ملامح الإنجاز والإبداع.. حتى عاد ماجد من جديد كعادته مبدعاً بالتحليل الفني والتعليق الرياضي عبر عديد من الفضائيات، كما كان عاشقاً للكرة وبطلاً رياضياً لا يُشق له غبار، حيث يظهر فضائياً في عدة قنوات محللاً متخصصاً بإبداع خاص على طاولة التحليل كما كان متفرداً داخل المستطيل الأخضر.
مشاركة :