مسلسل الجماعة 2 يستكمل الغوص في تاريخ الإخوان من الأعمال الدرامية التلفزيونية التي يترقبها المشاهد العربي بفارغ الصبر، الجزء الثاني من مسلسل الجماعة لكاتب الدراما المصري وحيد حامد، والذي انتهى من كتابته بالفعل وبدأ تصويره مؤخرا، وبينما يتوقع العديد من النقاد ألا يقل نجاح الجزء الثاني عن نجاح الأول، أكد آخرون أن المنتمين للإخوان سيثيرون لغطا كبيرا حوله، قد يمتد إلى قطاعات كثيرة من المثقفين العرب والمصريين. العربسارة محمد [نُشرفي2017/02/23، العدد: 10552، ص(16)] حدوتة الجماعة لم تنته سبعة أعوام تمر بين تقديم الجزء الأول من مسلسل “الجماعة” وجزئه الثاني الذي يتم تصويره حاليا، تمهيدا لعرضه في رمضان المقبل، وخلال تلك الفترة أعيد تشكيل التاريخ السياسي لمصر، بين وقوع ثورتين وإجراء انتخابات رئاسية مرتين، وتولي واحد من الإخوان رئاسة الدولة لمدة عام كامل. في “الجماعة 2” يعيد وحيد حامد قراءة المشهد من جديد، في محاولة للربط بين ماضي الإخوان المسلمين وحاضرهم، فيتعرض لاثنين ممن واصلا مسيرة الجماعة، بعد أن انتهى الجزء الأول بوفاة مؤسسها الشيخ حسن البنّا، وهاتان الشخصيتان هما: حسن الهضيبي المرشد الثاني للجماعة، وسيد قطب إحدى الشخصيات المؤثرة في مسيرتها، وهو من منظري فكر “السلفية الجهادية” في ستينات القرن العشرين. ومن ثم، فإن “الجماعة 2” سيكون عاملا مساعدا للمشاهد ليتمكن من إعادة قراءة تاريخ وسياسة الجماعة، وتفنيد البعض من الأمور التي لا يدركها الكثيرون، بالضبط كما فعل الكاتب في جزئه الأول الذي كان بمثابة بوابة التعارف الحقيقية بين الجمهور والجماعة، التي لم يكن يعرف عنها أكثر من كونها “محظورة”. ويركز حامد في هذا الجزء الجديد من المسلسل على علاقة الإخوان بدءا بالملك فاروق (حاكم مصر قبل ثورة 23 يوليو 1952)، مرورا بقائد تلك الثورة الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، وصولا إلى اغتيال الرئيس الراحل أنور السادات عام 1981، حيث تنتهي أحداث المسلسل. خيرية البشلاوي: هل ينجح الكاتب في قراءة التاريخ الشائك بعيدا عن الهوى العمل الدرامي يخرجه هذه المرة المخرج شريف البنداري في أولى تجاربه التلفزيونية، وكان الجزء الأول قد أخرجه محمد ياسين، ويجسد شخصية حسن الهضيبي الفنان عبدالعزيز مخيون، بينما كان الفنان الأردني إياد نصار هو من قام بدور حسن البنا في الجزء الأول، وقدمه باقتدار أثار الانتباه. أما دور سيد قطب فيؤديه الممثل الشاب محمد فهيم، أحد خريجي ورشة المخرج خالد جلال المسرحية بمركز الإبداع الفني والذي سبق له تقديم شخصية “هاملت” على خشبة المسرح، ومشاركته في بعض الأدوار على مستوى السينما والتلفزيون، بينما تقدم الفنانة صابرين شخصية زينب الغزالي، وهي داعية دينية وسياسية مصرية تنتمي إلى الجماعة. وفي حوار سابق للكاتب وحيد حامد مع “العرب”، أكد أن “حدوتة” جماعة الإخوان لم تنته، وأشار إلى أنه لا يؤلف، بل يقوم بالتأريخ، من خلال فريق من الباحثين يعمل معه بالاستعانة بالكثير من المراجع، وقال إنه لن يتعرض في الجزء الثاني للأحداث الأخيرة للجماعة، لأن الصورة لم تكتمل بعد. وشهدت الأعوام 2012 و2013 و2014 كمّا ضخما من الأعمال الدرامية التلفزيونية التي تعرضت لأحداث جماعة الإخوان، سواء تلك التي لازمت فترة حكمها، أو تلك المرحلة التي أعقبت تركها للحكم، وفيما تميز البعض من هذه الأعمال بالتناول الموضوعي المنطقي، إلا أن بعضها الآخر جاء كنوع من تفريغ الطاقات المكبوتة ضد هذا الفصيل، وبالتالي فقد كان بمثابة معالجة متسرعة فضفاضة من أجل ركوب الموجة، خصوصا وأن المشهد الحالي مازال في حاجة إلى قراءة فنية متعمّقة وواعية. وكان المسلسل من بين الأعمال التي وضعت في قالب منطقي حمل ذكاء شديدا من كاتبها مسلسل “الخواجة عبدالقادر” لكاتب السيناريو عبدالرحيم كمال، وقام ببطولته الفنان يحيى الفخراني. ورسم هذا المسلسل العلاقة بين التطرّف الديني لمجموعة من شباب الإخوان (الذين حاولوا هدم ضريح ‘الخواجة’)، وبين هذا الأجنبي “المخمور” الذي حفظ القرآن واعتنق الإسلام عن اقتناع وإيمان وحب. وكان هناك أيضا مسلسل “الداعية” بطولة الفنان هاني سلامة، الذي عرض عقب خلع الجماعة (عام 2013) بأيام، إلا أنه كان تفريغا لشحنات الغضب ضد الجماعة عبر إضفاء الوحشية على تصرفاتها التي قامت بها خلال فترة الحكم. أما الأعمال التي كان التشويش عنوانها، فمنها مسلسل “تفاحة آدم” الذي لعب بطولته الفنان خالد الصاوي، ولم يستطع تقديم رؤية متوازنة للأحداث، بل جاء مجرد مسايرة للموجة. وعلى الجانب الآخر، تم تقديم أعمال درامية تضمنت نظرة ثنائية بين التعاطف والغضب من نموذج “الإرهابي”، باعتبار أن هذه الجماعة أدرجت تحت هذا المسمى -“جماعة الإخوان الإرهابية”- ومنها مسلسل “عد تصاعدي”، للفنان عمرو يوسف والذي رصد حكاية تحول مهندس إلى إرهابي بعد تعرضه للظلم والفصل من عمله، وتعرفه على إحدى قيادات هذه الجماعة. سيد قطب الأصل والصورة وتتعدد الأسئلة حول جدوى تقديم جزء ثان عن “الجماعة” هذا العام وفي مقدمتها، ما أهمية ذلك الآن، فيما المشاهد يكاد ينسى الإخوان وجرائمهم، وبات منصرف التفكير عما اقترفوه خلال فترة حكمهم، خاصة وأن معظم قياداتهم مسجونة الآن؟ وأكدت الناقدة خيرية البشلاوي لـ”العرب” أن السؤال ليس في محله، إذ أنه من الضروري أن يعرف الجمهور تاريخ تلك الجماعة من خلال الفن، والتي انتشرت فروعها ليس داخل المدن المصرية وحدها، بل أصبح لها ممثلون في دول كثيرة وتتمتع بالسطوة والنفوذ الاقتصادي والسياسي في الكثير من بلدان العالم. ومع ذلك شددت البشلاوي على أن الحكم على الجزء الجديد لا يمكن رصده الآن، إلا بعد أن نتعرف على طريقة معالجة وحيد حامد للأحداث ومعرفة وجهة نظره منها، لأن موقف الكاتب مهم وكذلك موقف الجهة المنتجة أيضا، لأنهما هما اللذان سيحددان الاتجاه الذي سيسير فيه العمل وما إذا كان سيأتي محايدا أم لا؟ وقالت “أي عمل يتناول تاريخ الإخوان المسلمين المتخم بالأحداث والاغتيالات والعلاقات المتشابكة مع الحكام والناس والأنظمة الحاكمة، لا بد أن يسبقه بحث طويل ومجهد”، وهو ما نجح فيه حامد بالفعل في الجزء الأول، خاصة في ما يتعلق بعلاقة الإخوان بالاستعمار الإنكليزي لمصر، فهل سيكرر ذلك في الجزء الثاني؟ والحقيقة أن أهم ما يجب التركيز عليه في أي عمل درامي عن جماعة الإخوان، هو الأيديولوجية الخاصة بالجماعة وكيفية نشأة جذورها، ولماذا كان لها كل هذا التأثير الكبير على الشباب تحديدا، بل وما هي طبيعة الدين الذي تتحدث عنه وتقنع به الآخرين؟ ومعلوم أن لكل فصيل من فصائل الإسلام السياسي تصوّره الخاص به للدين، بدءا من المعتزلة والخوارج، وصولا إلى فصيل الإخوان، والأمر المهم في هذا الشأن، أن يكون كاتب العمل يتسم بالثقافة وبقدرته على البحث في أضابير التاريخ، وكذلك مدى حياديته العقلية وموضوعيته المنهجية وحُسن النوايا، فهل سينجح وحيد حامد في هذا الاختبار الجديد؟ “الجماعة 2”، سيفتح بالتأكيد بابا للجدل والحوار لن ينغلق بسهولة حول الحقائق التي يتضمنها ووجهات النظر التي سينقلها للجمهور، كما أنه بلا شك سوف يثير عاصفة جديدة من الهجوم من جانب أنصار هذه الجماعة، كما حدث في الجزء الأول عندما شنوا حملات الانتقاد وطالبوا عبر وسائل التواصل الاجتماعي بمقاطعته، واتهموا وحيد حامد بتشويه تاريخهم، والإساءة لمؤسس الجماعة حسن البنّا، وكل ذلك يضفي المزيد من الإثارة والتشويق على العمل الفني لدى الجمهور المترقّب.
مشاركة :