الرسام السعودي عبدالوهاب عطيف في ذاكرة الفل

  • 7/27/2015
  • 00:00
  • 7
  • 0
  • 0
news-picture

كان مهموماً في وصف العطر لا الزهرة. عبدالوهاب عطيف الرسام السعودي الذي وصل بمعرضه «ذاكرة الفل» إلى أبو ظبي بعد أن عرضه في عدد من المدن السعودية، يسعى إلى أن يكثف قدرته على أن يمزج البصري بالمتخيل. زهرته التي لا ترسم يمكنها أن تتسع للكثير من الوقائع الشخصية التي ينتمي بعضها إلى حاستي السمع والتذوق. إنها المكان الخفي الذي يمهد استخراجه من خفائه لظهور الكثير من الأمكنة التي تنقل بينها الرسام وهو يحلم بزهرته الوحيدة. كان ولع عطيف بالحرف وهو المتخصص بالتاريخ مصدر اهتمامه بالإيقاع. كان من الممكن أن يكون رساماً حروفياً، يشده التجريد إلى عالم تغلب عليه الإيقاعات المنتظمة، غير أن الطبيعة أسرته. الطبيعة علمته شيئاً أكبر من الوصف. أن يكون متناغماً معها. لذلك صار يرسم انطباعاته الشخصية. شيء من (الفل) سيكون موجوداً في كل لحظة نظر. لم يعد الرسم ممارسة بصرية خالصة. عبدالوهاب عطيف يمزج ما يراه بما يتذكره. إنه يرغب في أن يشم الرائحة. لا رائحة الزيت الذي يستعمله في رسم لوحاته بل تلك الرائحة التي تنبعث من الكائنات التي يرسمها، وهي كائنات صار يتعرف عليها كما لو أنها ولدت لترسم، لتكون موجودة من خلال الرسم. هي كائناته التي يهيم بها، التي تصنع منه رساماً. يميل عطيف إلى أن يكون واقعياً ولكن الواقع الذي يتخيله يخونه. قوة الزخرفة في خياله تدفع به إلى الإقامة في أوقات سعيدة. أوقات يتمنى المرء لو كان في إمكانه أن يستعيدها. يتكرر الإيقاع ليؤكد وجود ذلك الكائن الصلب الذي لا يقبل بسوى الوصف حلاً. هنا بالضبط تبدأ حيرة الرسام. لذلك يفتت عطيف زهرته ليحيلها رماداً. إنه ينصت إلى وقع خطى كانت هي عبارة عن هذيانات لعطر تلك الزهرة. عطيف يرسم تلك الهذيانات كما لو أنها تُرى. يستحضرها باعتبارها جزءاً من حقائق حياته. الإرث الجمالي الذي يقاوم الزمن. هل يحارب الرسام المكان الذي هو الصحراء بذاكرة زهرة واحدة؟ هنا بالضبط يقع معنى التجربة لرسام من نوع عبدالوهاب عطيف. لم يخذله المكان، ذلك لأنه أتاح لنفسه أن يرى المشاهد كما هي ليتخيلها فيما بعد. حين يرسم. كان مخلصاً إلى تلك المشاهد بقدر إخلاصه لخياله الذي أعاد وصفها. الرسام هنا يستأنف مصيره فرداً كان قد تخطى الجمع في طريقة النظر. عبدالوهاب عطيف يرسم كما لو أن أحداً لم يشاركه النظر إلى موضوعاته. كل ما يرسمه هو وليد خيال يديه. سيكون عليه دائماً أن يحتمي بزهرته، وهي ذريعة عزلته. «هل كنت هناك دائماً؟» لم يسأله أحد. غير أنه سيكون مضطراً للإجابة «كنت هناك دائماً». يتيح عطيف للجغرافيا أن تقلق التاريخ برائحة زهرته. علينا أن نصدق أن هذا الرسام يتوهم أنه يرسم الرائحة وعلينا أن نصدق أن ما نراه في رسومه ليس سوى روائح تنبعث من عالم كان قد اختبره وعاش فيه. أحياناً، تطغى الزخرفة حتى تبدو المحاولة كما لو أنها تنتمي إلى فن الاوب آرت، غير أن الرسام لا يمضي إلى النهاية. فسرعان ما تستيقظ نزعته الواقعية فيعود أدراجه إلى المشهد الذي ألهمه تلك الأنغام البصرية.

مشاركة :