ستات قادرة مسلسل جريء افتقد حيوية الأداء والإخراج على الرغم من أن المخرج المصري أحمد عاطف، اختار لمسلسله {ستات قادرة، الذي يعرض حاليا، عنوانا قد يفهم البعض منه أنه يتناول جرأة سلوكيات المرأة، إلاّ أن العنوان يحمل في حقيقته أكثر من ذلك، لأن القدرة التي قصدها مخرج العمل ومؤلفه، تعني مدى مقدرة النساء بطلات المسلسل، على مواصلة الحياة في خضم الكثير من الظروف القاسية، وما يشوبها من تحطيم على الصعيد النفسي والاجتماعي. العربسارة محمد [نُشرفي2016/11/10، العدد: 10451، ص(16)] بطولة نسائية بأداء مهزوز اختار المخرج المصري أحمد عاطف، منطقة المهندسين بالجيزة، المجاورة للقاهرة، لتكون الإطار المكاني لأحداث مسلسله الجديد “ستات قادرة”، وهو العمل الذي تعثر خروجه إلى النور خلال شهر رمضان الماضي، ليلقى نصيبه الوافر من المتابعة والاهتمام خلال عرضه هذه الأيام. وناقش العمل مرحلة تاريخية مهمة وحرجة في مصر، أعقبت فترة الانفتاح الاقتصادي، التي بدأها الرئيس الراحل أنور السادات، بعد حرب أكتوبر 1973؛ تلك الفترة التي كانت النواة الأولى لبداية تفاقم الفروق الطبقية بين فئات المجتمع المصري، والفرصة الأعظم للكثيرين، لتكوين ثروات مشبوهة غيرت حياتهم من القاع إلى القمة. بدأت أحداث المسلسل، تحديدا عام 1989، واستعرضت قصص ثلاث فتيات، تركت اثنتان منهن قريتهما وسافرتا إلى القاهرة الكبرى، إحداهما تدعى “توحة”، ووقعت ضحية الاغتصاب من طرف أشقاء حبيبها، وهكذا تبدأ رحلتها للعمل كخادمة في البداية، إلى أن يصل بها الحال إلى امتهان الدعارة. أما “خوخة” التي هجرت قريتها أيضا، جذبتها أضواء القاهرة وحياة الناس فيها، فتركت ريفها الهادئ لتعمل خادمة أيضا، وتقودها الأحداث إلى التعرف على سيدة محـجبة “الحاجّة” (كما لقبت في الأحداث)؛ وهي المرأة التي تخفي وراء شخصيتها الكثير من الألغاز. الفتاة الثالثة “وِزّة” فتاة قاهرية الأصل، تحاول إيجاد مخرج لأزمتها، بعد أن أصبحت مطلقة، حيث تعمل دلّالة “بائعة ملابس”، تطوف بالمنازل من أجل تأمين نفقات حياتها هي وابنها، خصوصا أن والديها ينتميان إلى الطبقة المعدومة اقتصاديا، وبالتالي فإن عملية استغلال الفقر هي القضية الأساسية في هذا العمل. وفي مسار الأحداث يظهر ضابط شرطة يقود “الدلّالات” للتجسس على بعض المنازل، ويظهر أيضا لص كان يستغل الظروف المتعثرة التي تمر بها “وزّة” المطلقة، فيتزوجها عرفيا، ثم يدفعها إلى سرقة أصحاب الشقق التي تذهب إليها لبيع بضاعتها. وتتمثل الرمزية في هذا العمل، في اختيار منطقة المهندسين الراقية، القريبة من القاهرة لإدارة الأحداث، حيث أنها كانت أكثر المناطق التي شوّهت خلال التسعينات من القرن الماضي بسبب العلاقات المتبادلة بين السياح العرب الذين كانوا يأتون إليها خلال فترات قضاء عطلاتهم، وبين الخادمات اللاتي استسلمن لسطوة المال. واستكمل المخرج أحمد عاطف، وهو صحافي وناقد فني أيضا، رمزيته باستعراض أحلام الفتيات الثلاث، اللاتي جمعتهن الظروف للعيش في هذه المنطقة، مثل الرغبة في تناول الطعام في مطاعم الوجبات السريعة، التي بدأ تأسيسها في هذه الفترة، وارتداء الملابس الراقية، وغيرهما، وهو ما يعبر عن أحلام الفقراء الذين كانت تقودهم الظروف للمرور بهذه المنطقة. اختيار منطقة المهندسين الراقية في المسلسل أتى رمزيا للكشف عن عيوب الانفتاح الاقتصادي في مصر بعيدا عن خط الفقر الذي يقدمه العمل، فإن هناك قضيتين هامتين طرحهما عاطف، تتمثل الأولى في تقديم نموذجين لرجل الشرطة، أحدهما يسعى للبحث عن تفجير قضية ما يحقق من خلالها شهرته من عبر هؤلاء الفتيات، والآخر يتستر عن وجود الشقق التي تتخذ من “الدعارة” تجارة لها، ويتقاضى المال من أجل الصمت، بالإضافة إلى إشباع متعته الشخصية داخل تلك الشقق. أما القضية الثانية والشائكة في المسلسل، فتتمثل في ظهور شخصية “الحاجّة” المحجبة، التي تتاجر في “الألماظ” (الماس) وزواج المتعة، حيث تقوم بتزويج الفتاة لأكثر من رجل، في مدد زمنية قصيرة، بما ينافي ذلك الوجه المزعوم المتخفي بالدين والحشمة والإيمان الكاذب، وكأن المخرج أراد إلقاء الضوء على أن البعض من النساء في مصر يتخذن من الحجاب ستارا لأعمالهن المشبوهة. ويتمتع المسلسل بقدر وافر من الجرأة، التي ربما خففت الرقابة منها قليلا، قبل عرضها على الجمهور، ورغم كل الجهد الذي بذلته بطلات العمل الثلاث في أدوارهن، فإن ثمة حاجزا يقف بين الجمهور وبين بعضهن، خصوصا الدور الذي قامت به الإعلامية ريهام سعيد؛ والتي تتعرض -كإعلامية- كثيرا للانتقاد بسبب طريقة حديثها، وتراجع شعبيتها كثيرا في الفترة الأخيرة. وبعيدا عن كون ريهام سعيد إعلامية مشاغبة ومثيرة للجدل، يتفق أو يختلف على أدائها البعض، فإن عملها هنا في هذا المسلسل، أفقدها قدرا كبيرا من شعبيتها المتبقية؛ لما تحمله من جمود في تجسيد الشخصية، بعكس ما كانت عليه سابقا في مسلسلي “ابن حلال” و”شارع عبدالعزيز”. وبالنسبة إلى بطلتي العمل الأخريين، عبير صبري ونجلاء بدر، لم تكونا في كامل قدراتهما التمثيلية، رغم حرفيتهما في الكثير من الأدوار التي قدمتاها في الفترة الأخيرة، حيث افتقد أداء كل منهما في هذا المسلسل التلقائية والتقمص الفعلي للشخصية، إلى درجة أشعرت المشاهدين بالغربة، والأمر ذاته ينطبق على بقية أفراد فريق العمل، فجميعهم ظهروا وكأنهم يؤدون “واجبا مفروضا عليهم” على الشاشة. مع أن المخرج ومؤلف العمل أحمد عاطف له تجارب إخراجية لفتت الأنظار على الصعيد السينمائي، مثل “قبل الربيع”، و”الغابة”، إلاّ أنه في تجربته التلفزيونية “ستات قادرة”، لم يكن في كامل لياقته الفنية، فبعض المشاهد الخارجية بدت وكأنها مهزوزة، بالإضافة إلى عدم التوفيق في اختيار بعض الفنانين، وتوظيفهم جيدا داخل الأحداث، ما جعل الصورة العامة تأتي نمطية وشديدة التقليدية، مع اقتصاره في أغلب مشاهده على التصوير الداخلي. ربما كان افتقاد عاطف إلى لياقته وكاميراته المنطلقة في هذا المسلسل عائدا إلى الظروف الإنتاجية المتعثرة التي مرّ بها العمل، وفترات الانقطاع والعودة التي أثّرت على الحالة الإبداعية التي يعيشها المخرج في عمله، وهكذا بدا وكأن المخرج أكمل المسلسل لمجرد ارتباطه بجهد سابق بذله فيه. ومع ذلك، يظل مسلسل “ستات قادرة” عملا دراميا مهما في فكرته، وجرأته الشديدة واختلافه عن الكثير من الأعمال السابقة ذات البطولة النسائية التي ظهرت خلال الفترة الأخيرة، خصوصا وأنه يستعرض الكثير من الأحداث التي تكشف النقاب عن الكثير من الظروف الحياتية، التي كانت سببا في الكثير من التغيرات المجتمعية في مرحلة مهمة من تاريخ مصر. :: اقرأ أيضاً لا تدع رجلا جائعا يحرس الأرز ولا رجلا غاضبا يغسل الصحون الكاتبة العراقية ميادة خليل: الكاتب العربي مازال مقيدا 150 شاعرا من 27 دولة عربية وأجنبية في مسابقة أمير الشعراء عزت العلايلي من معرض الشارقة للكتاب: الفنان مسؤول عن المجتمع
مشاركة :