القدس - في شارع صغير في بيت لحم، على بعد خطوات من كنيسة المهد، تسعى مجموعة من هواة الأيقونات الدينية إلى إحياء هذا الفن بعد قرابة ألفي عام على ظهوره في القدس التي تبعد كيلومترات قليلة. فقد رسم لوقا الإنجيلي في العام 60 للميلاد الأيقونة الأولى التي تظهر فيها العذراء مريم والطفل. وفي عام 2017، يلقن البريطاني ايان نولز، هذا الفن القديم إلى فلسطينيين مسيحيين وبولنديين وكنديين في المكان الذي ولد فيه السيد المسيح بحسب التقليد المسيحي. أمام إحدى الأيقونات الدينية التي أنجزها وهي بعنوان "سيدة فلسطين" وتظهر فيها العذراء مع دمعة على خدها فوق القدس وجبال الكرمل ونيبو التي ترمز الى الأراضي المقدسة، يقول نولز إنه أتى لتمضية "أسبوعين في فلسطين، وما زلت هنا بعد تسع سنوات". ويراقب نولز طلابه لهذا الأسبوع وهم يمررون بدقة فرشاة الطلاء ممارسين هذا الفن بصمت وخشوع. فن الأيقونات الدينية يأبى الاندثار ويختلف عن رسوم دينية معروضة بأعداد كبيرة وتباع بأسعار بخسة في مئات من محلات التذكارات في الأسواق التي يرتادها السياح والحجاج. ويقول نقولا جحا، رئيس مركز الأيقونات في بيت لحم "بالنسبة لنا، الايقونات ليست تجارية بل هي صور مقدسة نقوم بتكريمها". ويوضح جحا إن المسيحيين الفلسطينيين في منازلهم "يضعون الشموع أمام صور الأيقونات الدينية للصلاة أمامها". ويصلي عشرة متدربين معا وهم يحملون أيقوناتهم الدينية التي شارفوا على إنجازها في كنيسة صغيرة ذات سقف أزرق. وخلال الصلاة، يقوم المطران جول يوسف زريعي، النائب البطريركي العام في بطريركية الروم الملكيين الكاثوليك بمباركة كل أيقونة مستعينا بغصن زيتون غمسه في الزيت المقدس. ولإنجاز هذه الأيقونات الفريدة من نوعها، والتي تنفذ بحسب الطلب، تستخدم فرش مصنوعة من وبر حيوانات مصدرها القدس أو لندن. أما الصباغ فهو من الأراضي المقدسة، على ما يقول جحا مشيرا إلى أن الأحجار الصفراء اللون تأتي من أريحا، أما تلك زهرية اللون لرسم الوجوه، فمن القدس. وأعجبت روز كودنيلير، التي أخذت إجازة من مركز لإيواء النساء تعمل فيه في بريطانيا للمجيء خلال أسبوع الآلام إلى مدينة بيت لحم جنوب الضفة الغربية المحتلة، بكون كل أيقونة دينية تحمل قصة معينة. وتقول هذه السيدة المسيحية الشقراء (33 عاما) التي تقوم بطلاء أيقونة وجه المسيح بعناية إن هذا العمل "طريقة للتوصل إلى فهم أعمق لشخصيات الكتاب المقدس وما ورد فيه" مشددة على أن الأيقونات تسمح بالجمع بين الدين والبيئة "إذ إن الصباغ مأخوذ من الطبيعة". ويوفر نولز حصصا للحجاج خلال زيارتهم بكلفة 250 يورو، فيما هي متاحة للفلسطينيين على مدار العام. ويعتبر جحا أن المركز نجح "في احياء تراث فلسطيني قديم اختفى لوقت طويل في بيت لحم التي تحتل موقعا هاما للغاية من الناحيتين الدينية والجغرافية". فهذا العمل الفني الديني لا يعيل أحدا في الاراضي الفلسطينية المحتلة منذ خمسين عاما، حيث ينتشر الفقر والبطالة. ويؤكد نولز أن فنه يأتي أيضا كوسيلة لمساعدة المجتمع المسيحي المحلي. ويقول "من الناحية الثقافية، المجتمع المسيحي متروك لوحده" في وقت تراجع فيه عدد المسيحيين الفلسطينيين إلى اكثر بقليل من 1% من سكان في الضفة الغربية بينما كانوا يشكلون 20% قبل خمسين عاما. والمركز عبارة عن منزل مرمم يعود لعائلة مسيحية فلسطينية تقيم في المهجر، شانها في ذلك شأن الكثير من المسيحيين الفلسطينيين الذين هاجروا إلى أنحاء مختلفة من العالم. إلى جانب عدم توافر القدرة على شراء المواد اللازمة لإنتاج الأيقونات الدينية، يعاني الفلسطينيون من الإغلاقات التي تفرضها اسرائيل على الفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة. ويساءل نولز "كيف تحصل على أفضل المواد من القدس، إذا كان ممنوعا عليك الدخول اليها؟". ويؤكد الفنان البريطاني "من المهم تعليم فن الايقونات الدينية ليس كهواية بل كمهنة حقيقية، لإحياء تقليد كان يشكل جزءا اساسيا من المجتمع المسيحي هنا". وهذا العام، تقدم 36 فلسطينيا لتعلم صنع الأيقونات برسم رمزي قدره 25 يورو.
مشاركة :