ومن يلوم القلب العربي المرهف عندما يعشق العيون الزرقاء، والملونة، بعد أن أمسى غربي الهوى، مقاوماً فتك العيون (السود) التي طالما أودت به؟ والآن –أيضا- كأننا فهمنا لماذا تخلصت أمريكا من العقيد؟ وفقا للتفسير التآمري للأحداث فقد اكتشف الرجل سر أفريقيا فنصّب نفسه ملكا لملوكها، وأطلق عليها "الولايات المتحدة الأفريقية"، وترك للعرب قوميتهم. وهنا يمكننا أن نضع مقالة وزير الخارجية الأمريكي جون كيري التي نشرتها صحيفة الحياة في عددها 12941 بالتعاون مع خدمات واشنطن بوست في سياق التآمر الأمريكي الذي يطمع في امتلاك ثروات العالم وإبعاد من يزاحمه، لكن للقصة وجها آخر. السيد كيري كان عراب تقسيم السودان، وهو من رفع لواء التبشير في جنوب السودان منذ مدة طويلة، وعمل ومعه عدد من أعضاء الكونجرس والناشطين على إطلاع الشعب الأمريكي على ممارسة شمال السودان العنصرية ضد الجنوب، ومن ذلك استرقاق السكان الأصليين. الانقسام الذي حصل بين سلفاكير ونائبه مشار وما نتج عنه من قتل ودمار وتهجير أزعج الأمريكيين، ومن سوء حظ جون كيري أنه وزير الخارجية أيضا ما يعد فشلا ذريعا للسياسة الأمريكية، ولذلك فمقالته تدخل ضمن سياق بث الأمل وتحفيز العنصرين المحلي والخارجي للانتباه لأفريقيا المستقبل التي يرى الوزير الأمريكي أنها "تستطيع أن تكون منارة للعالم؛ فالتحولات الديمقراطية ممكنة (ربما يقصد ما يحدث من تحولات ديمقراطية في الصومال، وأفريقيا الوسطى، ومالي، وجنوب السودان)، والرخاء يمكن أن يحل محل الفقر (وكأنه يذكرنا بالمصور الغربي الذي انتحر عندما رأى طفلا أفريقيا يزحف بحثا عن لقمة عيش تنقذه من الموت بينما وقف النسر خلفه موقنا بأنه جيفته القادمة)، ويمكن للتعاون أن ينتصر على الصراع "وبذلك تتحول أفريقيا إلى جنة سوداء على غرار سواد العراق. وسواد العراق وفقا للحموي في معجم البلدان" «سمي بذلك لسواده بالزروع والنخيل والأشجار لأنه حين تاخم جزيرة العرب التي لا زرع فيها ولا شجر كانوا إذا خرجوا من أرضهم ظهرت لهم خضرة الزرع والأشجار فيسمونه سوادا كما إذا رأيت شيئا من بعيد قلت: ما ذلك السواد؟ وهم يسمون الأخضر سوادا والسواد أخضر" ومن المؤكد أن مجنزرات الجيوش الأمريكية التي وطئت أرض العراق قد ذهبت بذلك السواد فبات سواد العراق يصدِّر لنا العواصف الترابية بدلا من سلال الغذاء. لكن السيد كيري ربما يكون محقا، ففرضياته وإن بدت مثالية قد تتحقق، وهناك اليوم من يشتري في أفريقيا ضمانا للمستقبل، حيث الماء والأرض الزراعية واليد العاملة الرخيصة؛ وهي ثلاثة عوامل مناسبة للعودة للعصر الزراعي والاكفتاء الذاتي. ويسند هذا الأمل الذي طمأن به السيد كيري الشعب الأمريكي والعالم وحفزهم على دعم أفريقيا مؤشرات واقعية تتنبأ بمستقبل مزدهر للقارة السمراء وفق اشتراطات واضحة. تقول الدراسات التنموية بأن سكان أفريقيا ما تحت 24 سنة سوف يمثلون عام 2025م 20% من سكان العالم، وأن أفريقيا تمتلك حوالي 10% من المخزون النفطي المؤكد، كما أنها تملك نصيبا من معدنيْ الكروم والبلاتين يصل إلى 90% مما يملك العالم، وحوالي 50% من مخزون العالم من الذهب والألماس واليورانيوم، وأن هناك محفزات تدعم مستقبل أفضل لأفريقيا تتمثل في الإنسان، والاقتصاد العالمي الذي يترنح ويجد في أفريقيا منقذا خاصة في مجال الغذاء، والغذاء والمناخ، والتكنولوجيا واليد الماهرة. هذه المحفزات متفاوتة ولكنها قد تتضافر بحلول عام 2025م فيما لو تحققت ضمانات الاستقرار والأمن، أما شرط الديمقراطية فأشك أنه قريب المنال على النمط أو الرغبة الأمريكية، لكن كيري لابد أن يعلي ذلك المطلب إرضاء للغرور الأمريكي، وتمشيا مع مبادئ الحزب الديمقراطي الذي ينتمي إليه. كل شيء ينمو، ودوام الحال من المحال، ومن عرف مجاعة الجزيرة العربية قديما حينما كان القنصل المصري في جدة يفتح باب قنصليته لتوزيع الأرزاق على الجوعي، وتتوقف السفن العابرة لتسقي الناس وتطعمهم، ويسافر أجدادنا إلى "مصوع" ودول القرن الأفريقي طلبا للحياة، ثم ها نحن في خير كثير بحمد الله. ولذلك فإن نهوض أفريقيا غير مستبعد، وعندها سوف نترحم على الذي بشّر بهذا المستقبل الواعد للولايات المتحدة الأفريقية، لكننا لايجب أن نأمل كثيرا في عصا أمريكا السحرية، فبمجرد أن يستقيم الوضع في جنوب السودان سوف تنشغل بغير أفريقيا إلا إذا رأت تحركا روسيا أو صينيا في أفريقيا يهدد مستقبل محمية دول حلف الناتو. ومرة أخرى، أين نحن من أفريقيا؟ البعض سيجيب بأننا ننتظر أن تعمرها أمريكا والغرب لنستورد منهم كما يستوردون القهوة من كينيا ويصدرونها لنا. نحن العرب لا نطيق المبادرة، لكننا نجيد العمل من خلال طرف ثالث. مولعون نحن العرب بالواسطة، والوسيط، والعمولات.
مشاركة :