كابتن أنوش مسلسل فكاهي أفسده الإفراط في الألفاظ الخادشة على الرغم من أن مسلسل “كابتن أنّوش” الذي بدأ عرضه على قناة “إم بي سي مصر” مؤخرا، مليء بالإضحاك والبهجة لمن شاهدوه، إلا أن حشوه بالإسقاطات والإيحاءات الجنسية الصريحة والبعض من الألفاظ الخادشة أفسد متعة المشاهدة، كما أن المسلسل طرح سؤالا عن مدى قدرة بطله، الفنان بيومي فؤاد، على تحمل بطولة مطلقة لعمل درامي وحده.العرب سارة محمد [نُشر في 2017/04/13، العدد: 10601، ص(16)]تعصب مرضي الدراما التلفزيونية التي تتناول أحداثا رياضية تقف في منطقة وسط، بين تلك التي تعالج قضايا مجتمعية وتلك التي تبحث عن الإثارة بمختلف أشكالها، ولعل أبرز ما يميز الأعمال التي تغوص في دنيا الرياضة وكرة القدم، هو مدى قدرتها على صنع الابتسامة والضحك حتى وإن كان البناء الدرامي للعمل ضعيفا، وهذا ما تترجمه أحداث مسلسل "كابتن أنّوش". "أنّوش" هو الاسم الحركي للشخصية التي يجسدها الفنان بيومي فؤاد الذي يقدّم في المسلسل أولى بطولاته الدرامية المطلقة، بعد أن قدّم العديد من الأدوار التي عرضت في رمضان الماضي. وفي رمضان يكون الفنان في مأزق وتحدّ كبيرين، حيث ينافس أعمالا درامية أخرى لنجوم آخرين تعرض لهم أعمال خلال الموسم، ومن ثم تظهر قدرة الفنان على التعمق في اختياراته والوعي بها. وفي الموسم الرمضاني الفائت تعرّض بيومي بالفعل للانتقادات، بل وللسخرية بسبب مشاركته في الكثير من الأعمال التي بلغ عددها تسعة مسلسلات دفعة واحدة. الانتقال إلى مرحلة البطولة المطلقة لدى أيّ فنان يعدّ مسألة تتضمن قدرا كبيرا من المخاطرة، فهناك كثيرون لهم موهبة عظيمة لكنهم لا يستطيعون أن يكونوا أبطالا، وعندما تمنحهم الدراما التلفزيونية الفرصة لا يثبتون أقدامهم، وهذا ينطبق على الفنان بيومي فؤاد الذي لن يجني سوى مكاسب محدودة من مسلسله "كابتن أنّوش"، بعكس إطلالات أخرى سابقة له حقق فيها نجاحات كبيرة عندما شارك نجوما آخرين في العديد من الأعمال. فؤاد في مسلسل "كابتن أنّوش" يقدّم شخصية أحد عشاق النادي الأهلي المصري لكرة القدم، ويظهر عشقه الجنوني لفريقه في ألوان ملابسه الحمراء ولون محل بيع الملابس الذي يمتلكه، وأيضا في ديكورات منزله.موضوع التعصب الرياضي وراءه مجتمع ضخم زاخر بالكواليس والمفارقات الكوميدية التي لم يستثمرها المسلسل جيدا أنّوش هذا، يجبر أفراد عائلته وأصدقاءه على أن يكون ولاؤهم للنادي الأهلي وحده، وحتى عندما يتقدم لاعب الكرة الشهير إبراهيم سعيد -الذي يظهر كضيف شرف في إحدى الحلقات- للزواج من ابنته، يرفضه لتخليه عن النادي الأهلي خلال مشواره الكروي. طبيعة العمل الكوميدي الذي يتناول مسألة التشجيع الرياضي لا تتطلب حشره وحشوه بالكثير من الألفاظ الخادشة و”الأفيهات” الخارجة، إلا أن “كابتن أنّوش” أفرط في استخدامها بشكل مبالغ فيه، ما يعدّ تجاوزا واضحا وغير مألوف في مثل هذا النوع من الدراما، الأمر الذي أدى إلى إفساد متعة المشاهدة عند البعض وذلك رغم حالة البهجة والكوميديا التي يتمتع بها العمل في العديد من المواقف. الأزمة تفاقمت أيضا نتيجة الاستخدام المبالغ فيه للإيحاءات والإسقاطات الجنسية التي ظهرت منذ الحلقة الأولى، كمحاولة لإضفاء الحس الفكاهي على العمل من وجهة نظر مؤلفه، لكنه في الحقيقة كان توظيفا أساء إلى العمل. جدير بالذكر هنا أن المؤلف أحمد أبوزيد، يخوض تجربته الأولى في مجال الدراما الكوميدية، لكنه سبق أن قدّم مسلسلات مأخوذة عن أفلام سينمائية من تأليف والده الكاتب السينمائي الراحل محمود أبوزيد، مثل “العار” و”الكيف”، بالإضافة إلى البعض من الأعمال الأخرى الخاصة به. وليست تلك المشكلة الوحيدة في صياغة العمل وبنائه، بل إن الفكرة الأساسية (وهي التعصب في تشجيع كرة القدم) لم يتم استثمارها بشكل جيد، فموضوع التشجيع هذا وراءه مجتمع ضخم زاخر بالكواليس والمفارقات الكوميدية التي تتعلق بعالم الرياضة ومشكلاته، خصوصا كرة القدم ومشجعيها في بلداننا العربية. ومع ذلك، جاء الأمر مختلفًا في “كابتن أنّوش”، حيث اكتفى المؤلف بسرد البعض من المشاهد التي تتضمن مواقف لمشجعي النادي الأهلي، وهي مواقف قليلة مقارنة بالفكرة التي بني عليها العمل بالأساس، ورأينا في المسلسل مواقف تدور حول أزمات اجتماعية أخرى، مثل “أزمة السكر” والخلافات العائلية داخل الأسر المصرية والاضطرابات العاطفية بين الرجل والمرأة.مشاكل اجتماعية في قالب كوميدي وهكذا بدا المسلسل وكأننا أمام “بانوراما” تجميعية تم تقديمها في صورة كوميدية، أكثر من كونه عملا قائما على فكرة واحدة بعينها، هي التشجيع الكروي العصبي لدى البعض منا، ومن ثم تاهت تفاصيل الفكرة الرئيسيّة. وفي المقابل، ما يحسب لمسلسل “كابتن أنّوش” أنه أول عمل في الدراما التلفزيونية يتناول مجتمع كرة القدم؛ هذا العالم الذي ظل محصورا في الأعمال السينمائية التي تكثّفت بشكل ملحوظ في النصف الثاني من القرن الماضي، إبان عصور كرة القدم المزدهرة في مصر والعالم العربي. وكان من أشهر هذه الأعمال “رجل فقد عقله” و”أونكل زيزو” و”غريب في بيتي”، وشارك فيها حينئذ كبار النجوم مثل فريد شوقي وسعاد حسني ونور الشريف وعادل إمام وكريمة مختار. وما ميّز مسلسل “أنّوش” أيضا وجعله يتمتع بقدر من الجاذبية وجود البعض من الفنانين الذين يتمتعون بنصيب وافر من الشعبية، منهم عبير صبري وإدوارد ومحمد سلاّم ومحمد ثروت وأحمد فتحي ومصطفى أبوسريع، وبالرغم من عدم تصنيف البعض منهم كممثلين كوميديين، إلا أنهم يقدّمون قدرا كبيرا من البهجة في أي عمل يشاركون فيه. وما يحسب لمسلسل “كابتن أنّوش” أنه منح الفرصة لنجوم الأدوار الثانية ليحتلوا مساحة أوفر في الدراما التلفزيونية إلى جانب بطل يأخذ فرصته الأولى في البطولة المطلقة، ما جعل المسلسل لا تنقصه الجماهيرية نظرا لجماهيرية هؤلاء، خاصة أنه قد تم تسليط الضوء عليهم أكثر، ما يعطيهم فرصا أكبر للظهور في المستقبل. وهذه الفرصة ستضعهم بالتأكيد في منافسة أكبر مع غيرهم من نجوم الكوميديا من أبطال مسرح مصر وغيرهم من الفنانين المتخصصين في هذا المجال، ما سيحتم عليهم بذل جهد أوفر، وسيظل هذا كله في نهاية المطاف لصالح مستقبل الدراما التلفزيونية عموما. وعلى كل حال، فإن أزمة الكتابة الكوميدية في الأعمال الدرامية العربية تظل هي المأزق الذي سيطر على معظم الأعمال المقدمة في السنوات الأخيرة وليس في “كابتن أنّوش” وحده، وما اللجوء إلى الإيحاءات الجنسية سوى محاولة لاهثة للإضحاك بأي ثمن. وكان مما أنقص من قيمة “كابتن أنّوش” كذلك، أنه لم يتضمن مشاهد عظيمة في التصوير من مخرجه معتز التوني -رغم أن التوني أصبح واحدا من صناع الدراما البارعين في السنوات الأخيرة- إذ غلبت على المسلسل المشاهد الداخلية (داخل الديكورات). وعلى الجانب الآخر، لا يمكن القول إن “أنّوش” أضاف شيئا لبطلته عبير صبري، التي تتقاسم البطولة المطلقة مع بيومي فؤاد، وكان من الأفضل أن تؤدي دور الشخصية فنانة كوميدية، صحيح أن صبري اجتهدت في تأدية الدور، لكن الاجتهاد وحده ليس مبررا لأن يلعب الفنان دورا كوميديا. ويبقى في نهاية الأمر أن المسلسل حقق رصيدا من المتعة ليس بضئيل، وجعل المتفرج -ولو لمدة قصيرة- ينعزل عن العالم المحيط به والذي يعج بالمشاكل، خصوصا وأن أغلب الأعمال الدرامية التي تعرض في الموسم الحالي تخلو من الطابع الكوميدي.
مشاركة :