وصف فضيلة الشيخ عبدالله محمد النعمة الشائعات بأنها مرض من الأمراض الاجتماعية الخطيرة، ومن الملوثات المفسدة المعروفة من قديم الزمان، لكنها في هذه الأيام أخذت في الانتشار والتنوع، حتى باتت تهدد أمن الناس وأرواحهم وأعراضهم وعلاقاتهم. وقال في خطبة الجمعة التي ألقاها بجامع الإمام محمد بن عبدالوهاب، إن الإشاعة تؤذن بعواقب وخيمة لا تُحمد عقباها، ولا تُحصر نتائجها على الأفراد والمجتمعات فحسب، إنه مرض نقل الشائعات بلا تثبت ولا تبين، إنه لوثة نشر الأكاذيب الملفقة بلا تحر ولا ترو، مما انتشر في هذه الأيام بصورة لافته، وخاصة في وسائل الإعلام من فضائيات تدعي زوراً الحياد في نقل أخبارها، أو ما انتشر بين الأفراد من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، وما به من كذب وبهتان، بل تجرأ البعض على نشر الأحاديث الباطلة والكذب على النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو في الحقيقة يُعَدُّ من أخطر الحروب المعنوية والأوبئة النفسية، التي تخلخل الأمن وتزرع الخوف، وتقضي على الثقة. وأضاف: "كثرت الشائعات الملفقة، وتعددت وسائلها عبر وسائل الإعلام بشتى أنواعها، وتساهل الناس في تناقلها وتصديقها، دون تروٍ وتثبت، ودون النظر في العواقب، أو مراعاة لخطرها وتأثيرها على الأفراد والجماعات، بل على دول وأمم، حتى راجت سوق الشائعات في هذا العصر بشكل لا مثيل له، ونفقت بضاعتها، وتعددت أشكالها وألوانها، من تناقض في الأخبار والرواة، وتعدد في المصادر والوسائل، فهذا ينفي والآخر يؤكِّد، وذلك يشكك والآخر يظن. إياكم والكذب في الأخبار حذَّر النعمة من نقل الأخبار دون التثبت من صحتها، أو التحقق من صدقها، بحيث إنك إذا بحثت عن تفاصيلها، وفتشت عن أصلها وجدتها لا تعدو أن تكون إفكاً وكذباً وزوراً، يحمل عليها أحياناً الفراغ، وأحياناً حب إيذاء الآخرين والوقوع في أعراضهم، وتشويه سمعتهم، وأحياناً الفضول وقطع الأوقات في المجالس بالغريب من القول والأخبار، وأحياناً بدافع من الجهل وعدم المبالاة وعدم التورع عن نقل الأخبار أو الأحاديث النبوية والفتاوى الشرعية. وذكر خطيب جامع الإمام أن الإسلام جاء بمنهج واضح عظيم، وأدب قرآني فريد في تربية أتباعه على التعامل مع الأخبار، ونقل الشائعات وتصديقها، في ميزان دقيق يقوم على التحقيق والتمحيص، والتثبت والاعتدال، حيث أرشد الله عباده إلى ذلك، وأمرهم بالتروي عند نقلها، ثم حذرهم من العواقب الوخيمة في المسارعة إلى تصديق الشائعات وقبول الأخبار دون تحَرٍّ وتبيُّن. وأضاف: «لأن كل ما يسمعه المرء يختلط فيه الصدق بالكذب، قال النووي -رحمه الله-: فَإِنَّهُ يَسْمَع فِي الْعَادَة الصِّدْق وَالْكَذِب، فَإِذَا حَدَّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ فَقَدْ كَذَبَ، لإِخْبَارِهِ بِمَا لَمْ يَكُنْ -وإن لم يكن متعمداً-». وحذَّر من التغريد بالكذب، وقال، إنه ضعف الوازع الديني، حيث تجرأ المرء على الاستخفاف بالحرمات، واستمرأ الكذب واتخذ من الشبهات مطايا، بل قد لا يتورع في نشرها وإرسالها ونقل الأقوال الملفقة، إنه السماح بانتشار الشائعات وقبول كل خبر دون تروٍ وتثبت. المجتمعات الصالحة تحارب الظنون قال النعمة في خطبة الجمعة، إن المجتمعات الصالحة إنما تبنى بمحاربة الظنون وطرح الريب وتمحيص الأخبار ورفض الشائعات، وتقوم على الحقائق وحدها، فمتى شاع فيها الحق والعدل، وانتشر فيها الصدق صلحت وسادت، ومتى كانت الأكاذيب والشائعات هي الرائدة بين أفرادها، والمتحكمة في قراراتها فشلت فشلاً ذريعاً، وسقطت في هوة سحيقة لا قرار لها من التهريج، والادعاء والظنون، "وإن الظن لا يغني من الحق شيئاً"، قال تعالى: "وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ? إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَ?ئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا". قال قتادة: "لا تقل: رأيتُ ولم ترَ، وسمعتُ ولم تسمعْ، وعلمتُ ولم تعلمْ، فإن الله تعالى سائلك عن ذلك كله". حفظ للدين .. ورجاحة للعقل شدَّد «النعمة» على أن التثبت من الأخبار، والتبين عند الشائعات يحفظ لنا ديننا، وهو دليل على رجاحة العقل، وسلامة التفكير، واحترام النفس، يحفظ الأرواح ويصون الأعراض، ويحقن الدماء، ويثمر الثقة في النفس، ويبعدها عن الظنون والشكوك والهواجس، ويقي المجتمعات والأفراد من مخاطر القرارات السريعة العشوائية المبنية على الأخبار المكذوبة، والشائعات المنقولة، والعاقل المنصف هو من يزن ما يسمع وما يقال له من الأخبار والشائعات قبل أن يُقْدِمَ على تصديقها، أو نقلها، فما كان منها باطلاً أهمله، وما كان حقاً أخذ به، وما لم يستبن فيه تثبت حتى يتبين له الحق والصدق، هذا هو عين العقل والشجاعة.;
مشاركة :