بين العاطفة والواقع

  • 5/7/2014
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

النسخة: الورقية - سعودي كيف تقرأ الخبر التالي: «نفذت معلمتان في الابتدائية الـ 38 بمدينة أبها مشروعاً خيرياً، بتوزيع أكياس تحوي ماء وعصيراً وفطيرة، ومبلغ 10 ريالات لعمال النظافة، لإدخال الفرحة والسرور عليهم، إيماناً منهما بالعمل التطوعي، وما يدخله من بهجة على هؤلاء العمال»؟ بالتأكيد هي لفتة إنسانية، وجزء من منظومة الأخلاق في ثقافتنا الإسلامية السمحة، وموروث اجتماعي إذا اعتبرناه كرماً، وكثير من الانطباعات الحسنة التي تستحقها اللفتة، وبالطبع المعلمتان الجميلتان في روحهما التطوعية. بمنظور عملي وواقعي، أجد كثرة المبادرات تجاه عمال النظافة تحديداً على ما فيها من الخيرية والتعاطف الإنساني الجميل، هي في واقع الأمر قصة تخبرنا عما وراء سطورها من مشكلات إدارية واقتصادية واجتماعية وبيئية عدة، وربما نفسية إذا ذهبت بعيداً. إدارياً واقتصادياً هي بمثابة إقرار بعدم ملائمة أجور هذه الفئة من العمال، وبعدم تقديم ظروف عمل وإقامة ورعاية كافية من شركات تفوز بمناقصات بليونية الحجم للنظافة، بخاصة في المدن الكبرى، ويأتي المجتمع ليدفع الفاتورة الأولى مجبراً، وهي إهماله لأعماله بحثاً عن الصدقات، والفاتورة الثانية مختاراً بأن يدفع لهم المال والطعام، وبعض المساعدات لمعرفته بأحوالهم. اجتماعياً ستظل ممارسة الشفقة والعطف والصدقات لهذه العمالة جزءاً من الصورة الذهنية لدى الناشئة، وهي صورة تتكون من مهن وأعمال عدة، بات العمل فيها في وعي أبنائنا مقروناً بالجنسية، وبات بعضها كعامل النظافة مقروناً بالفقر والحاجة، وبنوع من الإقرار بالاضطهاد، فإحداهن سألت والدها عندما رأته يقدم لأحدهم «ساندويتش» الصباح: «هذولي ينامون هنا ما عندهم بيت ولا أكل»؟ بيئياً ستكون صدقتنا الحقيقية لهم ولنا معاً خفضاً لكمية النفايات، لأنها بالفعل قياسية. تريد أن تساعد هذا الفقير المسكين؟ انظر أولاً إلى حجم نفاياتك، نريد جميعاً أن نتصدق عليهم، يجب أن يفكر اللامتحضر الذي يرمي في الشارع من سيارته أو منزله علبة أو منديلاً أو أية مخلفات ألف مرة قبل فعل ذلك، لأن عينا الحكومة والمجتمع لن ترحمه. سيساعدهم كثيراً أن تكون كل النفايات في أوعية محكمة الإغلاق، وأن تكون شوارعنا الصغيرة داخل الأحياء ليست بحاجة للالتقاط اليومي لكل ما يرمى، بخاصة من ركاب السيارات. حديثي ليس دعوة لعدم منحهم ما تودون، فالعطاء سمة إنسانية راقية، لكن منحهم حقهم الكافي من شركاتهم، والرقابة المشددة عليها، ستمنحهما شعوراً أفضل، وسينتجون أكثر، وسنجد نحن محتاجين بائسين نمد لهم أكياس الطعام والعصائر والريالات. أعلم مقدار الحيرة التي تتملّك الكثيرين حينما يرونهم عند إشارات المرور، فهم يودون مساعدتهم، لكن في داخلهم ما يخبرهم أن هناك شيئاً غير صحيح وغير سوي في هذه المعادلة. شكرا للمعلمتين، ولكل صاحبة وصاحب عطاء، وشكراً لكم يا عمال النظافة، ونتمنى أن نشكر قريباً شركات النظافة، والأمانات والبلديات المشرفة عليها.

مشاركة :