«درع الفرات»... منطقة آمنة مع وقف التنفيذ

  • 4/11/2017
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

بعد إعلان أنقرة انتهاء عملية «درع الفرات» في الشمال السوري، التي كان هدفها الرئيسي إبعاد كل من تنظيم داعش و«قوات سوريا الديمقراطية» عن حدودها الجنوبية، تنصرف قوى المعارضة العسكرية والمدنية على حد سواء إلى ترتيب شؤون هذه المنطقة التي تتمتع بمعظم مقومات «المنطقة الآمنة»، حيث إن استمرار الخلافات الدولية وبالتحديد «الأميركية - الروسية - التركية» يمنع إعلان ذلك رغم كل الضغوط التي تبذلها أنقرة في هذا المجال. ويتمركز الجنود الأتراك في قواعد عسكرية أنشأوها في هذه المنطقة التي تمتد من جرابلس إلى أعزاز شمالاً، وفي عمق 30 كلم نحو «الباب» والحدود الإدارية لمنبج، وهم لا يدخلون إلا نادراً جداً إلى المدن والقرى، ويتركون مهمة إدارة شؤونها لفصائل «الجيش الحر» و«المجالس المدنية» التي تواجه صعوبات جمة وبخاصة في المناطق «المحررة» حديثاً، كمدينة الباب؛ حيث زرع تنظيم داعش، كمثال، الألغام في كل الشوارع دون استثناء وحتى داخل المنازل، ما أدّى لمقتل عشرات المدنيين الذين قرروا العودة إلى بيوتهم في الأسابيع الماضية. ويقول مصطفى سيجري، رئيس المكتب السياسي لـ«لواء المعتصم»، وهو جزء من غرفة عمليات «درع الفرات»، إن أعداد السكان في المنطقة تضاعفت، لافتاً إلى أنه إذا كان سكان إحدى المدن قبل عام 2011، 50 ألف نسمة، فقد بات اليوم وبعد تحريرها من «داعش» 100 ألف. ويضيف سيجري في تصريح لـ«الشرق الأوسط»: «لكن هؤلاء يرزحون تحت أوضاع إنسانية صعبة للغاية لغياب البنى التحتية، كما أن معظمهم يعيشون في مخيمات تفتقر لأدنى مقومات العيش». وتتولى الجمعيات التركية حصراً وأبرزها الـ«Ihh» تقديم المساعدات لسكان مناطق «درع الفرات»، وتستغرب قوى المعارضة السورية غياب المنظمات الدولية بالكامل عن المشهد في المنطقة، التي باتت تضم نحو مليوني شخص، كما يؤكد سيجري، لافتاً إلى أن قسما كبيرا منهم من الأهالي الأصليين لهذه المدن والقرى والقسم الآخر من اللاجئين الذين ما زالوا يتوافدون من مخيمات تركيا كما من أرياف حلب وإدلب، وأخيراً انضم إليهم أهالي حي الوعر بعد تهجيرهم من حمص. ورغم المصاعب الكبيرة التي يواجهها مئات الآلاف من السوريين في «درع الفرات» «فإنهم يشعرون بالأمان وببعض الحصانة؛ لوجود الجنود الأتراك في قواعد عسكرية قريبة»، ويضيف سيجري: «بشكل عام ومنذ الإعلان عن عملية درع الفرات يتولى فقط الطيران التركي أجواء المنطقة، وقد حصل استثناء في فترة من الفترات حين قصف الروس مدينة الباب... أما الآن فلا تجاوزات تذكر». بالمقابل، يؤكد مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان أن الطيران الروسي والسوري كما طيران التحالف الدولي والطيران التركي يحلق فوق منطقة «درع الفرات»، مشدداً في تصريح لـ«الشرق الأوسط» على أن «لا وجود لمنطقة آمنة في سوريا ما لم يصدر قرار عن مجلس الأمن الدولي تحت الفصل السابع». من جهته، يشير مدير مركز «جسور للدراسات» محمد سرميني، إلى أن حجم منطقة «درع الفرات» يبلغ نحو 3000 كلم، وتتوفر فيها مواصفات البيئة الآمنة، من حيث الخدمات والأمن وعدم وجود قوى عسكرية غير منضبطة، إضافة للدعم المستمر من قبل الجانب التركي، لافتاً إلى أن ما يحول دون إعلانها منطقة آمنة حتى الساعة هو عدم وجود قرار سياسي، وغياب الغطاء الأميركي بشكل خاص أو قرار من مجلس الأمن يحظر الطيران فوقها. وأضاف سرميني في تصريح لـ«الشرق الأوسط»: «يمكن الحديث عن منطقة حظر جوي حالياً بفعل الأمر الواقع فقط». وأعلنت تركيا نهاية الشهر الماضي استمرار وجودها العسكري في سوريا رغم إعلانها رسمياً انتهاء عملية «درع الفرات». وقال الجيش التركي إن عملياته «مستمرة لحماية أمننا القومي، ومنع تواجد أي كيانات غير مرغوب فيها، وللسماح لإخواننا النازحين السوريين بالعودة إلى منازلهم، وكذلك ضمان الأمن والاستقرار بالمنطقة». وتمكنت الفصائل السورية التي تدعمها تركيا من السيطرة على مناطق عدة منذ أغسطس (آب) الماضي بعد طرد تنظيم داعش منها وأبرزها جرابلس والراعي ودابق، وأخيراً مدينة الباب التي تمت السيطرة عليها في فبراير (شباط) الماضي. وتعدّ مشكلة الألغام التي زرعها عناصر تنظيم داعش في شوارع مدينة الباب بريف حلب الشرقي، قبيل انسحابهم منها بعد معارك دامت لأشهر مع فصائل الجيش الحر المدعومة تركيا، من أكبر المشاكل التي تواجه المدنيين في العودة لمنازلهم. وأشارت مواقع تابعة للمعارضة إلى أنّه تم تفكيك ما يزيد على 1700 لغم حتى الآن، فيما انفجرت عشرات الألغام بمنازل المدنيين وشوارع المدينة. وفي هذا السياق، قالت مصادر ميدانية لـ«الشرق الأوسط» إن فصائل «الحر» تواجه صعوبات كبيرة بما يتعلق بموضوع الألغام المنتشرة حتى في الشوارع الفرعية، لافتة إلى أن عناصر «داعش» حرصوا على تفخيخ كل شبر من المدينة. وأضاف: «كما أن عودة المدنيين بأعداد كبيرة إليها يصعّب مهمة الفرق المتخصصة بعمليات تفكيك هذه الألغام ما أدى لمقتل عشرات الأشخاص في الفترة الماضية». ولم يكتف «داعش» بزرع القنابل في الشوارع، بل نصب أفخاخاً متفجرة داخل المساكن، فربط عناصره مثلاً بعضها بلوحات مفاتيح الكهرباء بحيث تنفجر مع محاولة السكان إعادة الكهرباء لمنازلهم. وتحدث أحمد نصار، أحد العائدين إلى مدينة الباب عن بطء شديد في تفكيك الألغام، حيث لا تزال الشوارع الفرعية في المدينة مغلقة خوفاً من وجود تلك الألغام، مضيفاً أن لغماً انفجر بعائلة أحد أقربائه، وذلك أثناء محاولتهم الدخول إلى بيتهم، الذي أخرجوا منه قبل ثلاثة أعوام. من جهته قال صالح العمر عضو تنسيقية مدينة الباب وضواحيها، إن عملية تفكيك الألغام الظاهرة يقوم بها أشخاص ذوو خبرة بتفجير مقالع الحجارة، بالتعاون مع عناصر الدفاع المدني، لافتاً إلى أن عدد القتلى الذين قضوا جراء انفجار الألغام منذ السيطرة على المدينة وصل إلى نحو الستين وقرابة الأربعين جريحاً.

مشاركة :