عندما يعيش الفنان تراثه المحلي وبيئته بفنه وتفاصيل حياته فإن ذلك لا يعني أنه عاش أو سيعيش أسيراً لحقبة من التاريخ مضت ولمفردات تجاوزتها عجلة الزمن والتطور, ولكن يمكن أن يكون ذلك الإرث والتراث ومفرداته متكأً وقاعدة ومنطلقاً للفنان في عالم الإبداع المعاصر المتجذر من أصالة غنية برؤية بصرية زاخرة بكثير من الجمال التراثي المتطور, وكأحد النماذج المهمة في التعامل المتجدد مع التراث المحلي بوعي تأتي مسيرة الفنان عبدالوهاب عطيف التشكيلية التي امتدت قرابة الثلاثين عاماً من العطاء والبحث والتقصي في موروث منطقته جازان بين الزخارف والنقوش والمشغولات اليدوية وتفاصيل الحياة اليومية والألوان الشعبية والأزياء التراثية, وهي صورة من العشق للموروث المحلي الذي خرج به من إطار التقليدية والتسجيلية إلى أفق أوسع، فبعد أن استخدم الخوص الجاهز وسيطاً ليرسم عليه شيئاً من طقوس الحياة اليومية بجازان اتجه إلى منطقة أكثر تفرداً في عمله وخصوصية بمنطقته، وذلك من خلال اشتغاله على الفل، جاعلاً منه ذاكرة جمعية لجمال جازان وتفاصيل الحياة فيها، حيث قدم الفنان عبدالوهاب عطيف في أعماله الأخيرة التي عنونها بذاكرة الفل، مجموعة أعمال مستمرة ومتنامية من سنوات، وهو ذات الاسم الذي أصدر به كتاباً من نادي جازان الأدبي عن تجربته في العام 1436هـ, وكنتيجة حتمية لتنامي عمله، قدم -مؤخراً- في معرض تراثنا حبنا الثالث بالرياض، عملاً تركيبياً متكاملاً يمثل ذاكرته الممتدة بالفل وردائمه، وهو مشروع خاطب فيه جميع الحواس، وتمازج فيه عدد من الفنون؛ فالصورة التشكيلية حاضرة مع الفنون الأدائية التراثية مع ردائم الفل وروائحها, كان منطلق مشروعه من عمل مسندي رسم فيه نصف وجه لسيدة حسناء تشرق من بين عرائش البيوت الجازانية، تمتد منها عقود الفل تمتزج بالأرض والناس في عمله المسندي، لتخرج عن إطار اللوحة على هيئة عقود من الفل الحقيقي الذي كتب به الفنان على الأرض جازان الفل بين صفين من أعضاء الفرقة الشعبية الجازانية الذين قدموا فنونا أدائية خاصة بالمنطقة حتى وصلوا إلى عمله التركيبي العريش الذي بناه الفنان من الحديد المزين بالنقوش الجازانية برؤية زخرفية ذاتية للفنان تعتبر ثمرة تجربته في عشق موروثه الجازاني.
مشاركة :