سورية بين الثابت والمتحول

  • 4/16/2017
  • 00:00
  • 41
  • 0
  • 0
news-picture

يثير المشهد السوري الراهن الكثير من التساؤلات والاحتمالات التي تفرض ضرورة العودة لنقاش هادئ بهذا الصدد. 1- فأول ما يجب تذكره - مع التطورات الأخيرة بالضربة الأميركية ضد مطار الشعيرات، أنها أعادت التأكيد أو أعطت الانطباع بأن سورية كانت ولا تزال أحد الأبعاد الرئيسة للصراع في المنطقة، إلى الحد الذي يذكرنا ببعض ما كان يتردد في الخمسينات من القرن الماضي من أن السيطرة على سورية تعطي لصاحبها فرصة نفوذ أكبر في المنطقة - وفي الواقع أن هذا الطرح فيه قدر من المبالغة - فسورية كانت ترتبط منذ عقود بالنفوذ الروسي – بل كان من المفارقات أن انهيار الاتحاد السوفياتي كقطب دولي رئيس -لم يؤد إلى خروج روسي كامل من سورية - بل استمر الترابط والتفاهم الاستراتيجي بين البلدين في شكل جعل سورية أحد مظاهر أو بقايا الدور العالمي لروسيا أو لعله المظهر الوحيد حتى الآن، فالنفوذ الروسي في دول آسيا الإسلامية لا يختلف كثيراً عن ما تتمتع به دولة كجنوب إفريقيا في دول السادك وفي دول جنوب القارة الإفريقية في شكل خاص، أو على الأقل هو مشابه لهذا النمط من النفوذ لدولة كبرى أو متوسطة مع جيران أصغر مترابطين اقتصادياً وثقافياً. ما جعل سورية منذ البداية حالة خاصة بالنسبة لروسيا، والذي حدث بعد التدخل الروسي العميق في سورية أن العلاقة انتقلت من الترابط والتلاحم الاستراتيجي، إلى ما يؤهلها -أي سورية- لأن تكون مجالاً أكبر للنفوذ الروسي، ونقطة انطلاق محتملة لهذا النفوذ إقليمياً. وهنا أعود للمقولة التي بدأنا بها الحديث، وهي أن النفوذ والمكانة الروسيين اللذين لم يتوقفا في سورية لم يعطيا لموسكو أي فرصة حقيقية لنفوذ إقليمي شرق أوسطي أو عربي خلال هذه العقود السابقة، وقد لا يعطيانها في المستقبل حتى إذا نجحت في أن ترسخ من نفوذها في سورية. 2- إنه عبر كل مراحل الثورة ثم الحرب في سورية، كانت مفردات الصراع والتسوية في معظمها واحدة، بقاء الأسد مع استمرار النظام أو رحيل الأسد وبقاء النظام، أو رحيل الأسد والنظام معاً، توحيد المعارضة وتشرذمها، وأخيراً أيهما يجب التركيز عليه رحيل الأسد أم القضاء على التنظيمات الإرهابية المتشددة، ومن المسؤول عن ظهور هذه التنظيمات. 3- إنه لا يمكن إنكار أن مسؤولية ظهور هذه التنظيمات المتشددة – التي تتخذ من الإسلام شعاراً لها عن غير حق -أن مسؤولية بروز هذه الظاهرة تقع على عاتق كثير من الأطراف الدولية والإقليمية، فضلاً عن النظام السوري، فالمعلومات كثيرة حول تورط أطراف عدة في دعم هذه التنظيمات -في أكثر من مرحلة بتأثير وهم أنه دعم مرحلي حتى التخلص من هذا النظام المدان تاريخياً والملوث بدماء مئات الألوف من شعبه، أما مسؤولية النظام فواضحة سواء كان صحيحاً الاتهام بأنه في بعض المراحل أفسح الطريق لهذه العصابات لتغيير شكل الصراع وأبعاده، أو لأن استمراره وقسوته أثارا كثيراً من ردود الفعل المتطرفة واليائسة. وفي النهاية بصرف النظر عن المسؤولية تجاه هذه الظاهرة، فإنه لا يمكن استمرار تجاهل خطورة ما تمثله هذه الظاهرة ليس فقط سورياً وعربياً بل على البشرية كلها، وإنه لا بد من اتخاذ إجراءات حاسمة للتعامل مع هذا التهديد والخطر الوجودي. 4- إن أخطار الأزمة السورية بسبب جملة التعقيدات والتطورات المحيطة بها، قد أصبحت تمتد إلى صلب وجود الدولة والمجتمع في سورية، وكلما استمر الصراع والقتال، وما يحيط بهما من حركة للبشر باتجاه النزوح والتهجير، زادت صعوبة إنقاذ كيان الدولة في سورية، فضلاً عن استمرار النزيف البشري غير المقبول. 5- إن الضربة الأميركية أعادت مواقف الأطراف إلى بعض وليس كل منطلقاتها الأولى، فاللغة الأوروبية التي كانت قد تأثرت بالواقع الجديد الذي سببه التدخل الروسي، فقبلت الحديث عن سورية بوجود الأسد -سواء كمرحلة انتقالية أو كأمر واقع، عاد أغلبها للحديث مجدداً عن ضرورة رحيل الأسد. والأطراف العربية التي تبنت هذا الاتجاه منذ البداية أيدت من دون تردد هذه الخطوة - وعارضت الدول الحليفة والمتورطة كإيران و «حزب الله» هذه الخطوة كموقف واضح بالنسبة لها، كما عارضت تلك الدول التي ترتاب في السياسات الأميركية كالصين وبعض دول أميركا اللاتينية، وواصلت تركيا سياساتها الانتهازية التي تمارسها منذ فترة، فبعد أن دعمت «داعش»، تركت حلفاءها وسايرت روسيا بعض الوقت، ثم أيدت هذه الضربة -لتثير كثيراً من التساؤلات لحلفائها قبل أعدائها عن مدى مصداقيتها ومدى جديتها. 6- إن التقييم الدقيق لآثار هذه الضربة سيتوقف من دون شك على ما إذا كانت هناك خطوات أخرى تالية أم لا، وهنا نلاحظ أنه بينما صدرت تصريحات من مسؤولين أميركيين بما في ذلك ترامب نفسه بأنه ربما تلى هذا عمليات عسكرية أخرى، فإنه من ناحية أخرى تم تداول مواقف نسبت لبعض أعضاء الكونغرس بتأييدهم لهذه الخطوة بشرط العودة للكونغرس قبل الإقدام على خطوة تالية، وفي الواقع أن الشواهد التالية بخاصة تبين أن تأثير هذه العملية المحدود نسبياً بسبب إخطار روسيا والتعبئة العسكرية الروسية، فضلاً عن استعادة تصريحات ترامب خلال الحملة الانتخابية تشير كلها إلى عدم توقع تصعيد أميركي كبير، وأن ترامب كان في حاجة لتحويل الأنظار عن فشله في تنفيذ عدد من برامجه الانتخابية الرئيسة كما أشرنا في مقالنا السابق، وتوقعنا أنه قد يلجأ لتحركات خارجية تعويضاً عن إحباط سياساته الداخلية حتى الآن. 7- مع استبعادي تصعيداً أميركياً متواصلاً، وأن يتم الاكتفاء بهذا أو ببعض التدخلات المحدودة المتشابهة، فالمتوقع أن يتبلور هدف هذه الضربة حول مجرد إعادة التوازن للعملية السياسية بما يسمح باستيعاب الدور الأميركي في التفاعلات في شكل أكثر جدية، كما تزداد الاحتمالات أن يتم استثمار هذه الخطوة في تصعيد مخطط نحو إعادة شروط التسوية في ما يتعلق بمفردة بقاء الأسد أم رحيله، ويؤكد هذا نمط التفاعلات المحيطة بزيارة تيلرسون وزير الخارجية الأميركي لموسكو، رغم استمرار الحديث عن الخلاف بين الجانبين، وعموماً فإن هذا سيتوقف على مدى ثبات الموقف الأميركي في هذا الاتجاه، كما سيتوقف على حين بدء التراجع الحقيقي لتيارات العنف المتأسلم كلها. يبقى أن ما هو أكثر وضوحاً حتى الآن أن معاناة الشعب السوري الشقيق ستستمر، وأنه لم تتضح بعد معالم تسوية شاملة لمعاناته تشمل المفردات الأخرى التي لا تقل أهمية عن ما سبق ذكره، وهي إعادة الإعمار، وعودة النازحين والمهجرين، وتطبيق العدالة الانتقالية، وشروط كل هذه الأبعاد بما في ذلك إنهاء كل مظاهر الظلم والتجاوزات بحق هذا الشعب العربي.     * كاتب مصري

مشاركة :