عندما أعلنّا حربنا على شجرة الجوز وقطعناها، تأكدنا أن للحروب نواتجها الجانبية؛ فليس كل ما في حروبنا على النبات مذموما.العرب لطفية الدليمي [نُشر في 2017/04/16، العدد: 10604، ص(11)] كلما تذكرت شجرة الجوز في بستان طفولتي تساءلت: هل الحروب قدر بعض الكائنات من بشر وأحياء ونباتات؟ وهل السلام حالة استثنائية بين الأحياء من جهة وبينهم وبين الطبيعة من جانب آخر؟ وعندما شهدت قطع الشجرة عرفت أن للحروب نواتجها الجانبية ومنافعها لبعض المتاجرين ببقايا المعركة. كانت لنا في بستاننا شجرة جوز عملاقة هي أعجوبة طفولتنا ومحط أحلامنا الصغيرة وكنا نترقب أن تثمر وتشبعنا جوزا شهيا كنا نشتريه من باعة جوالين يأتون به من الجبال، لكن شجرتنا العتيدة لم تفعل أبدا وقررت ألاّ تثمر في البيئة الغريبة بعيدا عن طراوة المناخ الجبلي. أتوا بشتلة الجوز من غابات بكرٍ تنمو فيها أشجار الجوز العملاقة وتساقط ثمارها هباتٍ طيبة للسناجب والعابرين ورواد الغابات، زرعوا شجرة الجوز وحيدة في بستان نخل وبرتقال وأعناب وأحاطوها بمتسع من الأرض الخالية؛ إذ أخبرهم العارفون بطباع البشر والشجر أن شجرة الجوز تقتل كل نبات يقترب منها ولا بد من إبعادها عن جذور أشجار البرتقال التي لا تتآلف معها بل تنازعها حياتها وتعلن الحرب عليها، وهكذا فرضت شجرة الجوز شروطها: أن تحيا مستقلة لا تتقبل نبتا غريبا في مملكتها باستثناء أشجار الجوز التي تحافظ معها على سلالتها بعنصرية نباتية مشهودة؛ فلم نألف ذلك في أشجارنا وعرفناها في سلوك البشر من حكايات أهلنا. كانت شجرة الجوز تقتل بصمت كل عشبة أو نبتة تقترب منها دون أن تعلن الحرب على رؤوس الأشهاد كما يفعل نبات “قصب أستراليس” الذي يعيش في الأراضي الغدقة ويمتلك قوة دفاع عدوانية عن الأرض التي يحتلها بإنتاجه مادة سامة ليقتل النباتات الأخرى مستخدما أساليب حرب بيوكيميائية إذ تقوم جذوره بإطلاق حمض سام يدمر جذور النباتات الأخرى وبعد تحللها يتغذى عليها ويتكاثر وتمتد حروبه إلى نباتات أخرى كما تفعل الدول المهيمنة على عالمنا. نمت شجرة الجوز حتى بلغ ارتفاعها نحو ثمانية أمتار وكانت تزهر ربيعا وتتوهج تحت شمس مارس، وفي أول عاصفة نيسانية تتساقط زهورها الهشة ولا تنعقد ثمارا حتى صار يُنظر إليها كشجرة تشكل عبئا على البستان وتحتل مساحة كبيرة كان يمكن أن يزرع فيها بضع أشجار مثمرة. غير أن نساء القرية المتغنجات كان لهنّ رأي آخر في الشجرة العاقر، فقد عرفن من خبرات الجدات أن قشور أشجار الجوز وأوراقها أفضل مادة مطهرة للجروح وأرخص مادة تجميلية منذ أقدم الأزمنة، فكنّ يقطفن الأوراق الخضراء ذات الرائحة المميزة ويدعكن بها شفاههن لتكتسب اللون العنابي المميز للشفاه المغوية، كما استخدمن أوراق الجوز المجففة لتخضيب الشعر والأصابع والأيدي بخضاب أدنى ثمنا من الحنّاء، أما الخبيرات منهن فكن يستخدمن لحاء شجرة الجوز ويدعكن به الأسنان والشفاه ويشترينه من العطارين الذين يجلبونه من الجبال ويبيعونه مع المساحيق والكحل ومراهم زيت الورد وماء زهر البرتقال. عندما أعلنّا حربنا على شجرة الجوز وقطعناها، تأكدنا أن للحروب نواتجها الجانبية؛ فليس كل ما في حروبنا على النبات مذموما، سمع العطار بالأمر فجاء مسرعا وعرض ثمنا مجزيا لشراء لحاء الشجرة الذي جعله حزما صغيرة لبيعها في دكانه، واشترى النجار الجذع المديد ليصنع سريرا لعروس ابنه من خشب الجوز الأبيض الثمين فلم يكن لينتظر أفضل منه لجهاز عرس، وصنع حارس البستان سياجا جميلا لحديقة الورد من الأغصان المتبقية، واكتفت قريباتنا وجاراتنا حين سمعن بواقعة قطع الشجرة بجمع الأوراق وبقايا اللحاء للتجمّل بها لاقتناص العشاق في أماسي الغواية. كاتبة من العراقلطفية الدليمي
مشاركة :